دبلوماسية الطرق الصوفية
المغرب و مالي على سبيل المثال
هل تمنع الحدود الصوفي من التأمل و التنقل وشق الحجب؟ كما في وجدانه، رسم الصوفي امتداده على خرائط الأمصار، لأنه يهوى الترحال و الغربة في الأوطان كما غربة النفس وهي حبيسة الأبدان، لم تحسب للصوفي طريقة ظلت رهينة المكان، بل العكس، من أقصى الشرق الاسلامي إلى أقصى غربه، تتفرع طرق صوفية ذات منبع واحد و تتمازج بأخرى لتشكل فسيفساء من التنوع الصوفي الطرقي، فالقادرية و التيجانية مثلا لها من الانتشار ما يغطي دولا كماليزيا و اندنوسيا إلى المغرب و السنغال....
طرق ترى في الولاء للشيخ ركنا أساسيا في المعتقد و التربية، مما يعني أن سلطة أمير الطريقة و شيخها قد تشمل آلاف بل ملايين المريدين، و من السلطة الروحية تتبلور زعامة الشيخ لتصبح زعامة سياسية اجتماعية، إنها إمارات عابرات للحدود.
جدل حول الدور السياسي للطرق الصوفية، من السلبية و الحيادية إلى التدخل المباشر بل و التحكم في دواليب السلطة، السنغال مثلا و هي مركز من مراكز التصوف الطرقي في افريقيا تشكل مثالا لتحكم مشايخ الطرق الصوفية في السياسة بل و في الاقتصاد، الطريقة المريدية و علاقتها بالرئيس السنغالي السابق عبدالله واد، والطريقة الحموية مثلا في مالي و موريتانيا و علاقتها بالأحداث السياسية في مالي قبيل و بعد الإنقلاب الأخير إلى تنصيب الرئيس الحالي أبوبكر كيتا، ففي حوار سابق له مع صحيفة صحراء ميديا الكترونية الموريتانية أكد شيخ الطريقة الحموية التيجانية محمد ولد شيخنا ولد حماه الله دوره السياسي في نجاح الرئيس المالي أبو بكر كيتا الذي يعتبر أحد مريدي الزاوية الذائعة الصيت و النفوذ في مالي و مناطق من موريتانيا، الشيخ نفسه و لرسم صورة عن دوره السياسي كان قد اثار ضجة في موريتانيا تحدثت عنها صحف و مواقع موريتانيا كموقع تقدمي و موقع وكالة الوئام الموريتانيان حين نفى دعمه لسياسي موريتاني أعلن عزمه الترشح للرئاسيات الموريتانية، داعما في نفس الوقت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
في عالمنا العربي، تم استدعاء التيار الصوفي الطرقي مؤخرا لصد التيار السلفي الوهابي بشقيه السياسي الجهادي و النظري العقائدي، الساسة و في بحثهم عن اسلام معتدل يقاوم التيار الجارف القادم من السعودية المسلح بالمال و الإعلام، وجدوا في التصوف غايتهم، في مصر كما الجزائر و المغرب و دول أخرى استقدمت الطرق الصوفية لعرقلة النفوذ السلفي تحت عنوان مواجهة الإرهاب، الدور الذي تقوم به وهابية السعودية إزاء أمراءها أريد للطرق الصوفية مزاولته اتجاه أنظمتها إضافة إلى نشر المعتقد الطرقي المرتكز في بعض عيوبه على الموسمية و الخنوع و اللين في التعاطي للدين.
هكذا شجعت دول كالمغرب مثلا الزوايا و مولتها و أحيت مواسمها، بل و تنافست دول على بعض الطرق و إدعاء الأحقية فيها كالتيجانية مثلا حيث الصراع المغربي و الجزائري حولها.
موجب الحديث و قد طال، هو الزيارة الملكية التي قام بها محمد السادس لدولة مالي، و التي قال فيها وزير الأوقاف المغربي " أن الطرق الصوفية في مالي، خاصة الطريقة التيجانية والطريقة القادرية، عبرت عن فرحتها الغامرة بزيارة الملك التي لا تتوقف عند حدود زيارة رئيس دولة، بل هي زيارة إمام لأمة تعتقد فيه وفي بركته ومغزاه ونسبه الشريف" على حد تعبير التوفيق و العهدة على موقع هسبريس الاكتروني. الملك محمد السادس استقبل مشايخ طرق صوفية عدة و صلى صلاة الجمعة في باماكو، وممن استقبل شيخ الطريقة الحموية السالف الذكر، الذي تحدث للاعلام المغربي شاكرا جهود الملك محمد السادس و تحدث عن الروابط المتينة التي تربطه بالمغرب حين قال بما يفيد أن له ستة و عشرين جدا في المغرب.....
دبلوماسية صوفية، ينتهجها المغرب بموازاة مع جهده السياسي و الاقتصادي ، أسبابه في ذلك عديدة، تاريخ من الروابط السياسية و الروحية و التجارية بين الايالة الشريفة المغربية و مناطق من غرب افريقيا كات تابعة لها، و في هذا الصدد قال الوزير السابق الذكر" سكان هذه البلدان يرون أن أمير المؤمنين هو أمير للمؤمنين بالنسبة لهم أيضا، وأن كثيرا منهم كانوا يتحدثون عن البيعة الشرعية التي هي بيعة روحية قبل كل شيء بالنسبة لملك المغرب من لدن هؤلاء، سواء كانوا شيوخ طرق، أو علماء أو عامة الناس ".
من الأسباب أيضا البحث عن تعاون اقليمي برعاية فرنسية لمحور يضم بعضا من دول غرب افريقيا ضد الحركات الارهابية الناشطة في الصحراء الكبرى و ضد محور جزائري نيجيري جنوب افريقي مثلا، قضية الصحراء و البحث عن دعم افريقي سرقته الجزائر، أسباب اقتصادية من قبيل البحث عن اسواق افريقية واعدة للاستثمار من أجل التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية.
هكذا تأخذ مالي و طرقها حيزا من القول، و تكون العمامة و السبحة مدخلا لتواصل رئيسي دولتين، أحدهما مريد شيخ طريقة و الآخر إمام و له بيعة على شيخ الطريقة، و لعل موقع كود الإخباري حين قارن بين تأثير زيارة الملك و زيارة الرئيس الفرنسي لهو صادق في مقارنته.
ماءالعينين بوية / المغرب
التعليقات (0)