خير أمة اخرجت للناس!..
خليل الفزيع
في الوقت الذي يدعو فيه المخلصون من أبناء هذه الأمة لتضامنها وتكاتفها ووحدة صفوفها، نرى الوطن العربي وعلى أيدي إبنائه يسير نحو تمزيق وحدته الوطنية بالتجزئة والانفصال، وما يسمى بالحكم الذاتي، وبين فترة وأخرى تبرز هذه الدعوات على سطح الواقع العربي لتزيد هذا الواقع تشرذما وتشتتا وفرقة، وما يحدث في السودان جزء من مخطط كبير تتنباه قوى شيطانية لتمزيق الوطن العربي إلى أشلاء، وترتفع هذه النغمة الشاذة في أكثر من موقع عربي، في المغرب العربي، وفي العراق وفي الصومال، وما بوادر الفتنة الدينية في مصر سوى مسعى خبيث في هذا التجاه، وما هو مخبأ في ملفات الدوائر الغربية أشد وأنكى، تساعد على ذلك عوامل داخلية تمهد للتدخل الأجنبي في غياب الديمقراطية، وانعدام كرامة المواطن وحريته الشخصية المحكومة بالقانون، واختفاء تكافؤ الفرص، وسيطرة الفساد الإداري والمالي، واحتكار القرار السياسي والاقتصادي، إلى جانب ما يحيط بالمواطن من عوامل الإحباط التي تفقده الثقة بنفسه وبمن حوله، حتى تحول الإنتماء الوطني إلى مجرد شعار يختفي خلفه تمجيد السلطة، ويسبح بحمدها بمناسبة وغير مناسبة.
وفي ظل بيئة تنعدم فيها العدالة، وفي ظل أجواء مشحونة بفساد الذمم، وفي صفوف المتخاذلين والمتاجرين بقضايا شعوبهم، والمتلاعبين بما يسمى ديمقراطية الإنتخابات.. يجد دعاة الإنفصال محاضن لتفريخ أفكار جهنمية تدعو إلى العنف وتغذي الإرهاب وتبارك التشتت، وتجد في تمزيق الأمة هدفها، وتفكيك وحدتها الوطنية غايتها، دون أن تجد من يردعها، لأن الشارع العربي لم يعد حريصا على الدفاع عن حقوق ليست له، وعن منجزات لا يستفيد منها، وعن سياسات لا ترعى مصالحه، وخطط لاتحقق أهدافه، وإذا كنا نلوم الدوائر الغربية لأنها تعمل على تمزيق الوطن العربي، فالأولى أن نلوم التخاذل العربي تجاه القضايا العادلة للأمة، وحتى تلك القضايا التي تتبناها هيئات دولية عليا، لا تجد من العرب أنفسهم من يساندها رغم مساندة الشرعية الدولية لها، ووقوف المنظمات الإنسانية معها.
إن الدول ذات السياسات الحكيمة تستطيع أن تصبح الأكثر رخاءا، وبالتالي الأكثر أمنا وقدرة على السيطرة على مظاهر العنف والغلو والإرهاب وتجفيف منابعه، بتوفير العدالة الاجتماعية، ورفاهية المواطن، وازدهار منجزات الوطن التنموية، فالمواطن المحروم من فرص الحياة الحرة الكريمة، ليس لديه ما يخسره عندما يرتمي في أحضان أعداء الوطن، ويصبح سلاحا موجها إلى صدور مواطنيه، وفي ظل نمو البطالة وانتشار الفقر وتفشي الجريمة، تمتلئ النفوس بالأحقاد، ويدفعها اليأس إلى ارتكاب ما لاتحمد عقباه، لتتحول تلك النفوس إلى أداة تخريب وهدم بدل أن تكون أداة تشييد وبناء، وبذلك توغل الشعوب العربية في طريق البحث عن مخرج لإزماتها الطاحنة ومشاكلها المتفاقمة فلا تجد سوى التوجه لطريق الفرقة والتفكك، غير مدركة خطورة هذا المنهج وما يمكن أن يؤدي إليه من تهديد لحاضر ومستقبل الأمة، وليجد ذلك كله من يغذيه ويرعاه من الدوائر الغربية التي أصبح شغلها الشاغل العمل على تكريس ضعف الأمة وتخاذل أبنائها.
إيمان الأمة بقدراتها الخلاقة، وحرصها على العدالة الاجتماعية، ورفاهية شعوبها، وصيانة كرامة مواطنيها وحفظ حقوقهم، ومحاربة مظاهر الضعف والفساد والتخلف، كل هذه العوامل كفيلة بان تحقق للأمة تضامنها ووحدتها وقوتها، لتبقى كما أراد الله لها أن تكون.. خير أمة أخرجت للناس.
التعليقات (0)