دائرة المألوف

علي جبار عطية
كنت اتبضع في محل للاجهزة الكهربائية حين تقدم رجل طول شعر رأسه نصف متر الى درجة انه اجبرني على غض بصري !
هذا الرجل طلب من البائع ثلاجة بابها قهوائي!
رد عليه البائع بالقول ان اغلب ابواب الثلاجات هي بيضاء وتوجد ألوان اخرى لكن الثلاجات صينية !
بان الاستياء على الرجل واصر على ان يشتري ثلاجة لبنانية او تركية بباب ليس ابيض اللون .
فاعتذر البائع وانصرف الرجل لكن تداعت افكار في رأسي عن هذا اللون الذي دخل في حياة البشرية من المهد الى اللحد فهو لون النقاء وثوب الزفاف وملابس الاحرام في الحج والكفن في الرحلة الابدية!
ثم خطرت لي فكرة : ماذا لو انقلبت الالوان ودلالاتها فصار لون الزفاف اسود والماء الى قهوائي والثلج يصير ازرق ولون البحر احمر!
ماذا سوف تقول الام لولدها لو أخطأ هل تريه العين الحمراء او الزرقاء ! هل ينادي الباعة في السوق على وحش الطاوة الاسود بالابيض ؟
وماذا لو كانت الطماطم سوداء والبطاطا حمراء والرقي ابيض القلب !
انه انقلاب مفاهيمي شامل وليس مسألة تغيير لون فقد اعتدنا على لون السماء والحليب والثلج والورق واذا وجدنا خلاف ذلك فان امراً خطيراً لابد ان يحدث خذ مثلاً انواعاً من الفاكهة دخلت العراق بعد الانفتاح الاقتصادي على الاسواق العالمية لكن وحسب التجربة لمست تجاوباً ضعيفاً مع هذه الانواع لانها خارج دائرة المألوف التي تعني الانس بالشيء كذلك الامر بالنسبة للارتباط عرضياً وليس ذاتياً وربما يفسر لنا ذلك سر تعلق الناس باماكنها وأشيائها وكلماتها وان كانت مكتوبة بالحبر الابيض !

كاتب وصحفي عراقي