رد سريع, ام يائس.هو ذلك الاستباق اللاهث المتعجل لنتائج مؤتمر قوى المعارضة السورية في الدوحة والذي تمثل في اعلان تشكيل خمس جبهات قتالية في سوريا، تضم –كما اعلن-معظم مقاتلي المعارضة السورية وقياداتها، بما فيها الفصائل والتشكيلات والكتائب المقاتلة بمختلف مسمياتها على جميع الأراضي السورية",فلو افترضنا ان السرعة تتمثل في العجلة الواضحة لقوى المعارضة المسلحة لترجمة تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية الداعية الى توحيد وتطهير قوى المعارضة السورية من المتشددين من خلال التأكيد على هذا الاعلان "سيساهم في توطيد التنسيق بين الكتائب الثائرة وتفعيل عملياتها النوعية"فأن اليأس يكمن في صميم الاعلان نفسه وفي القفز الاكثر تعجلا لطلب الاسلحة الثقيلة "بما يحسن العمل الثوري".
فهذا الاعلان ,الذي قلل من دراماتيكيته المفترضة, البرود السياسي والاعلامي الذي قوبل به -خارج اوساط الاعلام السعودي- واضعف من مصداقيته القفز المستغرب على جميع التناقضات التي تحكم العلاقة ما بين الجمع الغفير من الكتائب والالوية والتنظيمات- التي لم تترك اسما في التراث السلفي لم تتخذه عنوانا لاحدى تشكيلاتها-التي تعاني من غياب التنسيق والتوزيع المركزي للادوار, وتعدد –بل وتضارب- المرجعيات ومصادر التمويل ,يبدو انه نتيجة حتمية لشعور عام يطغي على المعسكر السلفي بتضعضع دوره في المعادلات الدولية والترتيبات السياسية والامنية لمرحلة ما بعد النظام السوري, مقابل تنامي وتكريس –بل وتصنيع- الدور السياسي للاخوان المسلمين المتفيئ بالرضا الامريكي المعلن ..
فالتنظيمات والتيارات السلفية التي تنشط على الارض السورية –وحتى القوى الداعمة لها-واقعة فعليا تحت ضغط التناقض بين حتمية استمرار تحالفها المرحلي الهش مع الاخوان المسلمين في سوريا ووصول شرارات الربيع الاخواني الى اذيال ثوب الحصن الخليجي في الكويت والاردن, وقد لا يمر الكثير من الوقت حتى تجد المملكة الحالمة بقيادة العالم الاسلامي تكابد مرارة التقوقع تحت رحمة الطوق الاخواني الذي ينسج على مهل-ولكن بثبات- حول دول المنطقة..
فلم تعد الامور تقال مواربة بعد الآن, ولم يعد على الاعلام الرسمي ان يموه على الانخراط المسرف للاخوان المسلمين في محاولة اعادة رسم الخارطة في المنطقة على اساس الابتعاد عن تقاسم الادوار ما بين جناحي الاسلام المتشدد , ولم يعد من المحرمات الكلام عن حق آلهي للجماعة في تحديد ما يكن وما سوف يكون فيما تقدم -او تأخر- من مستقبل الشعوب وآمالها في الحرية والعدالة والكرامة الانسانية..وان الديمقراطية والتحرر لم تعد ان تسلم الشعوب قيادها طوعا-او كرها- الى اتحاد الممالك والمشيخات الخليجية ليدمغوا جباه الشعوب بشقي او سعيد, بل هي في ان يدخلوا افواجا في فسطاط التحالف الغربي الاخواني..
لم يكن الاستاذ عبد الرحمن الراشد, الناطق شبه الرسمي باسم المؤسسة الرسمية السعودية مقنعا وهو يبدي تفاؤله باشهار " الجبهات العسكرية الخمس" ولم تشفع له بلاغته اللافتة في تسويق هذا الاعلان بانه اهم حدث"منذ قيام الجيش الحر" وانه دليل على ان " السوريين حسموا أمرهم، وغسلوا أيديهم تماما من أي تدخل خارجي",بل قد يكون الاصح هو ان الاحباط هو من جانب التيار المتشدد الذي يبدو انه بدأ يعاني التوجس المقلق للسلاسة التي تسلك بها المسارب السياسية والامنية التي تستل مفاتيح الحل من بين يديه, وهذا الموقف قد لا يكون متناسبا تماما مع المشروع الغيبي المخيف الذي تروج له السلفية من معركة كبرى انطلاقا من الشام لاعلاء حلم الدولة السلفية الكبرى,والذي يبدو انه لم يكن الا ملهاة قدمتها قطر الى "الشقيقة الكبرى"لكي تجترها وهي تحلم بما افاق منه مصدوما –قبل قرن من الزمان-الشريف الحسين بن علي.
في الدوحة تجري مداولات بين اعضاء المجلس الوطني السوري لتوحيد الجهود والاتفاق على قيادة موحدة عسكرية وسياسية وتوسيع دائرة العضوية,وهي تعاني من نفس "امراض" الفصائل المسلحة على الارض من تقاطع الرؤي والتشظي المرجعي ,ولكنها تختلف عن التيارات المتشددة بانها من الممكن ان تقدم بديلا مرضيا عنه غربيا عن نظام الاسد منتهي الصلاحية السياسية, وهذا ما يدفع بصورة اكبر تجاه الحلول السياسية التي قد تستهدف الوصول الى نقطة استرضاء منطقية للتوجس الروسي الصلب..
ان التيارات الجهادية السلفية-وقواها الداعمة- تسير بثبات في الطريق الذي ستدفع من خلاله ثمن مقاربتها الهستيرية للازمة السورية وخطيئتها الكبرى في اختطاف الثورة الشعبية السورية وجرجرتها في دروب التحريض الطائفي المعتمة والمشاريع الغيبية المستهدفة للنسيج الوطني والمعلية من الفرعيات الفئوية, وللاسف,فان هذا الثمن سيستل من ارواح ودماء ومقدرات الشعب السوري النبيل المنحشر بين فكي قوى النظام القمعية والقطعان المستجلبة من كل فج مغمس بالكراهية واحقاد القرون, وهذا ما يجعلنا نشاطر السيد الراشد تمنياته بان "يكون الحسم النهائي أقل دموية"وان "يكون سياسيا يحافظ على جسم الدولة، بجيشها ومؤسساتها"وان كان هذا بخلاف توقعاتنا ومخاوفنا.
التعليقات (0)