"داعش" تخيف الكل، من الرياض إلى روما، بضعة ألاف من المقاتلين أرعبت دولا لها من قوة العتاد و المال و الرجال ما يحير الألباب، لا غرابة إذن إن شككنا في قوامها ( بكسر القاف) فما فائدة الجيوش و أسلحتها و ما فائدة المليارات التي تصرف على صفقات السلاح المتطور إن كانت هذه الدول عاجزة عن صد هجمات مقاتلين يعدون بالمئات؟
سقوط الموصل بهذه الطريقة المهينة والسريعة فتح الطريق لمقاتلي داعش و أكسبهم المزيد من الثقة للمرور قدما في مشوارهم لبسط النفوذ على أرض الخلافة، فهم أمام جيوش يبدو أنها من ورق، مواقع إخبارية تحدثت نقلا عن موقع أمريكي أن مكة و المدينة هدفا داعش بعد الأردن، خاصة بعد سقوط مدن العراق ذات الغالبية السنية و بسط الدولة الإسلامية نفوذها على رقعة جغرافية تمتد من شمال شرقي سوريا والحدود التركية السورية وشمال وغرب العراق، و إزالتها الحدود بين الدولتين، تطورات تفي بأن الحركة عازمة على الدخول في صراع إقليمي من أجل مشروعها، مشروع انتحاري بامتياز في حالة توحدت الدول الإقليمية مع كل خلافاتها على حرب داعش و إن تطلب الأمر دخول قواتها أرض العراق و سوريا، خطوة محفوفة بكثير من المكاره، فالسعودية مثلا فشلت في حربها الخاطفة ضد الحوثيين لعدم تمرس الجيش السعودي، و الأردن بمشاكله الاقتصادية و بنية مجتمعه العشائري المرتبط بالعراق غير قادر على فتح معركة غير مضمونة النتائج، لكن قد تتجه المملكة لتمويل قوات أردنية أو مصرية ولما لا تتحالف مع إيران لمهاجمة التنظيم و إزالة دولة الخلافة الداعشية، و قد يمتد هذا التحالف إلى القبول بتنازلات كثيرة منها بقاء الأسد في الحكم خصوصا مع فشل المعارضة السورية و ضعفها أمام داعش و النظام.
يذكر التاريخ أن حرب الخوارج امتدت لعقود، حرب دولة ضد جماعات، استطاع الخوارج رغم قلة أعدادهم هزيمة جيوش من أهل العراق و الشام في معارك كر و فر، كانوا يملكون طاقة إيمانية هائلة جعلتهم يقاومون إلى أخر رمق من أجل تحقيق مشروعهم، انتصرت الدولة المركزية ( بني أمية) و طردت الخوارج من العراق، لكنهم استطاعوا نقل حلمهم و تأسيس إماراتهم في أطراف الدولة الإسلامية: الرستميون في تاهرت بالجزائر و بني مدرار في سلجماسة ( جنوب شرق المغرب) و الإباضية بعمان …
قد لا نذهب بعيدا، طالبان خرجت من باكستان لتصل بسرعة إلى كابل و تبسط نفوذها على كابل، تدخل الغرب و سقطت الإمارة غير أن الحركة إلى اليوم مازالت اللاعب الأساسي في افغانستان و حكومة كابل بالكاد تسيطر على المدن الكبرى دون البوادي و الأرياف، الحالة الصومالية أيضا مثال أخر على أن أي تدخل في العراق قد ينهي دولة الخلافة كما يراها البغدادي، غير أن الحركة قد تتناثر في دول المنطقة مرحلة حلمها إلى وقت أخر أو رقعة جغرافية أخرى صالحة لبناء دولة داعش كفلسطين مثلا كما حذر من ذلك عبد الباري عطوان في مقاله الأخير. فالكاتب يرى أن الأرض الفلسطينية المحتلة مثلا باتت تعيش حاليا حالة من “الفراغ الوطني” والغليان الشعبي،و أن المرشح الوحيد والأقوى لملأ هذا الفراغ هو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وزعيمه أبو بكر البغدادي.
التعليقات (0)