داني اف تو" حديث الصيادين
قصص وروايات من افواه الناجين
صهيب ايوب
عادت الحياة الطبيعية الى البحر، على الرغم من ان غرق السفينة البنامية "داني اف 2"، جعل الصيادين والبحارة في حالة اضطراب وترقب لنتائج الغرق"المبهم".
في يوميات الصيادين لم يطرأ تغيير كبير عليها. هم مشغولون ب"لقمة العيش"وفق ما يقول احد الصيادين.احدهم يعمل في ترتيب شباكه بعد ان مزقتها العاصفة الغاضبة التي "اجتاحت البحر واغرقت السفينة". فيما يحاول ان يجد له نفسا نقيا بعيدا عن رائحة الطحالب النفاذة، تتوزع في جو الميناء وتخنقه بعد ان اقتلعتها العاصفة من جوف البحر، وحملتها معها الى الكورنيش ورصيف المرفأ، فخيمت في اجوائه رائحة "زنخة"قوية ومقرفة.
قصص ينقلها الصيادون
عدد من الزوارق ترسو بهدوء بجانب الكورنيش،فيما يجتمع الصيادون في جلسات متفرقة يعملون على تنظيف شباكهم بما علق بها من طحالب، ويتحدثون عن السفينة وقصصها وينسجون ما سمعوه من معلومات وحكايات وما رأوه ايضا في روايات شفهية تصل الى حد"الخيال".
من القصص التي يحكون عنها ويتداولونها فيما بينهم سبب الغرق، فتكثر تكهناتهم وتزداد تحليلاتهم غموضا وابهاما اكثر من غموض"السبب الحقيقي نفسه".بعضهم يقول ان" السبب يعود الى الرياح العاتية"، وبعضهم الآخر يجزم انه" عطل فني مفاجىء"، فيما هو متفق عليه عندهم ان" المواشي التي غرقت قد تجمعت اثناء هبوب العاصفة في مكان واحد من الباخرة واخلت بتوازنها فانقلبت وغرقت".هذه هي تحليلاتهم.
ما يشغل البحارة والعاملين على الزوارق اثناء ذهابهم وايابهم، في رحلاتهم البحرية، الامعان في النظر لعلهم يجدون جثة تطفو على سطح الماء من الجثث السبعة والعشرين المفقودة. ومن الحوادث التي تجري منذ البدء بعملية البحث(ليل الخميس-الجمعة)، الاشتباه باي شيء يطفو على سطح البحر الازرق، حيث يجتمع الناس ليتفحصوا بعيونهم المجردة، الجثة"المفترضة" فيستدعون في اتصالاتهم الشرطة البحرية والاسعاف والمسؤولين عن قضية "البحث البحري" ليتضح في الختام ان الامر"مجرد اشتباه". هذه القصص دائمة التكرار في شكل يومي تقريبا، تزيد من حماسة الصيادين والبحارة وتجعل ايامهم خارج سرب الروتين اليومي وعاداته.فيعيشون الاثارة بعيدا عن اجواء الضجر والتكرار التي يمضغون لحظاتها في ايامهم العادية.
شهادات الناجين
"الاديب" منذ اعلان كارثة السفينة حاولت جاهدة الاتصال بالمعنيين والاستقصاء عن حالات الناجين ومتابعتهم. استطعنا التزود ببعض الروايات من الناجين انفسهم الذين حاولوا كل حسب لغته وتواصله ان يفهمنا مشاعره. لكن ذلك حصل ضمن"ضوابط"التزم بها الناجون "لان اي كلام يصدر قد يفسر لدى شركات التأمين بشكل مختلف". لذا كان القرار من قبل صاحب السفينة البير داغر الذي منع البحارة والناجين من الحديث الى اي صحافي او الادلاء بتصريح.
وعلى الرغم من ضيق الكلام، استطعنا ان نحصل على بعض القصص المقتضبة والقصيرة من افواه الناجين انفسهم الذين شكروا العناية الالهية ب"تلطفها بهم".
فاللبناني الوحيد الذي نجا وكان على متن الباخرة الضخمة، احمد حرب اكد انه"في صحة جيدة" بعد اخذه للعلاج في مستشفى "المنلا"،اذ بقي يعاني ويشاهد الموت بأم عينه، لمدة 11 ساعة بعد ان رمى نفسه في البحر عند غرق السفينة. الضابط البحري قال انه كان نائما عندما سمع صراخ البحارة حين اهتزت الباخرة.
وعن انقاذه اكد ان" فرقة من قوات "اليونفيل"انقذته،بعدما احس ان الموت يلاحقه في عرض البحر. من نجاة اللبناني الوحيد الى قصة نجاة عدد من البحارة الباكستانين والفيلبيين الذين قال احدهم بلغة انكليزية هشة انه لم يصدق ما حدث، سبح بين امواج البحر العاتية وحاول النجاة الى ان وجد باخرة "اليونفيل" وساعدته في اتمام رحلة الصمود والفوز بالنجاة و"بحياة جديدة" وصار يبكي بشجون.
فازل احد باكستاني قال" عانيت الكثير حتى حافظت على حياتي، شعرت انني خسرت عائلتي واهلي ولن اعود وصرت اتلو صلواتي، لانني ايقنت انني اموت ولا امل لي في الحياة".
رواية عن الانقاذ
ابو سمرة او سمير صيداوي صاحب "لايف غارد" ورئيس فرقة الانقاذ البحري روى لنا قصة محاولته مع فرقته (خمس اشخاص مدربين) لانقاذ الغرقى بعد اتصال تلقوه من الجيش اللبناني. قال ل" الاديب" انهم " اتصلوا بنا ليل الخميس عند الساعة السادسة". ويضيف"انطلقنا بعد ان قمنا بتجهيز انفسنا ضمن امكانات ضيقة عند السابعة والنصف فانطلقنا الى مرفأ الميناء و انضم الينا عنصران من بحرية الجيش. فوصلنا الى موقع السفينة وفوقها عند التاسعة تقريبا واكتشفنا اننا فوقها بعد ان رأينا المازوت ورائحته تملأ المكان والزيوت عائمة على وجه الماء".
واكد انهم كانوا فرحين في مشاركتهم وبعد ذلك "طلبت منا قوات اليونفيل بعد دورة قمنا بها للبحث فلم نجد سوى حبال و قطع خشب عائمة وقناني مياه ولم نجد اي ماشية تطفو على السطح. وبعد ان طلبت منا قوات الانقاذ التابعة لليونفيل ان نرحل خوفا على سلامتنا. عدنا ادراجنا".
لا خطر بيئي
هناك اسئلة كثيرة يطرحها المواطنون حول الخطر البيئي. ولقد اكد وزير البيئة محمد رحال في تصريحه ان" السفينة قد غرقت من دون ان تتحطم وبالتالي فان المواشي بقيت محجوزة فيها داخل اقفاص مقفلة وانها ستتحلل مع الوقت وتصبح طعاما للاسماك. كما ان خزانات الفيول والزيوت الموجودة لم تتكسر وبالتالي لم تتسرب الى البحر، وذلك يعني ان المشكلة انتهت وان الخزانات ستبقى سليمة على عمق 1700 متر في عمق المياه مع كل الضغط الموجود".
حول السفينة
غرقت السفينة على بعد 11 ميلا من جزيرة الرامكين و 16 ميلا تقريبا عن كورنيش الميناء.كان على متنها 83 بحارا وعشرات الآلاف من رؤوس الغنم والبقر. جرى انقاذ 40 من البحارة وبقي 27 منهم مفقودين. انطلقت السفينة من ميناء مدينة منتفيديو في الاورغواي وتعود ملكيتها الى شركة"فالكون بونت انترناشونال" ووكيلها في لبنان راسم مكحل.
التعليقات (0)