عندما تعكف على قراءة مقال او تحليل او حتى تعليق عُدّ صاحبه مفكر عصره ونابغة زمانه وجهبذ يتربع عروش الاعلام . وهو يبحر في تحليل داعش وتركيب اغصانها واوراقها . ولكن مع كثرة الاجتهاد تبقى تلك التحليلات اسيرة للنتيجة المسبقة التي لا تلبث وانت تتمقل السطور الا وتستقيها من المقدمة . يقودها ربق العاطفه والطائفه والمذهب.لا تجد عند العاقل لحافا تتغطى به. سوى الحسرة والألم على سوء الحال والمئال
تحاليل ومقالات لا تروي الضمأ ولا تسد رمق احد. ولا تعبر الا عن عقلية مشلول وعاطفة مصابة بالرمد.تدور رحاها حول العدو المصنوع في الاذهان وتحميله مسئولية العلة واسباب العلة .وليس البحث عن ذات العلة وحقيقة العلة .تشريق وتغريب. وتفسير للماء بعد الجهد بالماء.نظرة زائفة تفتقر للموضوعية ويعزب عنها التجرد في تشخيص الداء ومعرفة ماهيته . نظرة بعيدة عن الوصف الدقيق . هدفها ليس الشعور بالمسئولية والوقوف على العلة ومكمن العلة والمسئول عن العلة. ومعرفة اصل الداء كي يتسنى للاطباء الشروع في ايجاد وصفة دوائية ناجعة ودواء ينقذ شبابنا من محرقة سياسية خبيثه . وتخليص مجتمعنا من فايروس متنقل قبل ان يستشري في جسده ان لم يكن استشرى بعد.ويلتهم الصانع والمصنع وما حول المصنع .
وعلى كل حال .داعش ليست جنينا لثورات وليست عرقا لفئة مرتبطه بتقاليد معينة ولا يمكن الصاقها بدين او مذهب او نتيجة لرد فعل طائفي كما يُصور البعض . ولا يمكن وصفها بفكر خرج من رحم افرازات ذهنية وتقولب في شكل موحد.
مهما بحثت لن تجد في نهج داعش من يملك عقلا يبحر عبره ويستنبط ويجدد وينتقد ويعرف اخطاءه ويصححها ويتعلم من تجربته وتجارب غيره ويعترض ع قادته. مجرد عقل عقيم لا يفرق بين وصف الحقيقة التي يُظنُّ بصحتها.والواقع المحسوس الذي يجب الاعتراف بوجوده. عقل متحجر وايمان جامد.لا يملك رؤية مستقبلية ولا خطاب سياسي مقنع.سوى تكفير واستباحة دم المخالف له في الرأي والمذهب.
ربما يستطيع أي طبيب سطحي ان يصوره باستنساخ لـ (اعدل يا محمد) و(اتق الله يا محمد) واستنساخ لرايات رُفعت تكفر عثمان وتخضبت بدم عثمان ومثلت بجثت عثمان.ولم تسمح للأرض بابتلاع جثمان عثمان . الذي لم يجد الا ارض اليهود حَنت على عثمان فجأة من هول الفاجعة واحتضنت عثمان. واستنساخ لشعارات رفرفت تريد للقران ان ينطق ورايات رُفعت تهتف بزندق علي واشعلت وجدان الامة بـأن (لا حكم الا لله ) فاوقفت مسيرة الدعوة واقامة العدل وفتنت الامة وفتت المسلمين لتمطر الارض بدماء بعضها وتسبح بدم علي ودماء البدريين قبل وبعد علي.
الصورة المبدئيه قبل صبغة الالوان هي العقول ذاتها التي قتلت عبدالله بن خباب صاحب نبيها وقتلت امرأته وبقرت بطنها . لتصل للجنين في رحمها وتنهيه , والجريمة حب عثمان وحب علي ورفض زندقة عثمان وزندقة علي .
هي العقول ذاتها التي مجت تمرة سقطت من غصن شجرة لانها اقتضمتها قبل ان تستأذن صاحبها . وهي ذاتها التي لم تبرح المكان قبل استسماح الذمي لجرحها جلد خنزيره خطئا .ربما لأن للثمرة صاحب وللخنزير صاحب .بعكس عثمان وعلي وابن خباب وزوجته وجنينه فهم بلا صاحب. وربما لان دماءهم لا تفوح منها رائحة الجنة كما صاحب الثمرة والذمي . انما تفوح عبق الكفر والنفاق والزندقة.
ولكن المتبصر عندما يقرأ اللوحة كاملة ويشاهد الصورة بابعادها بعمق .يجد الخطوط العريضة تناسب في التشبيه تلك العقول .ولكن هناك صبغة جديدة وخطوط صغيرة اضيفت لها .اضافتها يد المستعمر. احياء التراث وزرع بذور الخلاف واعادة الصياغة بميكانيكية حديثة وتراجيديا اكثر لؤما وايلاما. لعبة سياسية قبيحة قامت باعادة ذلك الفكر الخديج الذي لم ينضج ولم يكتمل النمو .واشباعه بالدعاية الايدلوجية التي تصيب المسكون بها بداء التخدير وتصديق الوعد باعادة الخلافة دون السؤال عن منطلقاتها ومراجعة تطبيقاتها.و دون التفكير في الاحتمال والامكان في تحقيقها ولصالح من تصب نتائجها. مفعول سحري عميق التأثير يبدأ بتعليب الوعي وشل حاسة الادراك وزرع بذور التسليم المطلق بتحقيقها سلفا. لينتهي صاحبها في سبيلها الى قنبلة تتناثر اشلاء وتأخذ معها طفل وبقال وخياط وامرأة ومسن لا ناقة له ولا جمل سوي الصدفة والتسكع على قوارع الطريق
هذا النهج الذي نشاهده وننعته بالاجرام في محيطنا وبالجهاد في محيط غيرنا هو عجين سياسي لفكر تقليدي قديم متسلط اصابنا قبل ان يصيب من ننعتهم بالخروج .اعاده المستعمر باموالنا وتحت صيحات تكبير نا وحرارة تصفيقنا . دون وعي وادراك منا . لتكون وظيفته تحويل الاستبداد السياسي عند الحاجة الى استبداد ديني متطرف.لافراغ الدين من محتواه اولا .وابقائه مجرد اطار لفكرة وسهم في قوس المستعمر باسم الدين والخلافة النموذج وتطبيق الشرع واخراج الامة من عصر الذل الى عصر عزها القديم ..
لعبة سياسية تريد اخراج المجتمع من القانون الصوري الى اللاقانون . الحاكم فيها يعين اهل الحل والعقد والشورى .ويقوم اولئك باختياره وهو حاكم سلفا .ليقال انها خلافة شرعية كما الخلافة النموذج وباختيار الامة . حتى يكون الحاكم هو الامر بامر الله وهو المشرع المطلق وهو المراقب والقاضي والمنفذ. ووجوده بحد ذاته هو القاعدة الدستورية لجميع الامة. بمعنى دولة ظاهرها تحقيق النمط الشوري الدستوري القدوة . واقامة العدل والشرع وواقعها الحكم الديني اللاهوتي وقانون وسياسة ونمط تفكير الحاكم بأمر الله ..
هذا النهج نتاج لدراسه التاريخ دراسة عميقة والعمل على تسليط الضوء على المدسوس في بطن التراث .كنسخ القران بالقران . ونسخ القران بالروايات المزيفة. لخلط النمط الكاثوليكي في الحظر على العامة الفهم المباشر من الانجيل واقتصاره على السادة والرهبان .والنمط اليهودي في سد باب الاخذ من التورات وحثهم ع التمسك بما جاء بالتلمود وكتب الاحبار المقدسة. باختصار تقديم النقل على العقل .واهمال العقل في تفسير وفهم النقل.وتقديم قول العلماء على قول رب العلماء.
ليتمخض عنه نهاية الامر (مارد)عينه على الداخل لا الخارج .ونسخة كربونية لقانون مجالس (انكيزيسيون) لمعاقبة المخالفين بتهم الزندقة والكفر والردة ومخالفة احكام الدين. بمجرد المخالفة لكبار رجال الدين.ونسخة كربونية لقانون (البروتستانت) التي شربت فلسفتها من النظرة التوراتية (شعب الله المختار) لتسويغ الذبح والاستعباد والبطش وسفك دماء الشعوب الاخرى.بجملة اعادة قانون الناب والمخلب ومنهج اهل الغاب في صورة اسلام وسيرة نبي الاسلام .
والهدف كله بقاء المسلمين في حال الضعف من خلال ابقاء الانسان عبدا يقوده الجهل لا حرا يقوده العقل. وتشوية صورة الاسلام وتعاليمه من خلال قطع الرؤوس واكل الأكباد. وتبرير الحروب على المسلمين. ناهيك عن استثمار المسلمين في حروب الوكالة.كما كان في تفتيت العثمانية لتلد لنا اتفاقية (سايكس بيكو) وتقاسم الغرب ارث الدولة العثمانية. وتفتيت الشيوعية لتقوية الرأسمالية وهيمنتها على كل الشعوب وسرقة ثرواتها وخيرات ارضها . اضف اليه صناعة عدو من جنس العدو . لاشغال المسلمين عن قضاياهم وتمزيق الجسد الاسلامي الواحد وتفريق الامة الى مذاهب وشيع شتى تذبح بعضها البعض. كما نشهده اليوم من حروب طائفية توقد نيرانها في كل قطر عربي ..
بالطبع كل ما اسلفت به لا يؤخذ عني ان يتم بطريق مباشر ومعرفة تامه انما يكون بتدخل غير مباشر . اداته العقل الدونمي من خلال المنابر الدينية في مخاطبة الوجدان واللعب على وتر الطائفية . والبروبيقندا الاعلامية التي تجعل عقل الانسان في عينه .و تقوم بدور تسخين النقاط المهمة التي يُراد اضعافها او تفتيتها او الحصول على تنازلات منها.
هذا النهج لن يترك احد واول ما يفتته الداخل .ربما يكون هذا النهج قادر على احداث الفوضى وتدمير البنية الفوقية والتحتية وتقسيم المجتمع الواحد الى ملل ونحل متناحرة . ولكنه غير قادر على بناء دولة وادارتها وقيادتها وتجميع المجتمع في قالب واحد . هذا النهج ليس له دواء سوى وقفة الجميع وقفة جادة حازمة.لن تكون الا بباضطلاع المسئول بواجبه من الحفاظ على لحمة مجتمعه وقمع الاصوات الدونمية التي تسوغ للحقد والكره والطائفية .وإعادة للعلم اعتباره . والفلسفة قيمتها. وتقديم العالم الراشد على العالم الحافظ . والاهتمام بالمفكر الحقيقي بدل المزيف . قبل ان تتحطم امتنا وينهي كاتب الرواية فصولها الاخيرة بدمائنا عندما يحقق كل امانية. بعزله لهذا النهج عن التقنية وفصله عن مواقع التواصل لانها كلها صنع يده
كونوا بخير
التعليقات (20)
1 - الرياض
سبهان - 2014-07-22 17:23:59
رايع جدا
2 - الرياض
سلمان العنزي - 2014-07-22 17:30:24
تفصيل للواقع بالصميم
3 - الرياض
ابوقصي - 2014-07-22 18:09:05
احسنت استاذ تركي فعلاً أدخلتنا الدول الاستخباريه العريقه في أزمات وصراعات بيننا ليس لذكائها وخبرتها ودراستها لفكرنا فحسب بل لسوء إدراكنا وفهمنا لمنهاج شرعنا !؟
4 - الرياض
خالد التويجر - 2014-07-22 20:08:19
احسنت اخ تركي تحليل اكثر من رائع
5 - الرياض
نايف ال سعود - 2014-07-22 20:10:36
تحليل لواقع كما هو
6 - سوريا
ناصر السوري - 2014-07-22 20:14:28
احسنت اخ تركي ماشاءالله عليك
7 - الرياض
عايدالعنزي - 2014-07-22 21:12:28
شكرا جزيلا للطرح القيم نتظر المزيد من ابداعك و مواضيعك الرائع تحياتي وتقديري لك
8 - الرياض
روان - 2014-07-22 22:16:47
كلام صحيح اصلاً داعش مجرد شرذمه مالهم اي قيمه يبون ينصرون الاسلام وهم يقتلون المسلمين، ايش تفسير هذا ؟ تقسيره انهم خوارج لا قيمه لهم.
9 - تعليق
مهند - 2014-07-22 23:20:05
داعش هي من نصرت سنة العراق وهي من طردت الامريكان وهي من تتبنى منهج الجهاد في حين ان حكام العرب بخافون من ذكر اسمه من الغرب هل استوعبت الدرس ياصاحب الرايه المستسلمه الخاضعه للعدو؟
10 - داعش وكاتب الرواية
حسن ال عمار - 2014-07-22 23:37:46
مبدع يا ابو يزيد
11 - الرياض
ابو ياسر - 2014-07-22 23:46:50
مقال أكثر من رائع أخ تركي أخ مهند احترامي وتقديري لك ماعندك سالفه
12 - الرياض
محمد صالح - 2014-07-23 00:39:21
احسنت الكتابه وابدعت في اﻻختيار
13 - الرياض
نواف العنزي - 2014-07-23 00:48:57
ماشاء الله عليك ياأخ تركي دائماً مبدع في طرحك وفقك الله وإلى الأمام ..
14 - السعودية
عماد عبد الفتاح - 2014-07-23 02:02:52
داعش جماعة خرجت من رحم الجهل بتعاليم الدين اﻻسﻻمى الصحيح ! كل دولة عربية وأسﻻمية تتحمل عبء خروج مثل تلك الجماعات المتطرفة . هدانا الله وأياهم للحق والعودة الى نشر اﻷسﻻم المعتدل والذى يدعو للحكمة والموعظة الحسنة . سلمت يااخ تركى وجزاك الله خير الجزاء
15 - الصحراء الغربية
oussama - 2014-07-23 02:16:20
تحليل للواقع منطقي احسنت الكتابه رايع جدا اتمنى لك لمزيد من تألق أن شاء الله
16 - الرياض
خلف العنزي - 2014-07-23 03:38:47
لافض فوك كلام من ذهب
17 - حائل
فهد الشمري - 2014-07-23 17:11:19
كلام من ذهب احسنت اخ تركي
18 - الرياض
فيصل القحطاني - 2014-07-23 17:14:41
موضوعك رائع انامل من ذهب التي خطت هذا المقال
19 - الرياض
نوف الشمري - 2014-07-23 17:26:16
موضوعك جميل اخ تركي
20 - سوريا
الدكتور ايمن الشامي - 2014-07-23 18:20:13
المقالة تستحق النشر في جميع الصفحات