ما زال الرأي السياسي الدولي والاقليمي، وحتى قراءات المحلّلين في تضارب وتباين حول وجود داعش، والتساؤل: هل اصبح داعش واقعا مفروضا أم هو حالة طارئة يمكن معالجته مع الوقت؟. وماهو السبيل الاكثر ايجابية الذي ينبغي اتخاذه في معالجته وأخراجه.
في هذه المرحلة، أغلب التصريحات السياسية الحكومية تُراهن على الوقت في أزالة داعش من العراق، من خلال العمل والتحشيد والتعبئة العسكرية بصورة اكبر وأوسع ممّا سبق.
المُعطيات الميدانية الجغرافية والعسكرية والاجتماعية أثبتت ان وجود داعش في العراق منذ ما يقارب العام وهو يحتل مناطق واسعة من اراضيه من ناحية، وفشل كل المحاولات العسكرية حتى مع التحالف الدولي المزعوم والتحشيد الشعبي في القضاء عليه او التصدّي له او دفعه الى خارج الحدود وتحرير المناطق من قبضته من ناحية اخرى، أثبتت أنه صار أمرا (واقعا مستعصيا مفروضا) شئنا او أبينا قبلنا به او لم نقبل، اكثر منه حالة طارئة او أزمة عابرة يمكن تخطّيها او دفعها ومعالجتها بوقتٍ معلوم، يمكن المراهنة عليه وحصر أزالته بأوقات محدّدة معينة. بل على العكس، أتّضح ان لاجدوى لعامل الوقت ولامدخليّة له في حل هذه المعضلة طالما ان الخيار الوحيد المتّبع هو نفسه الخيار العسكري.
العجز في دفع واقعية داعش المفروضة من جهة، وفشل الخيار العسكري على الأقل للفترة المنصرمة من جهة اخرى، تدعو الى وقفة حقيقية وجديّة أزاء الارهاب بشكل عام وداعش الذي يوشك ان يكون حالة مستدامة بصورة أخص، وقفة الى أعادة الحسابات في كل الخيارات سواء التي طُرحت سابقا او التي تُطرح الآن، دعوة الى دراسة علمية جديدة ومستقلّة جذرية ومعمّقة بصورة اكثر موضوعية و واقعية من ذي قبل حتى يُصار الى أتخاذ الحلول الاكثر فعلية وقوة وايجابية.
لأجله، في سؤال وجّهته له صحيفة الوطن المصرية حول (داعش) وطرق معالجته وكيف تتم مواجهته؟، اجاب السيّد الصرخي الحسني قائلا (هنا لا بد من القراءة الصحيحة الموضوعية الواقعية للأحداث، فإذا أخطأنا القراءة فإننا بكل تأكيد سنخطئ في تشخيص العلاج، ومن هنا أقول إن "داعش" صارت واقعًا مفروضًا وليست ظاهرة طارئة عابرة فلا يصح المراهنة على الوقت لإزالتها، ويجب علينا ألا نجازف أكثر وأكثر بدماء وأرواح أبنائنا فنزجهم في معارك خاسرة ومهالك محققة لأننا لم نشخص الواقع بصورة صحيحة موضوعية أو لأننا نعرف الواقع لكن لا يهمنا دماء وأرواح الناس ولا نعترف بالآخرة والثواب والعقاب.
ومن هنا أدعو إلى دراسات معمقة علمية مستقلة غير متأثرة بهذا الطرف أو ذاك فتشخص لنا الواقع كما هو وبدون زيف أو انحراف فتضع لنا الحل والعلاج المناسب وبأقل الخسائر، فالضرر والهلاك والدمار كله على العراق وأهل العراق، فقللوا سفك الدماء وأوقفوه الدماء وامنعوا تدمير العراق).
في ضوء ذلك، اذا كان فعلا ثمة سعي حقيقي للتخلّص والإنتهاء من هذه المعضلة لابد من أعادة قراءة الاحداث وكل ما يحيط ويرتبط بها من مؤثرات بشكل واقعي وصحيح وموضوعي والذي سيؤدي بطبيعة الحال الى تشخيص العلاج. ولا مجال للقراءة الخاطئة والتسرّع في اعادة وأتخاذ الخيارات السابقة، لأنها ستؤدي ايضا الى نفس النتائج الوخيمة السابقة التي تعني، المزيد من المعارك والمزيد من الخسائر والمزيد المزيد من التضحيات والدماء بِلا طائل ولا نتائج حقيقية تذكر.
اذن الحاجة الوطنية والانسانية والشرعية مع الأخذ بالاعتبار ما سبق من خيارات عاجزة، تدعو الى الدراسة المعمّقة المستقلّة التي يشترط ان لاتتأثر بهذا الطرف او ذاك فتشخّص لنا الواقع كما هو بكل حيثياته دون زيف او أنحراف، فتضع لنا الحلول المناسبة بأقل الخسائر. فالمجازفة بالارواح والدماء ودفع الناس وزجّهم في معارك خاسرة ومهالك محقّقة كلّه يعود سببه الى القراءات السابقة، القراءات الخاطئة التي لم تشخّص لنا العلاج ولم تضع الحل المناسب.
صفاء الهندي
التعليقات (3)
1 - إلى من يهمه الأمر
ن ف - 2015-03-03 15:45:36
لا يختلف رجل الدين كثيراً عن المثقف.. والقول هذا، فنحن إذاً في مشكلة حقيقية من حيث ندري أو لا.. والمشكلة هي أنّ رجل الدين وعلى مرور الأزمان التصق بالحاكم.. ولم يبتعد المثقف عنه كثيراً فهو أيضاً لصيق السلطة.. وهنا، لا حلّ سوى فصل الدين عن الدولة. بذلك يدخل رجل الدين إلى معبده ويحمل مبخرته، أما المثقف فينشغل في قراءة الوقع ومعالجة مشاكلة. الحل إذاً هو بيد المثقف وليس بيد رجل الدين، ذلك لأنّ كل ما يحصل على وجه المعمورة من مشاكل هو شأن المثقف وليس رجل الدين. لنُركن رجل الدين جانباً إذ ليس لديه ما يُقدّمه لنا ونحوّل أنظارنا نحو المثقف. ثمة قصور في ثقافة المثقّف إن هو لا يقدر على تشخيص مشاكلنا وإيجاد الحلول لها.
2 - رد على ن ف
صفاء الهندي - 2015-03-03 17:34:49
مرحبا لم يكن ابدا وعلى مر التاريخ الاسلامي رجل الدين هو المسبب في الصراعات التي تدور في العالم الاسلامي، نعم كان منهم مَن هو واعظا للسلطان بلا شك لكن هذا لايعني ان رجل الدين المصلح الحقيقي في معزل عن هذه الحيثية او بمعزل على الاصلاح والدعوة الى الهداية حتى في ظل السلطان الجائر، وهذا ما سجله التاريخ ولازال يسجله لناالواقع المعاصر. لكن المشكلة تكمن في وعي الشعوب نفسها التي سخرها واعظ السلطان وسيرها في خدمة الحاكم الجائر. اما المثقف فهو ما بلغ من الوعي الثقافي لايستطيع بحال من الاحوال التصدي لتوعية المجتمع من جهة والوقوف بوجه السلطة والحاكم الجائر بحال لأنه اولا لايمتلك الرؤية الاسلامية الحقيقية في مواكبة وتشخيص المعالجات الصالحة ولانه لايمتلك المؤسسة التي تؤهله وتمونه اجتماعيا للتحرك وفق الثقل الاجتماعي. لذلك انت ترى على مدى تاريخنا العربي والاسلامي لم يسجل لنا التاريخ حادثة واحدة اجتماعية استطاع فيها المثقف الوقوف بوجه السلطة.
3 - رد على ن ف + داعشي موصلي
صفاء الهندي - 2015-03-04 19:11:37
هذه المقالات والمواضيع التي نكتبها موجهة للناس المثقفة، الناس الواعية، الناس التي تتفهم وتستقرأ وتعرف ما يدور حولها. وليست موجهة للناس التافهة التي لاتعرف سواء العنجهية والرعونة ولغة الدماء.. لذا ننصحكم لاتدخلوا لمثل هذه المواضيع لأنها للعقلاء وليست للوحوش والمجرمين.