صحيح أن قرار جماعة العدل و الإحسان بالإنسحاب من حركة 20 فبراير، كان مفاجئا بالنظر إلى الحضور الوازن للجماعة في مختلف خرجات الحركة الإحتجاجية. فقد تحول الحراك الشعبي بعد خطاب 9 مارس إلى إنزالات "عدلاوية" جعلت الكثيرين يقرأون في ذلك التوجه انحرافا للحركة الإحتجاجية عن مسارها. و بالرغم من أن شعارات 20 فبراير ظلت تظهر باستمرار في ثوب يتعالى عن الإيديولوجيات، فإن دور الجماعة فيها كان بارزا من حيث الحشد الجماهيري على الأقل... لذلك فإن فك الإرتباط مع 20 فبراير يفقد جماعة عبد السلام ياسين منبرا مهما سمح لها بالتواجد في الشارع ( و لو باحتشام) بشكل منتظم طيلة الأشهر الأخيرة. و لابد أن قيادة الجماعة تدرك جيدا هذه الحقيقة، و مع ذلك فإن هذه الخطوة تأتي في سياق محدد فرض على العدل و الإحسان التعاطي معه بتكتيك جديد، لكنه لا يمثل تراجعا عن أدبيات الجماعة و أسلوبها البراغماتي الذي يخدم مشروعها السياسي المعلن.
يقوم الخط السياسي للعدل و الإحسان على قاعدة أساسية تتأسس على مفهوم " التدافع" الذي يترجم في أحد أوجهه عمليا في الإنخراط الفعلي في كل المبادرات التي تراها الجماعة غير متعارضة مع مشروعها. و قد كانت هذه القاعدة هي الموجه الرئيسي لركوب موجة الحراك الشعبي الذي بدأته حركة 20 فبراير. و بهذا المعنى، واستنادا إلى القاعدة ذاتها يمكن القول أن قرار الإنسحاب من الحركة الإحتجاجية جاء نتيجة لقراءة براغماتية تنطلق من الواقع السياسي الجديد الذي أفرزه التعديل الدستوري، و تعزز بصعود شعبية حزب العدالة و التنمية كما تجلى من خلال نتائج اقتراع 25 نونبر. و يبدو أن " الياسينيين" و جدوا أنفسهم في موقف حرج بعد ارتفاع أسهم حزب المصباح. لذلك تصرفوا بناء على فهم خاص لهذا الواقع الجديد. و واضح أن الإنطباع الذي تكون لدى قادة الجماعة يفيد بأن حركة 20 فبراير قد استنفذت مهمتها. و من تم فإن المرحلة الجديدة تقتضي آليات مختلفة لأن الأمر لم يعد يتعلق بعلاقة الجماعة بالدولة فحسب، بل أصبح يتعلق بموقعها في الشارع. ذلك أن فوز العدالة و التنمية في الإنتخابات الأخيرة أدى إلى مفارقة غريبة أصبح بموجبها الإسلاميون قوة سياسية برأسين أحدهما في الحكومة و الآخر في المعارضة ( معارضة الحكم و ليس الحكومة). و لأن الجماعة تعتبر نفسها رقما صعبا في الشارع المغربي من حيث قدرتها على استقطاب الأتباع و المريدين، فإن التصويت لصالح حزب " بن كيران " يعني أن المغاربة يرحبون بمشاريع " الإسلام السياسي" المعتدل شريطة أن يكون ذلك من داخل الشرعية. لكن جماعة العدل و الإحسان تفتقد لهذه الشرعية مادامت حتى الآن جماعة محظورة قانونيا.
مشكلة العدل و الإحسان إذن تتجلى في عدم قدرتها على العمل من داخل القنوات القانونية المتعارف عليها. و ذلك على خلفية مواقفها السياسية من المؤسسات القائمة. و هكذا نجحت الدولة في تحجيم دورها و مراقبة أنشطتها. ثم إن المشروع السياسي الذي تسوق له الحركة لا يجد آذانا صاغية عند المغاربة الذين يعتبرون الملكية ضمانة ضرورية لاستقرار المغرب. و من تم فإن الموقف السياسي للجماعة لا يؤثر كثيرا في الشارع. و حتى داخل حركة 20 فبراير التي ساهمت الجماعة في إنزالاتها بقوة، لا يظهر للعدل و الإحسان تأثير يذكر على مستوى الخطاب الذي تتبناه الحركة، و الذي مازال وفيا على العموم للمطالب الكبرى التي تأسس عليها الحراك الشعبي في المغرب و المتعلقة بالكرامة و الحرية و محاربة الفساد... وهكذا يأتي قرار الإنسحاب في سياق مراجعة داخلية لمواقف الجماعة و موقعها في المشهد السياسي. و على الرغم من أن تصريحات قادة العدل و الإحسان تنفي وجود أية صفقة بينهم و بين الدولة، فإن هذا الموقف يمكن أن نقرأ فيه رسالة سياسية ملغومة للحكومة التي يقودها حزب العدالة و التنمية، خصوصا و أن رئيس الحكومة نفسه كان قد أعلن بعد فوزه في الإنتخابات استعداده للحوار مع الجماعة إذا التزمت بالعمل من داخل مؤسسات الدولة. لذلك يمكن فهم قرار العدل و الإحسان من هذه الزاوية، و إن كان الخروج من 20 فبراير ليس كافيا ولا يغير شيئا في موقف الدولة من هذه الجماعة. لكن الخطوات التي ستقبل عليها في المرحلة المقبلة هي التي ستنيط اللثام عن خبايا الإنسحاب من الحركة الإحتجاجية. و حينها فقط يمكن الحكم على هذا القرار الذي أسال الكثير من المداد خلال الأيام الأخيرة.
إن مستقبل حركة 20 فبراير ليس محكوما بتواجد العدل و الإحسان من عدمه، بل يتحدد بطبيعة تعاطي الحكومة الجديدة مع المطالب الملحة للشارع المغربي. و ربما كان خروج الجماعة من 20 فبراير مقدمة لحلم جديد يراود المرشد، إلا أن المؤكد هو أن مختلف المواقف الصادرة عن العدل و الإحسان لا تأخذ بعين الإعتبار إلا مصالح الجماعة وحدها. و ذلك وفق ما يراه و يعتقده منظرها و مرشدها عبد السلام ياسين. و المهم في الأمر أن قرارات المرشد لا تناقش. فقد صدر القرار و على شباب الجماعة الإلتزام به. أما، لماذا و كيف...؟ فتلك أسئلة علمها عند صاحب الحلم. محمد مغوتي.24/12/2011.
التعليقات (0)