تحوّل كبير طرأ على السياسة الخارجية المصرية ما بعد الثورة، مما يوحي بأن الدبلوماسية المصرية بدأت ترسم ملاح خطة إستراتيجية تقودها لأن تستعيد دورها الإقليمي والدولي، وتحافظ على مصالحها وأمنها القومي.
حيث استقبلت القاهرة مطلع هذا الشهر كلاً من السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، والسيد ميليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا، وتحمل زيارة الضيفين أردوغان وزيناوي أهمية سياسية واقتصادية وإستراتيجية...
أولاً: زيارة رجب طيب أردوغان للقاهرة
قام رئيس الوزراء التركي بزيارة تاريخية لجمهورية مصر العربية في وقت بالغ الحساسية مما اكسب الزيارة بعداً استراتيجياً، ورسمت ملامح تحالفات جديدة في المنطقة، وأكدت على الدور الجديد لدبلوماسية الثورة المصرية، حيث تقاطعت الأهداف والمصالح وخصوصاً في ضوء أزمة البلدين مع إسرائيل، فكلاهما تربطهما علاقات متوترة مع إسرائيل على خلفية تقرير جيفري بالمر، وقتل الجنود المصريين في سيناء.
وكلاهما يمتلكان أوراق قوة يستطيعون من خلالها الضغط على إسرائيل، وقد يقرأ البعض ذلك من خلال رزمة القرارات الجديدة التي بدأت مصر الثورة بتنفيذها، والتي في مجملها تصب في صالح عجلة التنمية في محافظات سيناء، وقد تشارك تركيا في عملية البناء داخل سيناء، بالإضافة إلى قرار الحكومة المصرية القاضي بضرورة انخراط العديد من أبناء القبائل في صفوف القوات المسلحة المنتشرة في سيناء وهذا من شأنه أن يعيد الأمن المفقود في هذه المحافظة الحدودية، وسد كل الثغرات التي من خلالها يعبث الموساد الإسرائيلي في الأمن القومي المصري.
ثانياً: زيارة ميليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا للقاهرة
لم تقتصر نظرة دبلوماسية الثورة فقط على سيناء، وإنما نجحت في كسر الجمود في العلاقة مع أثيوبيا، إحدى دول منبع نهر النيل، من خلال زيارة زيناوي للقاهرة، والتي بحث خلالها مع القيادة المصرية إعادة العلاقات الطبيعية المبنية على الثقة والعدالة بين البلدين، والتي تضررت كنتيجة للفراغ التي ملأته إسرائيل، وبدأت تستثمره سياسياً للضغط على مصر عبر إقامة عدة مشاريع وسدود على ضفاف نهر النيل، بالإضافة إلى الدعم العسكري اللامحدود للدول الإفريقية وخصوصاً دول المنبع.
وبهذا الحراك الدبلوماسي بدأت مصر تسير باتجاهين:
1- سحب البساط من تحت أقدام إسرائيل في القرن الإفريقي، وفي محافظة سيناء، وهذا من شأنه تقويض الدور الإسرائيلي في المنطقة.
2- بناء تحالفات جديدة في المنطقة، تشمل تركيا ومصر، وقد تنضم إيران لهذا التحالف ليتشكل مثلث استراتيجي يستطيع أن يواجه التحديات التي قد تواجه المنطقة بعد ربيع الثورات العربية، وهذا المثلث الاستراتيجي يمتلك مقومات قيادة العالم، فتركيا تقع في قلب العالم، وإيران تطل على الخليج وبحر العرب وقزوين، وبذلك يتحكم البلدان في حركة الملاحة والتجارة من وإلى العالم، وهما بوابات العالم على منطقة الشرق الأوسط وعلى روسيا، أما مصر فهي تتحكم في حركة الملاحة بقناة السويس، وتطل على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وهناك نقاط تشابه بين أعضاء المثلث الاستراتيجي أكثر من نقاط الاختلاف، ويستطيع قادة تلك الدول- لو توفرت الإرادة- إلى بناء تحالف قوي يكون صمام أمان لإرادة الشعوب وثرواتها في المنطقة، ونقاط التشابه هي:
أ- الهوية الإسلامية لشعوب أعضاء المثلث الاستراتيجي (مصر-إيران-تركيا).
ب- عداء شعوب أعضاء المثلث الاستراتيجي لإسرائيل.
ت- رغبة قيادات وشعوب تلك الدول لاستعادة المكانة الدولية والإقليمية.
قد يكون ذلك حلماً، ولكن ربما يصبح الحلم حقيقة، ونحن في زمن زوال الديكتاتوريات، ولذلك كل شيء جائز.
التعليقات (0)