كأنه قدر..او ارادة عليا.. اوعارض لا نملك الفكاك منه هو ذلك الهاجس المستديم الذي يحيلنا دائما الى توقع مؤامرة او تفاهم ما خارج التداعيات المعلنة لما يستجد ويطرأ على المشهد السياسي في مجتمعاتنا..وهذا التطير العضال قد يكون هو السبب في عدم قدرتنا على اشاحة تفكيرنا عن ميدان العباسية ونحن نستمع الى الانباء التي تتساقط علينا ثقالا وخفافا من ميدان التحرير..
فحتى السذاجة لن تكون عذرا كافيا لتجاهل الاستعارة الواضحة للعديد من الاتهامات التي ساقها المجلس العسكري تجاه الحركات الليبرالية والعلمانية المصرية واستنساخها ببعض التصرف في اللافتات المرفوعة والشعارات التي تهتف بها الحناجر المستجلبة من كل بقاع المحروسة الى ميدان التحرير..ولن يكون من الحكمة تجاهل الاشادة العسكرية الرسمية حد الانحياز الى المجاميع التي استهدفت الشباب المصري في العباسية رغم الموقف المتبرم الصريح للمجلس من اللجان الشعبية حد اتهامها باستخدام وسائل البلطجة..
كعربة يد فارغة على طريق منحدر كانت الجموع تتحشد على ميدان التحرير..عربة لم تحتج الا الى ابتسامة مبهمة وهزة رأس لا تكاد ترى من المجلس العسكري لتدرج في مسالك الثورة المصرية وميادينها مسرعة محملة بالكثير مما اختزنته الجوانح لعقود من الشعارات والرؤى والآمال وبما اثقلت به من المتشابه من القول مما يبتغيه الذين في قلوبهم مرض من قوى الثورة المضادة..
عربة محملة ودفعة خفيفة اقرب الى الايماء كانت اكثر من كافية لكي يغض النظر عن الخطورة التي تكمن في تحميلها ما يفوق قدرتها على ابقاء دواليبها في نفس الوتيرة من الدوران..والتغاضي عن الرايات الغريبة للقوم الذين يعظون الانامل غيظا من نجاحات الثورة الشعبية المصرية وانتصاراتها وصمودها على مبدأ الدولة المدنية الجامعة الشاملة المعلية من مبدأ المواطنة والمساواة وحقوق الانسان..
زعيق وهتاف كان محتبس في الحناجر اندفع كزفرات حارة من الضجيج المكبوت بضغط المواقف السياسية التي تفرضها الولاءات الدولية والاقليمية التي يبدو ان لها الاولوية في ذهن السياسي المتأسلم اكثر بكثير من الهامشية المؤلمة التي تتقعر فيها المصالح الوطنية في ادنى المعتم من اهتماماته..
فوران من المطامح وانتشاء مسكر بالكثرة والقدرة على التحشيد غمر أنصار التيارات الدينية ، ولكنه لا يعد كافيا لاخفاء الاستغلال الواضح لهذه الحشود في توجيه رسا لة واضحة متعددة الاتجاهات لما يمكن ان يخلف المجلس العسكري على سدة الحكم في مصر..والدفع الاقرب الى الشرك الذي ابتلعته النفوس التواقة الى السلطان العقيم وجمهرتها تجاه القفز على طهر الثورة والتقاطع مع باقي القوى الوطنية والثورية المؤمنة بالارض والوطن والانسان المصري الشريف وحقه في الحياة ضمن دولة مدنية ديمقراطية..
ورغم التأكيد على الحق الاصيل للتيارات الدينية التى في اللإعلان عن نفسها ..ولكن التطير والاستغراب يكمن في ان باكورة هذا الظهور هو في استخدام اعلام وشعارات دول اخرى وبوضوح وصلافة تدل على تجنيد هذه الحركات لتكون مفردة صغيرة ولكن مؤلمة في الجهد التحريضي للثورة المضادة للحرية وحقوق الانسان وتدل على التباس تام بالوعي تجاه الهوية الوطنية والشعارات التوحيدية الجامعة..
القوى السياسية المصرية المعلية من قيم التداولية والمشاركة وحقوق الانسان مطالبة بالوعي التام بحجمها الحقيقي وقدرتها على ادارة الاحداث..وسيكون اقرب الى الغفلة عدم الالتفات الى الطاقات الكامنة في ضمير ووجدان الشباب المصري البطل الذي استطاع بوعيه وايمانه من تحشيد اكثر من عشريم مواطنا تجاه الثورة على النظام في الوقت الذي كان فيه اتباع الرايات "الخضر"يتداولون احاديث الفتنة وتحريم الخروج على السلطان الجائر..
كما ان التيارات السلفية مطالبة –عبثا- بالوعي الى الانقسامات والخلافات حولها على انها مأزق حقيقي وليس اضغاث مواقف ويجب عليهم ان لا يركنوا كثيرا الى قدرتهم على ملء الحافلات بمن استجلبوا من كل فج عميق وأتوا على كل ضامر لاغراق المشهد بالاعداد المحملة بمطامح السنين المكبوتة في الصدور..
وعليهم بالاساس استرجاع تجربة ثورة 1952 وما بعدها عند الاطمئنان الى المجلس العسكري الذي يبدو انه اكثر اسفارا هذه الايام عن رغبة اقرب للهوس لاستلام الحكم مستغلا التوجس حد الارتجاف للعديد من القوى الاقليمية من مفردة التداول السلمي الديمقراطي للسلطة..والاهم من ذلك على التيارات الاسلامية النأي بنفسها والتسامي عن ان تكون ترس صغير في عملية اعادة انتاج الديكتاتورية ..لما لهذا الامر من عواقب وخيمة على مصر..وعموم الحراك الديمقراطي في المنطقة والذي ستدفع ثمنه الشعوب التي طال تعطشها للامن والاستقرار والحرية والنماء..ومن المؤكد ان الثمن الابهظ والكلفة الاشد ستكون من نصيب الحركات الاسلامية نفسها..
والاهم..يجب عدم الالتفات عن الجانب المشرق من الامر من حيث فك الارتباط ما بين التناقض الاقرب للنفاق ما بين اللحى المرسلة في الشوارع والدفع بالوجوه الحليقة الى وسائل الاعلام وشاشات البرامج الحوارية..وهذا مما يؤكد لنا وجود المؤامرة..
التعليقات (0)