أنقسم العقل العربي حول الأسباب الفكرية لنشأت داعش وفي الحقيقة هي مزيجٌ من أفكار وأراء جماعات ومدارس عاشت على النقل والتحليل الشخصي للمنقولات فتخمضت تلك الأراء لتصبح التطبيق العملي للصحوة التي نشئت كردة فعل للثورة الإيرانية والحرب السوفيتية الأفغانية وحرب الخليج الثانية في بدايات ثمانينيات القرن الماضي فالصحوة خليط ومزيج غير متجانس من أراء وأفكار وأدبيات السلفية الدعوية "الوهابية " والسلفية الحركية المتمثلة في "الإخوان" فالصحوة جمعت بين النقيضين وزاوجت بين إختلافات وأراء متعددة فأنتجت فكر صحوي ذا بصمة سلفية في الظاهر ظلامي في الباطن والسبب المزاوجة بين أراء منظرين جعلوا من أرائهم الفقهية الشخصية صواباً غير قابلاً للتحديث و المراجعة , فالصحوة كحركة فعلية كانت ردة فعل غير سوية أفضت لقيام تنظيمات تدعوا لتطبيق الشريعة والإسلامية العالمية وفق إجتهادات وأراء وتحليلات منظريها وتأييد معتنقي أفكارها الذين هم وقود الصراعات الدموية والفكرية ! نشأت القاعدة وتبعتها حركات كان رحم الصحوة حاضنها الرئيسي تنظيمات تقاتل لأجل قيام الخلافة على مناهج النبوة كما تدعي , شعارات وممارسات وتضليلات بعيدة كل البعد عن الإسلام وسماحته , ولعل مفهوم تطبيق الشريعة ومفهوم الحاكمية لله من أشد المفاهيم ضبابية داخل المجتمعات مفهومين شاملين لا يمكن إختزالهما في ممارسات معينة فالشريعة ترتبط بالحاكمية لله وتطبيق الشريعة تطبيق للحاكمية التي أمر الله بها أي الحكم كما أمر الله وليس بالهوى الشخصي , فالشريعة تعني حفظ الحقوق والحريات وحماية القيم الإنسانية داخل المجتمعات وحماية وصيانة المواطنة كحق إنساني ووثيقة المدينة النبوية مثال على السماحة والمواطنة والعدالة , تطبيق الحدود الشرعية من أكثر المفردات ترديداً من قبل من يغلب عليه الحماس وقلة العلم الشرعي فالحدود الشريعية لاتطبق وفق إجتهادات بل وفق ضوابط وشروط معينة والمتأمل في أبواب الفقه الإسلامي يجد ضالته التي ستغنيه عن الخطب الحماسية والعبارات التضليلية التي قادت الجٌهال نحو الدموية وإنتهاج نهج تكفير المجتمعات والبلدان ذلك المفهومين الشريعة والحاكمية من اكثر المفاهيم التي يختزلها المسيسون للدين والناشئون بأحضان حركات وتنظيمات تسعى لضرب المجتمعات والسيطرة عليها بعد تغييبها عن الوعي بمخدر الإسلام هو الحل والحكم لله وهنا تظهر مشكلة لي أعناق الايات والأحاديث ومشكلة الجهل المجتمعي ؟ المتابع لنشوء الحركات الإسلامية يجد أنها أستفادت من جهل المجتمعات ومن سيطرة أفكار وأراء وإجتهادات وأستفادت من الحماس المجتمعي الغير منضبط فنشأت وسخرت عوامل الجهل والأراء المتشددة وغياب روح الحوار والتعددية لمصلحتها فقادت جيوبها المجتمعات نحو الإحتقان عبر إختلاق قصص وروايات خرافية وعبر التضييق الفكري وتصور كل شيء على أنه مؤامرة وزرع بذور الشقاق داخل المجتمعات وضرب الوحدة الوطنية بأراء وممارسات يغلب عليها طابع العنصرية والتكفير , تلك الممارسات ضد الإسلام فلو رجع منظري ومؤيدي من يسيس الدين لمصالحة ويدجن المجتمعات لتصبح وقوداً تٌلقى في المهالك إلى التاريخ الإسلامي النبوي لكان أفضل من السير بخطى متسارعة خلف من يسيس الدين ويستخدمة في الصراعات السياسية والفكرية لتحقيق مصالح ضيقة لا تخدم المجتمعات ولا تخدم الدين , فأزمة الحركات الإسلامية السياسية أزمة فكرية بحته وليست أزمة تطبيق كما يظن البعض , فالأزمة الفكرية أنتجت تطبيق خاطيء ودموية في كثير من الأحيان وما بني على خطأ فأن النتيجة ستكون خاطئة بإمتياز وتلك هي الحقيقة , كل الحركات الإسلامية ذات الأهداف السياسية ترعرعت على مفردات متعددة كالإسلام هو الحل والحاكمية لله والمواطنة لمن يسير على مناهجنا فقط الخ ونشأت على أراء وتنظيرات اشخاص فهموا الإسلام فهماً قاصراً ولم يفهموه فهماً كاملاً وبالتالي فإن تلك الحركات وغيرها من التنظيمات تعيش على إختلاق الصراعات وتفتعل حوادث تشوه الصورة الحسنة للإسلام كدين إنساني حفظ الحقوق وصان الحريات وتقتات على حراك الشعوب المستمر وتتستر باستار والوان متعددة ! يكثر الحديث هذه الأيام عن داعش ذلك التنظيم الممسوخ فكرياً والذي هو ناتج حقيقي للصحوة بأفكارها وأدبياتها وتطبيق عملي لها "الصحوة " فداعش وأدت الثورة السورية بعد أن قفزت على الحراك الثوري السوري فقتلت ثوار الأمس على الهوية والإنتماء المذهبي والطائفي ومارست أبشع انواع الجرائم بحق المدنيين السوريين مقدمة للنظام السوري خدمة المقاتلة بالنيابة مذكرة العقل البشري بحادثة إقتتال الأفغان العرب " المجاهدون العرب " بعد دحر السوفيت ومستعيدة للأذهان الم الصومال الواقع بين سندان حركات مسيسة للدين ومطرقة جماعات أنشقت عن الحركات الأم , فداعش تقاتل اصدقاء الأمس كجبهة النصرة وتقاتل الجيش الحر وتقاتل كتائب وفصائل وكل ذلك بسبب القفز على الحراك السوري وتأييد بعض الممسوخين لقفزتها الغير بريئة وقفز غيرها فاقفز على حراك المجتمعات بات محطة تشهدها بلدان العالم العربي فقد سبق داعش جماعة الإخوان المسلمين بمصر التي أكلت الثورة المصرية وماتت بثورة إستيقاظ للضمير المصري الذي أكتشف حقيقة الإخوان وشعارات ثمانون عام من التضليل وسبقها" داعش " الصحوة بالخليج التي قفزت على حراك المجتمعات فمسختها وحولتها لمجتمعات محتقنة ميته دماغياً بعد أن كانت المجتمعات الخليجية حاضنة الصحوة تاريخياً , وسبقها أيضاً تنظيم الإنقاذ بالجزائر وأنصار الشريعة بتونس والجزائر وحزب الإصلاح والحوثيون باليمن الخ , حولت داعش سوريا لخراب فأصبحت في صراع يومي مع فصائل مسلحة ذات إنتماءات أدلوجية ضيقة صراع دموي مسلح لن ينتصر فيه أحد حتى وإن سقط بشار ومات نظامة المتهالك ؟ . داعش وصلت إلى العراق بعد ان نمت داخل أوساط الحراك الثوري العراقي فأكلته تتمدد وتنتشر محولة العراق لسوريا أخرى مقدمة للعالم ذريعة إعادة إحتلاله بدعوى الإرهاب ومقدمة صورة سيئة ومشوهه للإسلام تقتل على النوايا والإنتماء المذهبي والعرقي والطائفي والإسلام بريء من تلك الهمجية , داعش دمرت حراك سوريا والعراق فأصبح الشعبين السوري والعراقي يعيش على ذكريات الماضي الجميلة في أعينهم من واقع داعش الآليم ولا جدوى من دحر تلك النبته الخبيثة فبقائها يعني بقاء الإرهاب والدموية فهي وجه القاعدة القبيح وتطبيق عملي للصحوة الظلامية. داعش كتنظيم مسلح وغيرها من التنظيمات الغير مسلحة لن تختفي من الوجود طالما بقي الفكر يعمل ويغذي المجتمعات , فالفكر هو الأساس والمحاضن تأتي ثانياً فالفكر لابد له من محاضن تعمل على نشره وهي كثيرة بالوطن العربي لعل من أهمها جمعيات تحفيظ القرأن ومراكز الدعوة ومؤسسات المجتمع المدني التي باتت حاضنة ومنفذه لأهداف حركية ضيقة , فالكفر الصحوي قضى على الوسطية وقضى على سماحة الدين وأختزل القضايا فهو يرى أنه الحامي للأمة من الإنهيار ولا يعلم منظروا ذلك الفكر ومؤيدوه وحاملوه أنهم هم من يتسبب في إنهيار الأمة عبر إنتهاجهم نهج الدموية والتشدد والتطرف فداعش تمارس الدموية وغيرها تمارس التضييق على المجتمعات بدعوى الإحتساب وحماية الأمة من التغريب وكليهما وجهين لعملة واحدة , القضاء على الفكر يمر عبر المقاومة الفكرية وكشف قناع الصحوة وبناتها الحركية والتنظيمية و تصحيح وضع المحاضن عبر تخليصها من قبضة الحركيين ونشر افكار الوسطية وسماحة الإسلام ونشر الوعي داخل المجتمعات وتحقيق المواطنة وصيانتها بإجراءت ووسائل متعددة وفصل الدعوة عن السياسة فوظيفة الداعية كانت سبباً في نشوء حالة الإسلاموية "الإسلام السياسي" في العصر الحديث فقد تحول الداعية من مرشد يرشد الناس للوسطية شارح لتعاليم الإسلام إلى داعية سياسي يتلون حسب المصالح فتارة يقف ضد فئات مجتمعية معينة وتارة يقف مع الأنظمة لتحقيق مكاسب وتارة ينقلب كاشفاً عن أنيابة الحادة مبشراً بالخلافة داعياً لإراقة الدماء في سبيل الإسلام هو الحل , تحول وتلون بات واضحاً ومكشوفاً والسبب تحول وظيفة الداعية الوعظية الإرشادية الدينية إلى سياسية داعوية تعمل لأجل فئة لاجل أوطان ومجتمعات متعددة , فالسبب الرئيسي يكمن في الوعظ كممارسة وليس كفكرة دينية هدفها إرشاد الناس إلى المحبة والسلام والوئام , سبب تحول الوعظ والعمل الدعوي لمحضن فكري ووسيلة تنفيذ لحركات متشددة وتنظيمات متطرفة يعود لغياب العلماء الثقات عن الواقع والمشهد ويعود لغياب الازهر كمؤسسة إسلامية عن واقع المجتمعات ويعود أيضاً لقيام الهيئات الدينية الكبرى "هيئات كبار العلماء بالوطن العربي " على أسس فكرية مذهبية معينة قاتلة ومهمشة للتعددية المذهبية فهيئات كبار العلماء تجمع طيف فكري واحد فقط محاربة بذلك التعددية المذهبية وقاتلة للبحث الفقهي الذي إن عاد فإن المجتمعات ستتحرر من قبضة المؤدلجين والطيف الفكري الواحد وستموت كثيرٌ من الأراء والمواقف والقضايا والحركات التي نشئت بسبب الطيف الفكري الواحد ؟ مشكلة الحركات الإسلامية تكمن في الفهم الخاطيء للإسلام ولوظيفتها الأساسية فهم خاطيء قادها للسقوط المدوي والدموية والعنف تأثرت بقراءة التاريخ تاريخ السلف الصالح كما يطلقون عليه الذي لن يعود بصورته القديمة ومتأثرة بمواقف وأراء شخصية جلها خاطيء مشكلة تنم عن أزمة فكرية تعيشها تلك الحركات بمختلف إنتماءتها الأدلوجية والمذهبية فداعش وجه سني قبيح كحزب الله الوجه الشيعي القبيح أيضاً , والضحية هنا المجتمعات والتعددية والتعايش الإنساني الذي بات يموت جراء الممارسات الدموية وتحمس الغافلين والجاهلين فالدواعش كثر وأنصار حزب الله كثر والأمة على كف عفريت طالما بقي التشدد والتطرف حاضراً مهيمناً على المشهد وطالما بقيت الوسطية مختطفة من قبل وعاظ ودعاة فالوسطية كمفردة تتردد صباح مساء لكنها غائبة كتطبيق عملي وطالما بقيت المؤسسات الدينية تعيش بعيدأً عن الواقع وتلك كوارث جالبة لكوارث فكان الله بعون التنويريين والعقلاء والمجتمعات المغلوب على أمرها فأبناء المجتمعات باتوا وقوداً للصراعات الأدلوجية والمذهبية والفكرية ورائحة الدم باتت شبه مستساغه بالعالم العربي والإسلامي فمن يوقف نهر الدماء الجاري ويقول كلمة واضحة صريحة للمجتمعات المغيبة والمحتقنة جراء تلك التنظيمات وأفكارها الدموية اكلمة مختصرها لصراع السياسي حله يكون سياسياً والصراع الفكري محفز للإحتقان والتعددية والتعايش عامل بناء وإستقرار والأوطان للجميع والإسلام بريء من تلك الحركات والتنظيمات وإن أظهرت إسلاميتها وسلفيتها المنقولة جيلاً بعد جيل فالمشكلة سلفية تاريخية فكرية وليست إسلامية على مناهج سيد المرسلين والحل يبدأ بالفكر وحلحلة أدبياته وهنا تكمن مشكلة العالم العربي بمؤسساته ومجتمعاته ؟؟ . .
التعليقات (0)