نتائج الجولة الأولى للأنتخابات المصرية كانت مفجأة للجميع فلم يكن أحد يتوقع فوز أحمد شفيق وهو أحد إزلام مبارك القابع في السجن إنتظارا لكلمة القضاء فيه وأخر رؤساء حكوماته. لكن بالنسبة للمتتبع العارف بالأمور كان شيئا طبيعيا . ففوز محمد مرسي مرشح الأخوان كان متوقعا بناء على نتائج الأنتخابات البرلمانية وتاريخ الصراع السياسي في مصر ، رغم أن البعض كان يتوقع حصول السيد أبو الفتوح على أصوات بعض الأخوان المسلمين والصوفيين فيضعف فرصة الاخوان المسلمين في النجاح . أما أحمد شفيق فلم يكن أحد يتوقع نجاحه نظرا لانه كان أخر رئيس لحكومات مبارك عدو الثورة المصرية . ولكن الحقيقة إن كلا الرجلين كانت لديه فرص النجاح أكثر من غيرهما . فالانتخابات تحتاج إلى تنظيم حزبي قوي ولا يمكن لشخص مهما كانت سمعته أن يفوز في إنتخابات الرئاسة في بلد كبير مصر على أساس فردي أو دعم حزب جديد لم تتم إرساء فواعده الشعبية في كل أرجاء البلاد. كلنا يعرف الألة الجهنمية لتنظيم الأخوان المسلمين خلال 60 سنة الماضية في كل قرى مصر ومدنها ، وقد جند هذا التنظيم الجهنمي أقصى قوته في صالح السيد محمد مرسي لا للفوز على العلمانين فقط ولكن لمنع إنقسام أصوات أنصار الأخوان المسلمين لصالح السيد أبو الفتوح .أما فوز السيد أحمد شفيق فيرجع إلى اسباب أهمها ثلاتة . الأول دعم أنصار الحزب الوطني الذي كان يحكم مصر والذي أمتدت عروقه في كل ارجاء مصر لفترة أكثر من ثلاتين عاما ولا زال أنصاره أحرارا يتمتعون بنفوذهم ونشاطهم وحياتهم المرفهة وبلايينهم في الداخل والخارج يتربصون بأنهيار الثورة وعودة نفوذهم وأمتيازاتهم خاصة أن الثورة المصرية لم تكن ثورة حقيقية بالمعنى المعروف بل كانت إنتفاضة شعبية إنتهت بتنازل مبارك عن السلطة للمجلس العسكري للقوات المسلحة الذي يتالف من زملاء مبارك وتلاميذه وشركائه في الحكم ، وبقى نظامه على حاله بما فيه أجهوة الجيش والشرطة والأدارة والمخابرات ورجاله في الحكم من رؤساء حكومات ووزراء . . ورغم أن أحمد شفيق يدعي مناصرة شباب الثورة إلا أنه في نظر أنصار عهد مبارك هو أقرب إليهم من المرشحين الأخرين وهو محسوب عليهم ، وفي عهده لن يتم القصاص منهم كما يريد الأخرون وسيحتفظون بنفوذهم وأموالهم وحرياتهم . وفي نظرأنصار مبارك إن عمرو موسى من خوارج الحزب الوطني منذ خروجه من وزارة الخارجية المصرية . السبب الثاني لفوز أحمد شفيق هو توحد المسيحيين حوله خوفا من فوز الأخوان المسلمين الذي يهدد نفوذهم ووجودهم أو هكذا يعتقدون . أما السبب الثالت الأهم فهو إنقسام الأصوات المحايدة التي لا تريد عودة حكم مبارك ولا تريد تولي الاخوان المسلمين للسلطة ، ومعظم شباب ثورة يناير هم من هذه الشريحة , وهؤلاء جميعا توزعت أصواتهم بين عمرو موسى وصباحي وابو الفتوح وهم الأغلبية وضعف مؤيدي الفائزين الأولين معا . كما ينقص هؤلاء الرافضين للكتلتين الأسلامية والمباركية التنظيم الحزبي الواحد وخاصة في المناطق الريفية التي ينعدم فيها الوعي السياسي والأنتخابي وحيث العصبية والقبلية تلعب الدور الهام وقد تقررت إنتماءاتهم بين الأخوان المسلمين والحزب الوطني منذ زمن . من هذا نرى أن فوز محمد مرسي وأحمد شفيق للجولة الثانية ليس مستغربا .
من هذا التحليل أحذر الليبيين بأن نتائج الأنتخابات القادمة للمؤتمر الوطني ستتم على المنوال المصري بين الأخوان المسلمين الذين أرسوا نفوذم في المجتمع الليبي كباقي المجتمعات الأسلامية ، وأنصار نظام القدافي الذين لا زالوا اقوياء أحرارا يتربصون لانهاء الثورة والعودة ألى ما كان بسمي المجتمع الجماهيري الثوري ،خاصة أن المجلس الأنتقالي اطلق سراح كبارهم وتركهم أحرارا يتمتعون بنفوذهم وبلايينهم كأن القذافي كان يقترف الجرائم هو بمفرده وليس بأيدي مساعدية وأنصاره في الحكومة والجيش والشرطة واللجان والمؤتمرات الشعبية والجهاز الحكومي والذين لا يقل إجرامهم عن جرائم رئيسهم بل هم كانوا أكثر إجراما فقد كانوا أداته المباشرة في تنفيذ القتل والقمع والثوريت وتسيير أمور الدولة حسب أرائه ومطامعه وأهدافه ومصالحهم الشخصية . ولا زالوا أكبر شريحة منظمة في المجتمع الليبي . فالثوار منقسمون على أنفسهم وغارقون في التمتع بأنتصارهم ويريدون جني ثمار ذلك حالا بتقسيم أنفسهم بين كتائب المدن والأحتفاظ بالسلاح ويريدون فلوس النفط والخزانة خالية بعد أن أفرغها القذافي . والتمتع بأموال النفط يحتاج إلى الأستقرا ر وتوفر الأمن والصبر حتى تعود عجلة الدولة للدوران للعمل لتحقيق أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والرخاء وهذا لا يتحقق يأستمرارإمتلاك الثوار للسلاح والاصرار على تحقيق مطالبهم المادية وأطماعهم السلطوية حالا وأنتشار الفوضى وأنعدام الأمن والأستقرار . وإن إنقسام الليبيين الذين لا يريدون عودة حكم القذافي أو حكم الأسلاميين وهم الاغلبية سيحرمون من الحصول على الاصوات اللازمة لفوزهم ، وستنقسم اصوات أنصارهم بين هذه الاحزاب العديدة التي أقيمت على عجل من غير أسس وأهداف مذهبية و إقتصادية واضحة كما هو شأن كل الأحزاب في المجتمعات المتقدمة ، فلا زال عندنا أعتقاد خاطئ أن الحزب هو مجرد نادي يعرف أعضاءه بعضهم البعض وتربطهم أراء وأهداف واحدة ويريدون مقاسمة المناصب والمغانم إذا نجحوا . فهذه الأحزاب لم تتمكن بعد من أرساء جدورها بين الشعب . كما أن باقي الأصوات ستنقسم بين أنصار أصحاب الأحلام والأطماع بجني المغانم وبين هؤلاء دوي المطالب الخاصة كالفدراليين وزعماء القبائل والعمال والمناطق الحضرية والنائية وطلاب الثروة . وقد سمعت اليوم رئيس المجلس الأنتقالي يدعوا الثوار إلى تسليم سلاحهم قبل شهر رمضان وقبل الأنتخابات وهي دعوة حق نأمل وندعو الله أن يتجاوب معها ثوارنا الأحرار الذين سجلوا تاريخا من ذهب لتحرير وطنهم بالنفس والنفيس والذين لن ينسى لهم الشعب الليبي ما قدموه من خدمات وتضحيات لتحرير البلاد من حكم الطاغية . وفي نفس الوقت نستغرب من أن يصمت رئيس المجلس الأنتقالي والحكومة المؤقتة عن هذه الطغمة المرتدة التي تهدد بأستعمال العنف والسلاح ضد حكومة الثورة إذا لم تنفذ مطالبهم في تقسيم البلاد واعادة الفدرالية التي وضع أساسها مشروع بيفن سفورزا الأستعماري والتي دفع الشعب الكثير من التضحيات لأنهائها بمبادرة من الملك أدريس مؤسس الدولة الليبية الحديثة رحمه الله . إن مجرد التهديد برفع السلاح ضد الدولة هو ردة و جريمة يعاقب أصحابها باقصى العقوبة ومن واجب السلطات ملاحقتهم بلا رحمة أو مجاملة او عفو ، فهم أخطر من كتائب القذافي الذين رفعوا السلاح ضد الثوار بأوامر من الطاغية . الوقت يمر بسرعة ولم يبق منه إلا القليل والواجب علينا جميعا هو التكتل لأعادة دولة ليبيا الموحدة القوية ألى المجموعة الدولية بعد غياب طال ما يقارب أكثر من 44 عاما . كما يقتضي الوضع الحالي ظهور زعامات وطنبة مخلصة قادرة على التضحيات لتولي شئون الدولة وتحقيق أهداف الثورة الليبية بعيدا على التمزق والأنفسام والتردي في حب الحصول على الفلوس والساطة وتجميع الثورة . الشعب الليبي مطالب اليوم للتحرك والأخذ بزمام الموقف وتصحيح مسار الثورة بالحزم والقوة قبل أن يحقق أنصار القذافي ودعاة التفرقة والفدرالية والانقسام وأصحاب المصالح المادية والسلطاوية أحلامهم بعودة ليبيا إلى الحكم الجماهيري الدكتاتوري أو إنقسامها الى دول هزيلة صغيرة تافهة تدار من الخارج تحت ستار الفدرالية البغيضة من طرف دول الخليج والناتو .
.
التعليقات (0)