خيانات المثقفين
عبد الوهاب الملوح
..فرَّ الكلب وحلت الضباع تنهش من جسد الهواء
كل شيء جائز الآن
سال الدم غزيرا من ذلك الجسد الذي انتفض وقد تحررت أنفاسه تتمرَّد على أعضائه المحبوسة في قفص الغبن ..فنزف حتى الموت و بدل أن يرقص ذلك الجسد حرية فيصير لون الهواء أحمر وإيقاع النشيد أحمر وطعم تفاحة آدم أحمر.... تحول كأس الدم عند بعضهم كأس نبيذ لاستكمال سهرة على نخب ’’الثورة’’ ..
كل شيء جائز
بين ليلة وضحاها يصير الهواء الفاسد بدوره ثوريا ويطلع علينا باعة روبافيكيا الكلام القديم بموديلادت حديثة من الصيغ المطرزة باستعارات وبلاغات وفق مصطلحات ثورية مشدودة إلى ربطات عنق تجهِّز القصيدة لاعتلاء مقصلة الإعدام الجمالي..؛ تتعملق ظلال المرابين القدامى تحت الأضواء الكاشفة تُبرز مؤخراتهم اللغوية وقد نال السوس من قماشهم الأبجدي المتآكل ؛ وهم يعدون من قدِّيد الكلام وليمة لأعراس معدة سلفا بطبال وزكرة ومشتقات عبارات الشكر والحمد والتصفيق الجار بحذف المجرور و استبعاد من لا يُجيد الضرب على الدفوف وأقصاء من تيقَّن إن الهامش هو الأصل مهما بلغت الثورة قممها واقتلعت جذورها لتنقلب عليها ..
فكرة الاقصاء أصيلة عند الفرد وهو يعيش بين المجموعة على اعتبار إن البطولة شأن شخصي لابد ان تدفع فواتيره المجموعةالعامة اما الاحتفال ب’’ الثورة ’’ فهو لا يخصُّ إلا من اعتاد أن يخرج للعموم ببزة رسمية وقصيدة رسمية وموسيقى منضبطة لقواعد السلم الموسيقي ومتعهد حفلات معترف به حكوميا لإقامة الحفلات الثورية ..
هل هي ثقافة ما ’’بعد الثورة ’’؛أم ’’ثقافة ما بعد 14 جانفي’’ أم ’’سياسة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث النوفمبري والبورقيبي’’ أم هي ثقافة «التيك أواى»، واللهاث وراء الموضة الثورية وما تستدعيه من عمليت السطو بما في ذلك السطو على حمار سانشو بانشو .
يؤكد إدوارد سعيد إن المثقف يتحول إلى خائن حين يتخلى عن دوره كناقد لذاته وللمرحلة التي يعايشها ويهرع إلى تمجيد المرحلة دونما تفحص أومقاربة نقدية خالية من الذاتوية والانطباعية ؛ يسقط في فخ اللحظة وما قد تتسم من مظاهر التجاوز التي بدورها قد تنعكس على شخصية هذا المثقف ويعتقد انه وصل الى مرحلة الألوهة.. ليس الأمر معقدا إلى هذه الدرجة ؛ ثمّت من يجلس على كرسي في السماء الثامنة ويرى انه كان الهة منسية و جاء دوره يتخلى عن دوره لينفذ شريعته ويبعث رسله فالسفينة قد ’’ استوت على الجودي ’’ ..آلهة قديمة أنجبت وفقا لترتيب جيني مشوه آلهات لم تجد ما تفعله سوى استعادة دور الضحية باستمناء مستمر لكرامات أولياء خرجوا حفاة عراة بعد انتهاء صلوحية موتهم السريري ..
هو تبادل للأدوار إذا وجني محاصيل الفوائض السنوية من سنوات إيداع الكلام في مصارف المكر السياسي وكل حسب قيمة تداول اسمه في بورصة المعارضة.. ليتكرر المشهد مجددا لكن من جهة كانت غائبة عن الأضواء وإذا المحنة اكبر من هروب ديكتاتور ولكنها بنا نرجسية سيكوباثية و سكيزوفرانية ثقافية هو إذا تغيير المواقع ومن كان هناك أصبح هنا وحتى من كان هنا اصبح هنا يكفي ان يغير من اللوك الذي دأب الظهور به ليتحول وبعصا سحرية من حاكم إلى اكبر ثوري...
..فرَّ الكلب وحلت الضباع تنهش من جسد الهواء
كل شيء جاهز للتبدل والانقلاب على كل شيء هو زمن الكراسي الفارغة وزمن الغنائم التي تركها الفارون وهو وقت للصعود إلى الأعلى وزمن قبض المنح على سنوات الحبس وسنوات النفي وهو زمن التسابق لفتح خزانات الفار ..زمن للنهب ..النهب السياسي و العاطفي وزمن النهب الثقافي وهو أخطر أنواع النهب بما يعمل على ترسيخه من لغة الوصاية على كل ما هو إبداع واختزال الحلم وامتلاك الأحقية في كل شيء بما في ذلك كتابة رواية أو إعداد مسرحية أو .. ترتيب لقاء بين عاشقين في قصيدة واستكمال مشروع التصحر الثقافي وتجفيف منابع المعرفة وتأكيد مبدأ بطولة الشاعر الأوجد وزعامة الممثل الأقدر ورئاسة الفنان ألاوسع انتشارا على أ، يصادفوا على أن الغايات الكبرى من الثقافة هو في جانب منه التر فيه وفي جانب أخر توفير المنح للظواهر الاجتماعية التي تجيد لعب دور الضحية في كل وقت
سوف يتم تكليف بعضهم لإدارة الشؤون الثقافية المؤقتة للبلاد والسهر على تصديرها للخارج و يتمُّ تنصيب ناس على أنهم شعراء الثورة ويتم تعيين آخرين على أنهم فنانوا الثورة ؛ فما حدث في الحقيقة هو مجرد تبادل أدوار بشكل رسمي تبادل مواقع بين من كان قريبا من هنا وبين من كان هناك ليأخذ كل واحد حظه وينال من غنائم بن خيبر وبني قينقاع حتى ولو لم يؤمن ولكل واحد الحق في خراج ثروة الثورة لكأن الفن الثوري برز بعد 14 جانفي فقط وكأن كل الشعر الذي قال قبل هذا التاريخ لم يكن معنيا بشكل من الإشكال بكفاح الشعوب ومسيرة النضالات مهما كانت ؟ فجأة هكذا وبجرة قلم يصبح من كان مداحا ثوريا ويتحول من غنى للحاكم المخلوع تقدميا ويصبح من كان مقاولا لنشر الأعمال الممجدة للنظام الديكتاتوري ناشرا مناضلا ؛ يطبع كتبا أقل ما يقال عنها كلام مؤقت يؤبّد جكومة مؤقتة هي بدورها تؤبد نظاما لايريد له أهل السياسة ان ينحلَّ ..هكذا سوف يعمل أهل الثقافة على إجهاض مطالب الشعوب .. وهو أمر جائز طالما انه وأثناء سقوط الضحايا برصاص الطاغية كان هؤلاء أشبه المثقفين ؛ الوندال الجدد كانوا يراقبون سير الأمور من شرفاتهم او من خلال استعاراتهم التي لم تنطل على احد عدا طبعا من يسوؤهم انتصار الشهيد .. هؤلاء أين كانوا ؟ ربما يكتبون ويؤلفون قصائد وفق جميع القياسات
مرة قال ابو القاسم الشابي
يئست من المشاريع التونسية
وهو على حق دائما
عبد الوهاب الملوح
صيف قفصة 2011
التعليقات (0)