خير أجناد الأرض
ورد في الحديث النبوي أن جند مصر هم خير جنود الأرض ، فعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض فقال أبو بكر ولم يا رسول الله قال لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة " .
وقد أخرج هذه الحديث ابن عبد الحكم (ت257هـ) في " فتوح مصر " (ص/189) ، والدارقطني في " المؤتلف والمختلف " (2/1003) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (46/162 ، 163) ، وأخرجها ابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي (ت 387هـ) في " فضائل مصر " (ص/83) ، وعزاه المقريزي في " إمتاع الأسماع " (14/185) لابن يونس.
جميعهم من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري ، عن بحير بن ذاخر المعافري ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
ولقد ضُعِّف هذا الحديث من قبل ابن لهيعة ، لكنه باستقصاء الأقوال في ابن لهيعة يتبين أنه قد حصل الاتفاق على أن روايته تصل إلى درجة الحسن باعتبار الشواهد ، وهذه بعض الأقوال التي تؤيد هذا المنحى :
- يقول الهيثمي عنه مرات عديدة : " وهو حسن الحديث " .
- وقال مرة أخرى : " وقد ضعف وحديثه حسن باعتبار الشواهد " .
- قال العبدلي : " وحديثه يصح في الشواهد والمتابعات " .
- ويقول ابن كثير في حديث رواه ابن لهيعة : " وإسناده جيد حسن لما له من الشواهد " .
شواهد مؤيدة لحديث خير أجناد الأرض:
أولا : شواهد مؤيدة من الحديث النبوي :
الشاهد الأول : ما رواه أبو يعلى في مسنده (3/رقم1473) وعنه ابن حبان في صحيحه (15/رقم6677) وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص53) من طرق عن أَبي هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ، جُعْدٌ رُءُوسُهُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ قُوَّةٌ لَكُمْ، وَبَلاغٌ إِلَى عَدُوِّكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ " يَعْنِي قُبْطَ مِصْر .
وسنده صحيح على شرط مسلم.
قال ابن حجر العسقلاني : " رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ، وأبو عبد الرحمن – يعني الحبلي – تابعي بلا ريب ، وعمرو بن حريث ليس هو المخزومي ، بل هو آخر مختلف في صحبته "
(انتهى من المطالب العالية – النسخة المسندة – كتاب المناقب ، باب فضائل البلدان ، باب أهل مصر ) .
وفي الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني أن البخاري أنكر أن يكون لعمرو المذكور في هذا الحديث صحبة وقال :" عمرو بن حريث روى عنه حميد بن هانئ مرسلاً " ، وقال ابن صاعد :"عمرو
هذا من أهل مصر ليست له صحبة ، وهو غير المخزومي " انتهى ، والله الموفق .
[أخرجه أبو يعلى (3/51، رقم 1473) ، قال الهيثمى (10/64) : رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (15/69، رقم 6677) ]
(الجَعْد: في صِفات الرجال يكون مَدْحا وَذَمّا: فالمدْح مَعْناه أن يكون شَدِيد الأسْرِ والخَلْق، أو يكون جَعْدَ الشَّعَر أي خشنه، وأما الذَّم فهو القَصير المُتَردّد الخَلْق. وقد يُطْلق على البخِيل أيضا)
الشاهد الثاني : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى عِنْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ: " اللَّهَ اللَّهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ "
[أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/265/561) - الصحيحة: 3113 ، وقال : هذا إسناد صحيح
ولا أعلم له علة ]
الشاهد الثالث : عن عمرو بن الحَمِق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ... تكون فتنة أسلم الناس فيها أو خير الناس فيها الجند الغربيّ ... » . قال: فلذلك قدمت عليكم مصر .
وسيأتي الكلام عليه في المبحث القادم إن شاء الله .
الشاهد الرابع : عن تبيع بن عامر الكلاعيّ قال: أقبلت من الصائفة فلقيت أبا موسى الأشعريّ رضي الله عنه فقال لي: من أين أنت؟
فقلت: من أهل مصر، قال: من الجند الغربيّ؟ فقلت: نعم، قال: الجند الضعيف؟ قال:
قلت: أهو الضعيف؟ قال: نعم، قال: أما إنه ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته، اذهب إلى معاذ بن جبل حتى يحدّثك قال: فذهبت إلى معاذ بن جبل فقال لي: ما قال لك الشيخ فأخبرته، فقال لي: وأيّ شيء تذهب به إلى بلادك أحسن من هذا الحديث، أكتبت في أسفل ألواحك، فلما رجعت إلى معاذ أخبرني أن بذلك أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
ثانيا : شواهد مؤيدة من الواقع العملي :
شواهد للجند المصري قديمة :
قال صاحب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار : " كفى بالخيرة الأولى نوبة عين جالوت لما خرج الملك المظفر قطز، صاحب مصر ، إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكسر عساكر هولاكو أعلى عين جالوت، ورحل هولاكو عن حلب، عائدا، ونهض الجيش المصري بما عجزت عنه ملوك أقطار الأرض مع اجتهاد السلطان جلال الدين محمد بن خوارزمشاه رحمه الله، حتى قتل.
ولم يكن الجيش المصري بالنسبة إلى الجيوش الجلالية إلا كالنقطة في الدائرة، (والنغبة من البحر) ، والله يؤيد بنصره من يشاء، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .
وهذا من المعجزات النبوية وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على من عاداهم إلى يوم القيامة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ألا وهم الجند الغربي.
وقوله ألا وهم الجند الغربي زيادة في الروايات، وهذه الرواية إن لم تصح روايتها صحت بالمعنى ، لأن هذه الطائفة وهي كانت الطائفة الظاهرة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم في قولهم وعناهم بها، لأنه لم يظهر على التتار سواهم، وبهذه النصرة، دامت النصرة على التتار، وكانت بهم لا بغيرهم مع كثرة من كان من ملوك الإسلام، واجتهادهم في الجهاد، فتماسك بهذه المرة رمق الإسلام، وبقيت بقية الدين، ولولا هم لا نصدع شعب الأمة، ووهي عمود الملة، ووصلت خيل عبدة الشمس إلى أقصى المغارب، ودكت جميع رعان الأرض" .
شواهد للجند المصري حديثة :
تاريخ الجيش المصري :
" الجيش المصري هو أقدم جيش عرفته البشرية وقد كان ذلك بعد توحيد الملك نعرمر لمصر حوالى عام 3200ق.م, فقبل ذلك العام كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه, ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر, و قد كان الجيش المصري أقوى جيش في العالم كله وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية في العالم وهي الإمبراطورية المصرية الممتدة من تركيا شمالاً إلى الصومال جنوباً ومن العراق شرقاً إلى ليبيا غرباً . كان المصريون هم دائماً العنصر الأساسي في الجيش المصري و لكن بعد إنشاء الإمبراطورية المصرية دخل في الجيش المصري بعض العناصر النوبية والأمازيغية (خاصةً الليبية منها). و قد كان الجيش المصري يتكون من الجيش البري ( المشاة والعربات التي تجرها الخيول والرماحين وجنود الحراب والأفرع الأخرى) والأسطول الذى كان يحمي سواحل مصر البحرية كلها إضافة إلى نهر النيل. ومازالت بعض الخطط الحربية المصرية القديمة تُدَرَّس في أكاديميات العالم ومصر العسكرية. وقد قدمت العسكرية المصرية القديمة العديد من القواد العظماء وكان أنبغ هذه العقول العسكرية هو الإمبراطور (تحتمس الثالث) أول إمبراطور في التاريخ وهو الذى أنشأ الإمبراطورية المصرية وفي رصيده العديد من المعارك والحروب, أشهرها معركة مجدو التي مازالت تُدرَّس حتى اليوم. ومنذ احتلال الفرس لمصر لم يدخل المصريون الجيش مخافة ثورتهم على المحتلين إلا في عهد الدولة الإسلامية لأن الخلفاء أخذوا بحديث الرسول عليه الصلاة و السلام: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيرا فإنهم خير أجناد الأرض وهم في رباط إلى يوم الدين), وقد حرر الجيش المصري مدينة القدس من أيدي الصليبيين في واحدة من المعارك التاريخية على مر العصور وبالإضافة إلى ذلك لعب الجيش المصري الدور الأعظم في هزيمة المغول الذين دمروا الدولة الإسلامية العباسة وإمبراطورية الصين ودولة روسيا ودخلوا قارة أوروبا حتى وصلوا إلى بولندا في قلب أوروبا ولكن الجيش المصري هو الوحيد في العالم الذى استطاع أن يوقف زحفهم. ثم تأسس الجيش المصري الحديث إبان حكم محمد علي باشا الذى يعتبر مؤسس مصر الحديثة حيث كون جيشا من المصريين لأول مرة بعد عصور طويلة ظل الجيش حكرا على غير المصريين وخاصة المماليك
حيث بدأ محمد على ببناء أول مدرسة حربية تقوم بإعداد الجنود والضباط على الطراز الحديث عام 1820م بمدينة أسوان وقام بإنشاء العديد من الترسانات لتمويل الجيش بأحدث المعدات كالبنادق والمدافع والبارود واستعان محمد علي باشا بالقائد الفرنسي الشهير سليمان باشا الفرنساوي الذى أقام في مصر لتأسيس هذا الجيش الذى صار من أقوى جيوش العالم في فترة وجيزة فغزا بلدان كثيرة فوجه محمد علي حملاته إلى جزيرة رودس وإلى بلاد الحجاز لمواجهة الثورة الوهابية بقيادة ابن محمد على (طوسون) وقام بإرسال حملات إلى اليونان لمواجهة الثورات اليونانية ولكنه فشل بسبب تدخل كلا من إنجلترا وفرنسا وروسيا لنجدة اليونانيين فاضطر الأسطول المصري للانسحاب وترك الأسطول التركي وحيدا في( نفارين) عام 1827 " .
ثورة الضباط الأحرار والعدوان الثلاثي :
وجاءت ثورة الضباط الأحرار المصرية والتي قامت بطرد الملك من البلاد وطالبت برحيل بريطانيا التي نفذت هذا بعد 4 سنوات أو أقل وتولى أعضائها الحكومة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي بدأ يتحالف مع القوى الشرقية لاستيراد الأسلحة التي رفض الغرب إمداده بها وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا .
وبالفعل تم استيراد الأسلحة المطلوبة عن طريق تشيكوسلوفاكيا كوسيط بين مصر والاتحاد السوفيتي ، وكان الجيش في حالة إلى حد ما مقبولة ؛ لكن جاءت حرب السويس وأطلق عليها في مصر حينئذ باسم العدوان الثلاثي مما أضر بالجيش الناشئ .
وغامر عبد الناصر بمساعدة اليمنيين بجيش مصر أيضا مما أضر أكثر بها .
نكسة 1967 :
وجاءت طامة حرب اليهود على مصر في الخامس من يونيو عام ألف تسعمائة سبعة وستون (نكسة يونيو) ودمر الجيش المصري إلى حد كبير وسلاح الطيران كليا واحتلت شبة جزيرة سيناء من قبل اليهود كما تم أيضا احتلال هضبة الجولان بالقطاع السوري .
وجاءت فترة على مصر والمجهود الحربي وكانت مصر تستورد الأسلحة والخبراء الروس من روسيا أو الاتحاد السوفيتي وبعض الدول من الكتلة الشرقية حينئذ ودارت معارك سميت بحروب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل وهي عبارة عن الدخول في معارك قصيرة المدى يتم من خلالها توجيه الضربات الموجعة للعدو من أجل استنزاف قوته .
حرب أكتوبر ( رمضان ) 1973م :
لن أجد أفضل من المشير محمد عبد الغني الجمسي – الذي كان من أهل النجدة بناء على كلام أهل الله – للحديث عن حرب أكتوبر – رمضان ، يقول في مذكراته عن هذه الحرب : " ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 ، فكانت حربا مختلفة تماما عن الحروب الثلاث السابقة لها ، بعد أن تعمقنا في معرفة العدو الإسرائيلي لتحديد مصادر قوته ومواطن ضعفه تحديدا دقيقا مهد لنا الطريق في الصراع العسكري الدائم والمستمر بين العرب وإسرائيل .
لقد خاضت قواتنا المسلحة حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973 ضد نفس العدو ، واختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر . وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هو أنفسهم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات ، وهي فترة زمنية قصيرة لا يمكن أن يقال أن جيلا حل محل جيل .
فضلا عن ذلك فإن الموقف العسكري الاستراتيجي في أكتوبر 1973 كان أصعب من الموقف في حرب يونيو . وبرغم ذلك عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر العسكري في ظروف سياسية أعقد مما كانت في يونيو " .
وعن صعوبات الحرب وكيفية التغلب عليها يقول : " كان على قواتنا المسلحة أن تدخل حرب أكتوبر 1973 في ظروف عسكرية صعبة ومعقدة لهدم " نظرية الأمن الإسرائيلي " التي وضعتها إسرائيل لتكون ستارا لتحقيق أهدافها التوسعية وفرض الأمر الواقع على العرب .
ولعلنا لن ننس ما قاله ديان قبل الحرب بحوالي شهر ونصف " إن السلام الذي تريده إسرائيل قد تحقق منذ عام 1967 ، وأن السلام الرسمي مع العرب يضر بالحالة التي تحرص عليها إسرائيل وهي تثبيت الأمر الواقع الذي فرضته تلك الحرب ... وإن حدود إسرائيل تتغير تلقائيا حسب طبيعة نمو وتوسع إسرائيل .
وكان على قواتنا خوض الحرب مهما كانت المصاعب ومهما كانت التضحيات لاستعادة أراضينا .
- كنا سندخل الحرب بينما العدو له التفوق العسكري ، والوضع الطبيعي أن يكون المهاجم متفوقا على المدافع . وكان من الضروري إهدار التفوق العسكري في المرحلة الافتتاحية للحرب وهي مرحلة الهجوم مع اقتحام قناة السويس .
- وكنا سندخل الحرب ، بينما يستند العدو إلى خط محصن على الضفة الشرقية للقناة ، وله القوات الكافية المدربة في سيناء تحتل الخط الأمامي وقوات مدرعة على أنساق متتالية . وكان لابد من نجاح العملية الهجومية واختراق تحصيناته وتدميرها ، وبذلك يتم تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي .
- وكنا سندخل الحرب ، ونقدر أن الاقتحام المدبر لقناة السويس بقوة جيشين يشملان خمس فرق وقوة قطاع بورسعيد ( حوالي مائة ألف مقاتل ) يعتبر من أصعب العمليات العسكرية ، فإن أصعب الموانع المائية اثنان لا ثالث لهما في العالم هما قناة السويس وقناة بنما .
- وكنا سندخل الحرب ، ونحن نعلم أن نجاح العبور يتطلب حتما إنشاء كباري وتشغيل معديات ، وهذا يتطلب حتما عمل فتحات في الساتر الترابي العالي على الضفة الشرقية للقناة . وكل فتحة تتطلب تهايل 1500 متر مكعب من الرمال تستغرق عدة ساعات . والكباري لابد أن تنشأ خلال 8 ساعات لعبور الدبابات والأسلحة الثقيلة . فإذا تحققت المفاجأة يمكننا كسب الوقت ومنع العدو من التدخل السريع لعرقلة عمل الفتحات أو إنشاء الكباري ، وبالتالي يتم العبور .
- وكنا سندخل الحرب ضد عدو لديه جهاز مخابرات اشتهر بكفاءته وتعاونه مع أجهزة المخابرات الأمريكية لمعرفة كل ما يدور في الوطن العربي . فإذا اكتشفت هذه الأجهزة نوايانا الهجومية ، فإن إسرائيل ستبادر بتوجيه ضربة وقائية – ضربة إجهاض – تجعل عمليتنا الهجومية أكثر صعوبة وأشد تعقيدا ، كما أن إسرائيل ستبادر أيضا بتعبئة الاحتياطي وإرساله للجبهتين المصرية والسورية خلال يومين .
ومن هنا ، ولكل هذه الأسباب ، كان من الضروري أن نبذل كل جهد ممكن لتحقيق المفاجأة حتى تكون المبادأة لنا لأول مرة في الحرب ضد إسرائيل ، وحرمان العدو من فترة الإنذار اللازمة للتعبئة ، وعدم إعطائه فرصة توجيه ضربة وقائية ، وضمان نجاح الهجوم والعبور – وكذلك الهجوم في الجولان – بأقل خسائر ممكنة حيث قدرنا خسائرنا في جبهة قناة السويس بالآلاف من الشهداء والجرحي والمصابين .
لقد كانت قواتنا في منطقة القناة على اتصال بالعدو حيث لا يفصلها عنه سوى حوالي 200 متر وهو عرض القناة . كما أن القوات في الجبهة السورية تتواجد تحت الملاحظة المستمرة من جانب العدو الذي يحتل المرتفعات السورية العالية بالجولان وفي جبل الشيخ والتي تسيطر على مناطق حشد القوات في المناطق المنخفضة .
ومعنى ذلك أن العدو يسهل عليه اكتشاف أي تغيير جوهري في حجم القوات أو استعدادها للحرب في الجبهتين أو إحداهما ، وهذا يوضح مدى صعوبة تحقيق المفاجأة في هذه الحالة .
وكانت هناك صعوبة أخرى في تنفيذ الإجراءات الخداعية بحيث تبدو للعدو حقيقية ، وبحيث تقتنع القوات أو الجهات التي تقوم بتنفيذها بأنها حقيقية دون أن تعلم أنها خداعية .
لذلك فقد اشترك في وضع خطة المفاجأة عدد محدود جدا من ضباط هيئة عمليات القوات المسلحة ، وكتبت بخط اليد كخطة العمليات تماما . واشتملت الخطة على إجراءات وأعمال كثيرة متنوعة في مجالات مختلفة بحيث تتكون صورة متكاملة أما العدو أن قواتنا في مصر وسوريا ليس لديها نية الهجوم ، بل نعمل لتقوية دفاعاتنا واستعدادنا ضد هجوم إسرائيلي محتمل " .
تقرير إسرائيلي عن الجيش المصري :
في تقرير أعده ماتي زوهار المحلل السياسي بأحد الإذاعات الإسرائيلية حلقة تحت عنوان " أقوى دولة عسكرية بالقارة الإفريقية " توصل خلالها لحقيقة قد تغضب الإسرائيليين أنفسهم ولكنها من المؤكد أنها ستثلج صدور المصريين جميعا .
حيث قال المحلل بالإذاعة الإسرائيلية أنه ووفقا لآراء الخبراء والمحللين العسكريين أن جيش مصر هو أقوى جيوش إفريقيا والمنطقة العربية من حيث قدرته التسليحية وحجمه وأضاف ووفقا لتقرير صادر عن أحد الجامعات الإسرائيلية أيضا أن الجيش المصري تطور كثيرا في العقود الثلاثة الماضية وخاصة أنه أدخل العديد من المنظومات الأمريكية الحديثة إلى تسليحه
وأضاف زوهار العديد من الأرقام حول الجيش المصري حيث قال إن عدد العسكريين في الخدمة داخل الجيش المصري أربعمائة وخمسين ألفا وأن الجيش المصري يمتلك أقوى ثاني بحرية بعد تركيا في المنطقة ويمتلك 505 طائرة مقاتلة وتحمل منظومات جو أرض دقيقة التوجيه بالإضافة الى التسليح الهائل لسلاح المدرعات حيث تم تجميع 900 دبابة إبرامز داخل مصر كما أن مصر تمتلك 3400 دبابة في الخدمة الفعلية .
ولم يتحدث التقرير عن سلاح الدفاع الجوي المصري الذى يعتبر أحد أفضل عشر دفاعات جوية في العالم .
الدليل القاطع على صحة هذا الحديث :
وبعد كل هذا فإن هناك دليلا قطعيا يدل على صحة حديث " خير أجناد الأرض" ، مأخوذ من ألفاظ الحديث نفسه ، وهو ما جاء في الحديث بلفظ " جندا كثيفا " ، فكلنا يعلم أن هذا الحديث كان موجودا في القرن الأول الهجري ، وقطعا لم يكن سكان مصر يزيدوا عن عدة آلاف أو عدة عشرات من الآلاف في القرن الأول الهجري ، فمن أين هذا الإخبار وهذا التوصيف بـ " الجند الكثيف " إلا أن يكون المخبر عالما بما سينتهي من الكثافة السكانية العالية في مصر التي سوف تصل إلى ما نسميه في عصرنا هذا بـ " الانفجار السكاني " ، وانظر إلى اللفظة المستخدمة في الحديث كيف جاءت متطابقة تماما مع اللفظة المستخدمة في العصر الحديث وهي مادة : كثف ،كثافة ، كثيفا .
ولا يعلم ما ستصل إليه الأمور في المستقبل إلا من يوحى إليه عليه الصلاة والسلام ؛ .
فلا شك أن هذه القرينة المأخوذة من لفظ الحديث قرينة قوية ترفع الحديث إلى درجة الصحة ؛ خاصة وأن هناك شواهد للحديث تعضد هذه القرينة ، ولا ننسى في هذا الصدد أن أحاديث عبد الله بن لهيعة قابلة للتصحيح باعتبار القرائن والشواهد بإجماع الحفاظ والمحدثين ، والتي توفرت بفضل الله ومنه في هذا الحديث .
والله الموفق والله المستعان .
الجند الغربي
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب حدثني أبو شريح عن عميرة بن عبد الله المعافري عن أبيه عن عمرو بن الحَمِق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ستكون فتنة أسلم الناس فيها أو قال لخير الناس فيها الجند الغربي " فلذلك قدمت مصر . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (مستدرك الحاكم : 4/495)
قال الذهبي في تعليقه على المستدرك : صحيح .
وقد جاء في كلام مجمع الزوائد بعدما أورد الحديث قوله : " قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/281) : " رواه البزار والطبراني من طريق عميرة بن عبد الله المعافري ، وقال الذهبي : لا يدرى من هو " .
فمقتضى كلام الذهبي في هذا الموضع – وهو الذي قال عن الحديث : صحيح في تعليقه على المستدرك – جهالة عميرة بن عبد الله المعافري .
لكن بالعودة إلى عميرة بن عبد الله المعافري سنجد أنه يروي عنه اثنان كلاهما ثقات :
أولهما : عياش بن عباس القتباني ، قال في الإكمال لابن ماكولا (6/276 ، 277) : " وعميرة المعافري يروي عنه ابن عمر حدث عنه عياش بن عباس القتباني " وانظر المدونة : عميرة العامري .
قال العجلي في الثقات (1/378) طبعة الباز : " عياش بن عباس : مصري ثقة " .
وجاء في التاريخ الكبير "( 1/ 48)، والثقات(7/ 292)، والتهذيب(8/ 197) :
" عياش بن عباس القتباني، من أهل مصر، كنيته أبو عبد الرحمن" ، وفي التاريخ الكبير: "أبو عبد الرحيم: وثقه أيضًا ابن معين، وأبو داود وابن حبان " .
وثانيهما : عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله المعافري ، قال ابن حجر في التقريب (1/573) : وروى عنه عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله المعافري وهو (أي عبد الرحمن) ثقة فاضل لم يصب ابن سعد في تضعيفه " .
فلله الحمد والمنة فقد ارتفعت جهالته بذلك .
تخريج أوسع لحديث الجند الغربي :
- ذكر في مسند البزار (6/287) : حدثنا محمد بن مسكين، قال: أخبرنا عبد الله بن صالح، قال: أخبرنا أبو شريح عبد الرحمن بن شريح، أنه سمع عميرة بن عبد الله المعافري، يقول: حدثني أبي، أنه سمع ابن الحمق، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون فتنة أسلم الناس فيها أو قال: خير الناس فيها الجند الغربي، قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر.
ثم قال عقبه : وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا عمرو بن الحمق وحده ،
ولا نعلم له طريقا إلا هذا الطريق، ولا نعلم رواه عن ابن شريح، إلا عبد الله بن صالح.
- وذكر الطبراني في المعجم الأوسط (8/315) : حدثنا مطلب نا عبد الله حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري أنه سمع عميرة بن عبد الله المعافري يقول حدثني أبي أنه سمع عمرو بن الحمق يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون فتنة يكون أسلم الناس فيها أو قال خير الناس فيها الجند الغربي قال بن الحمق فلذلك قدمت عليكم مصر " .
ثم قال عقبه : لا يروى هذا الحديث عن عمر بن الحمق إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو شريح .
- وذكره ابن عبد الحكم في تسمية من روى عنه أهل مصر من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ممن دخلها، فقال :
" عمرو بن الحمق الخزاعي :
ولهم عنه عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حديث واحد وهو عبد الرحمن بن شريح قال سمعت عميرة بن عبد الله المعافري يقول حدثني أبي قال سمعت ابن الحمق يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون فتنة يكون أسلم الناس فيها أو قال خير الناس فيها الجند الغربي قال ابن الحمق فلذلك قدمت عليكم مصر حدثناه عبد الله بن صالح عن أبي شريح وعبد الملك بن نصير عن عمران بن عطية الجذامي عن أبي شريح" .
- وقال نعيم بن حماد في الفتن (1/54) قال الوليد وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تكون فتنة تشمل الناس كلهم لا يسلم منها إلا الجند الغربي " .
- وفي أخبار المدينة (2/190 – 191 ) عن الليث بن سعد وفي إسناده رجل مبهم .
- وعن تبيع بن عامر الكلاعيّ قال: أقبلت من الصائفة فلقيت أبا موسى الأشعريّ رضي الله عنه فقال لي: من أين أنت؟
فقلت: من أهل مصر، قال: من الجند الغربيّ؟ فقلت: نعم، قال: الجند الضعيف؟ قال:
قلت: أهو الضعيف؟ قال: نعم، قال: أما إنه ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته، اذهب إلى معاذ بن جبل حتى يحدّثك قال: فذهبت إلى معاذ بن جبل فقال لي: ما قال لك الشيخ فأخبرته، فقال لي: وأيّ شيء تذهب به إلى بلادك أحسن من هذا الحديث، أكتبت في أسفل ألواحك، فلما رجعت إلى معاذ أخبرني أن بذلك أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى ابن وهب من حديث صفوان بن عسال قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ... فتح الله بابا للتوبة في الغرب عرضه سبعون عاما لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه ... »
- وروى ابن لهيعة من حديث أبي سالم الجيشاني: أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم ستكونون أجنادا وإن خير أجنادكم أهل الغرب منكم فاتقوا الله في القبط لا تأكلوهم أكل الخضر» .
أهل الغرب
جاء في صحيح مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هُشَيْمٌ عن دَاوُدَ بن أبي هِنْدٍ عن أبي عُثْمَانَ عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ " (صحيح مسلم : 3/1525، برقم 1925) وفي رواية " لا يزال أهل المغرب" .
قال السيوطي في الديباج على مسلم (4/514) : " لا يبعد أن يراد بالمغرب مصر فإنها معدودة في الخط الغربي بالاتفاق وقد روى الطبراني والحاكم وصححه عن عمرو بن الحمق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي قال بن الحمق فلذلك قدمت عليكم مصر وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر وزاد فيه وأنتم الجند الغربي فهذه منقبة لمصر في صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار وما زالت معدن العلم والدين ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر " .
ومما يؤيد هذا الحديث أيضا ما جاء من زيادة في حديث " خير أجناد الأرض " الذي أثبتنا صحته في المبحث الأول ، وذلك عندما سأل الراوي - وهو أبو بكر - : ولم ذلك يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لأنهم في رباط إلى يوم القيامة " وفي رواية " لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة " .
التعليقات (0)