قضية دارفور هى مثال حقيقى للعقلية العربية الطاغية التى لا يهمها آلاف الضحايا الذين يقتلون أو يبادون أو يسحقون ، وآلاف المشردين الذين يعانون الجوع والمرض ، العقلية العربية السودانية فى معالجتها لقضية دارفور أهتمت فقط بإطلاق الشعارات والبيانات الساذجة لتتكتم أخبار حرب الإبادة والتى لا نعرف حتى الآن ما هو دورها الحقيقى فيها والمستقبل كفيل بكشف المستور.
كانت قضية دارفور بفضل الإعلام السودانى والعربى الفاسد فى طى النسيان لسنوات عدة ، لا يعلم بها أحد إلا نظام البشير السودانى وأصحابه ، وكانت تمارس عمليات الإبادة فى وضح النهار ولم تتدخل الحكومة السودانية إلا عندما بدأت الأصوات تأتى من أمريكا ووسائل الإعلام الأجنبية .
وزير الخارجية السودانية أعترف بأن حكومته ترددت وتأخرت فى التدخل لوقف الأضطرابات والمعارك فى دارفور، وتركت الجهات الأمنية السودانية القبائل فى دارفور فى تكوين مليشيات خاصة بها لتخوض حروب ومواجهات مع حركة التمرد أو مع الجنجويد أو مع الشيطان ، تركت الحكومة كل هذا الشر ينمو بإرادتها وقلصت دورها الطبيعى فى الدفاع عن مواطنيها وتركتهم فى مواجهة الموت والإبادة .
الجامعة العربية عقدت إجتماعاً لوزراء الخارجية بعد أن صدر قرار مجلس الأمن وأعطوا حكومة السودان مهلة لوقف عمليات الإبادة ، وكالعادة فالعرب أو الجامعة العربية هى أخر من يعلم أو يتحرك لأنها جامعة هزلية تصفيقية لأنظمة هزيلة يصفقون لبعضهم البعض على ما يحققونه من إنجازات كبرى تدفع شعوبهم إلى الوراء إلى عصور الجاهلية وشعارات الأمبريالية والصهيونية والمهلبية العالمية التى يتلذذ بها العرب وتدغدغ مشاعرهم القبائلية .
كان بإمكان قوات السودان الشرعية أن تقول لهؤلاء المتمردين أو الخارجين على القانون : " ألزموا حدودكم " ، لكنها وقفت تتفرج حتى تفاقم الوضع فى دارفور ووصل إلى درجة حرب إبادة تقع على مرأى وسمع الحكومة السودانية والدول العربية ولم يتحرك لها أحد أو تنعقد لها قمة وزراء الخارجية العرب إلا بعد أن وصل الأمر إلى أن سمع العالم كله عن طريق أمريكا .
أين كانت حكومة السودان عندما بدأت المليشيات وقوات المعارضة وغيرهم فى ممارساتهم الإبادية ؟ لماذا هذا التقاعس والأستهتار الحكومى فى حكومة السودان الذى هو صفة عامة تتميز بها حكومات عربية هزيلة تغمض عينيها عما يرتكب من جرائم ضد طوائف معينة من شعوبها ؟
من مفارقات الأحداث نجد الرئيس السودانى بات مقتنعاً وأقنع معه كثيرين بأن قضية دارفور هى مجرد تهويلات وتضخيمات لأحداث داخلية بسيطة وكأنه يقول : " العملية بسيطة .. شوية عيال بيلعبوا فى الحارة وبيتعاركوا مع بعض على قطعة حلوى ! " .
يبدو أن حكومة السودان وبقية أعضاء الجامعة العربية ترفض الأعتراف بأننا نعيش فى عالم يحكمه قوانين وسياسات عصرية واقعية تختلف كلياً عن قوانين الغاب التى ما زال يعتقد فيها عرب المنطقة إلى يومنا هذا .
إن التآكل والإهتراء هما من صفات النظام السياسى فى السودان الذى يعمل بإصرار على أن يتدهور مستوى معيشة مواطنيه ، ويعمل على أستمرار القهر بأنواعه من عنصرية وأضطهاد دينى وعرقى وسحق للآخر وطغيان سياسى لايعنيه تقدم أو تأخر شعب السودان بقدر ما يعنيه تحقيق مصالحه الشخصية فى السلطة والثروة .
الجهل مسيطر على أفعال القياديين والحرية مفقودة والقمع هو سلاح السلطة ودعوات ووعود الإصلاح كثيرة والصراع بأنواعه المختلفة يدور فى الكواليس وفى العلن ، ووسط كل هذا يموت الآلاف من الشعب السودانى تحت وطأة تخلف النظام السياسى الحاكم ، فالكلام عن إصلاح أو حقوق إنسان هو كلام فارغ أمام تفشى المرض والفقر والجوع ونقص المواد الغذائية والدوائية المتطلبات الضرورية لمعيشة ملايين السودانيين الذين لا يملكون لقمة العيش ، تلك المتطلبات التى مازالت تبحثها حكومة السودان لتحدد للدول العربية نوعية المساعدات التى تحتاجها السودان ( وليس دارفور ) كما قال وزير خارجية السودان ، كل هذا يجعلنا نشك فى جدية الساسة السودانيين فى وضع حداً لتلك الحرب الدائرة هناك .
يجب أن يستيقظ المواطن أياً كان وطنه ليعرف إن شعوباً لا تقرأ ولا تكتب ولا تنتج ولا تفكر إلا فى إنتاج عقول جاهزة للبرمجة وتنفيذ أوامر القتل والإرهاب والقهر ، هى شعوب غير جديرة بأن يكون لها مكان فى عالم اليوم ، لأنها شعوب مازالت تعيش على أوهام الماضى وخرافاته ، شعوب لا تملك عقولها وأستسلمت بإرادتها إلى أفراد يعشقون الكراهية والتدمير ونشر الخراب فى كل مكان لا ينتمى إلى أفكارهم وعقائدهم الهدامة .
هل العقل فى طريقه إلى العمل على الطريق الصحيح ؟ نتمنى ذلك فى القريب العاجل .
2004 / 8 / 15
التعليقات (0)