دا اللى يحب يبان فى عينيه !!

دا اللى يحب يبان فى عينيه !!!

منذ زمن بعيد " مش بعيد اوى " تفتح وعيى مبكرا للقراءة وادراك ما يدور حولى بسرعة فاقت قدراتى كطفلة , و كنت غالبا ما اتسلل الى مكتب جدى ادقق فى اوراقه المتناثرة فوق سطح المكتب او اختار كتاب التهم بنهم ما يدور فوق صفحاته .
ذات يوم وانا امارس هوايتى وعادتى السرية , وفجأة وانا على تلك الحال ورد الى سمعى صوت جدى مقبلا فاختفيت كهرة تسعى للامساك بفأر تحت المكتب وخوفا من غضبه حيث انه نهانى اكثر من مرة عن دخول مكتبه لكن على رأى المثل " نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب " فهولا يحب ان يعبث بكتبه احد حتى لو كان هذا الاحد انا " حفيدته المفضلة " وانا ابدا لا انتهى من حبى للكتب .
المهم ... كان من الواضح ان جدى غاضب وكلماته الساقطة القاسية تسقط كشلال فوق رأس ابى المستكين : ازاى ياولد تعمل كده , انت مش عارف ان دى قلة قيمة , تمسك ايد مراتك قدام امك وعيالك وتبوس فيها وكمان تقولها بحبك ياسٌكيننه !! يانهار اسود ياجدعان هو الدنيا جرا فيها ايه ؟؟ دا انا بقالى 40 سنة متجوز امك وعمرى ما عملت العملة السودة دى , هم اللى اختشوا ماتوا , وبعدين ايه بحبك دى ؟؟ !!! هى كلمه بحبك دى تقولها على الفاضية والمليانه , اخس ياشيخ والله كسفتنى , اسمع انا مش عاوز اسمع قلة الادب دى مرة تانية , عايز تحب ابقى اقفل عليك باب غرفتك بعيد عن امك والعيال مش ناقصيين نفتح عينهم على اشياء مش كويسة من دلوقت .. ولازم تكون حمش قدام مراتك عشان ما تركبكش وتدلدل رجليها , اشخط وانطر وشوف النتيجه قيمه وسيمه وهيبه واحترام.. فاهم كلامى ولا اعيد .. آل بحبك آل .. دانا نفسى عمرى ما قلتها ..
تعجبت من الكلام وانا التى تدرك مدى حنان جدى ورقته وظننت بأن الذى يتحدث شخص اخر غيره وتمنيت فى تلك اللحظة ان يرد والدى برد يشفى غليلى ويقنعنى وخاصة بأننى وهو وجدى ايضا نحب امى ..
وتلاعبت كالعادة الاسئلة فى ملعبها الواسع " عقلى " لاتساءل : وما هو العيب فى ان يعبر ابى عن مشاعره تجاهها امام اى احد وعلى نحو لائق ؟؟
وما هو الحد الفاصل بين العيب والممنوع ؟؟
ولماذا يجب على الرجل ان يبدى سيئاته وسوء اخلاقه امام اولاده وزوجته والاخرين ويخجل من ابداء مشاعره الرقيقة امامهم !! ؟؟
ولماذا وعلى اختلاف قواعد التعبير لا تتعلم شعوبنا ومن خلال بعض التوجيهات الواضحة والخاطئة الا التعبير عن الالم والقرف والاشمئزاز والتسلط والقمع ؟؟
وهل الاداب الاجتماعية ترفض لنا اظهار مشاعرنا الحقيقية تجاه من نحبهم ؟؟
ان التوافق فى الامزجة هو جوهر علاقة الالفة , فلماذا على الرجل العربى ان يعمل على هدم هذا التوافق ويمضى مغمضا خلف مقولات تاريخية بائدة عن اثبات الذات والرجولة والحرب على امتلاك قياد السلطة وخاصة امام زوجته واولاده " مع العلم انه يصبح العكس تماما لو كان مع احداهن يعبث بشرف الاسرة وميثاقها " ؟؟
وهل اتت الاديان بمنكر عندما حضت على المحبة والمودة بين الرجل وزوجته ؟؟
تقول دراسة سويدية نشرت فى عام 1941 " طبعا قبل ما اتولد " ان معدل الوفيات فيمن يكبتون مشاعرهم تتضاعف ثلاث مرات بينهم عكس الذين اعتادوا على حياة مليئة بالتوافق العاطفى المشحون بالاقوال الرقيقة والافعال الحميمة " .
ولماذا على المرأة ايضا ان تتوارى خلف خجلها " مع العلم انه اختفى هذه الايام وجارى البحث عنه " فلا تبيح لنفسها اظهار رغبتها وحبها لزوجها؟؟.
ولماذا تصبح انسانة اخرى امام الاخرين تمطر رقة ونعومة وامام زوجها واولادها تمطر اعاصير وصرامة وقلة قيمة ؟؟ .
اذن هناك خلل فى تربيتنا ومفاهيمنا لابد وان نعمل على تغييرها , ومن وسط غابة الاسئلة التى احاطت بى ومرت بخاطرى قبل ان اسمع صوت والدى العملاق يرد بهدوء على جدى : الا تحب امى ياابى ؟؟
رد جدى : وده دخله ايه فى اللى بقوله لك , وبعدين اذا حبيتها يعنى لازم كل شوية اقول لها " بحبك " عشان تضيع هيبتى قدامها , وبعدين ضمنيا هى عارفه انى بحبها وانتو كمان عارفين !!
فجأة وقع المحظور عندما عطست وقال جدى لابى " يرحمكم الله " فرد والدى وعلى غرار " على بابا والاربعين حرامى " مش انا اللى عطست يامعلم ..
سحبنى جدى من تحت المكتب كعصفور منتوف ريشه وقال : انا كام مرة حقولك متدخليش مكتبى
وكام مرة اقولك اياك والتجسس .
اخذتنى العزة من هذا الاتهام الجلل وقلت : انا اسفة ياجدى والله مش حدخل تانى , وبعدين انا مش بتجسس ومعاك فى كل اللى قلته لبابا دى حتى تبقى مسخرة وقلة قيمة , ازاى يحب امى ويبوس ايدها ويتبع الشعرا والمجاذيب والمنفلتة عواطفهم من البشر ويطبق كلام سى " احمد رامى " ويستمع للست ثومة " وهى بتلعلع وتقول
" مادام تحب بتنكر ليه ؟؟ دا اللى يحب يبان فى عنيه !! .