إلى حين كتابة هذه الأسطر، لم يتبين بعد طبيعة الأحزاب المكونة لتحالف الحكومة المغربية الجديدة، السيد بنكيران كان يأمل أن توافق أحزاب الكتلة الثلاث الدخول في حكومته الجديدة، و هو ما عبر عنه كثيرا، و آخرذلك حديثه في لقاءه مع القناة الأولى المغربية عن انطباعه الجيد حول لقاءته مع رؤساء الأحزاب الثلاث (الإستقلال الحائز على المرتبة الثانية و الإتحاد الإشتراكي و كذا حزب التقدم الإشتراكي اليساريان) أو أحزاب يمينية أخرى قد توافق على المشاركة كحزبي الحركة الشعبية و الإتحاد الدستوري.
بنكيران حرص على إرسال إشارات ترحيبية و إيجابية اتجاه الحزبين الإشتراكيين بحكم اختلاف الإيدولوجية و الصراعات التي كانت تنشب بين الفترة و الأخرى بين المكونين، أو توجسه من إمكانية اصطفاف الحزبين اليساريين في جانب المعارضة، توجس مرده تصريحات قياديين و مناضلي الحزبين بعدم التحالف مع الإسلاميين و الرجوع إلى المعارضة و التصالح مع الشارع...
ما تأكد إلى الآن و هو المفاجأة التي ستكون لها تبعات على تشكيل الحكومة و صياغة التحالفات و على أيضا مسيرة ما يسمى بالكتلة، فسعادة بنكيران التي عبر عنها إن قبل حزب الإتحاد الإشتراكي بالمشاركة في الحكومة لم تتم، المجلس الوطني للحزب والذي انعقد يومه الأحد صوت ضد المشاركة و الإلتحاق بالمعارضة، فحسب بلاغ صدر عقب نهاية اجتماع المجلس الوطني برر الإشتراكيون قرار عدم المشاركة في الحكومة والتموقع في المعارضة بكونه ضرورة سياسية لتقدم الديموقراطية المغربية على قاعدة الفرز الواضح للتشكيلات السياسية.
إلى حد الساعة يحمل بنكيران موافقة حزبين الإستقلال و التقدم و الإشتراكية، و على هذا الأساس، يمكن التخمين بأنه سيتجه نحو حزبي الحركة أو الدستوري لقبول المشاركة، أمر سيجعل الخلطة الحكومية غير متجانسة كما هي المعارضة، فرصة هي أيضا لحزبي الدولة كما يعرفان وصفا لوضع شروط لماهية المشاركة.
قراءة سريعة للمشهد السياسي الذ قد تفرزه توافقات بنكيران، تفضي بإن إكراهات تشكيل الحكومة قد تعرقل مسيرتها و قد لا تلقى شعبية كاملة، فأحزاب ظلت لعقود موردا لحكومات متعاقبة فاشلة و فاسدة لن تفرز وزراء كما يريد بنكيران، حين صرح بأنه يتمنى أن تقدم له الأحزاب المشاركة أحسن ماعندها.
إتجاه الإتحاد الإشتراكي نحوالمعارضة سيقوي جانبها نسبيا و بالتالي ستكون أمام الحكومة كتل نيابية قوية ستمنح القوة التشريعية نوعا من المصداقية ألا وهي مراقبة العمل الحكومي و تتبعه، فالمعهود و عقب حكومات التناوب في العقد الماضي هو ضعف المعارضة البرلمانية مقابل حكومة أغلبية شاملة...و لعل هذا ما يريده النظام الملكي، حكومة قوية متماسكة مقابل معارضة قوية متماسكة، و كلمة التماسك هنا ستفضي إلى شرخ يصيب تحالفات ما قبل الإنتخابات و ولادة تحالفات جديدة، تحالفت تجمعها المصلحة لا الإيديولوجية كما في السابق، إسلاميين و يسار في حكومة و يسار و يمينيون و ليبراليون و مخزنيون بلا لون سياسي في معارضة......
بالنسبة للعدالة و التنمية، ستواجه حكومة الإسلاميين ملفات كبيرة، قد لا تنجح كليا في حلها كما أنها لن تفي ببرنامجها الإنتخابي ، وهذا ما حاول السيد بنكيران إرساله حين قل أن برنامج الحكومة قد يتغير بانضمام أحزاب أخرى لها برامج مغايرة، و ليس هذا هو السبب طبعا، فالخطاب الدعائي للحزب و لأي حزب آخر لا يعني تطبيقه في أرض الواقع، أولويات الحكومة هي كسب ثقة الشارع المغربي بتحسين الوضع الإقتصادي و محاربة الفساد و ترشيد النفقات، و معركة الحزب هي في كسب رهان الثقة لضمان فوز آخر في انتخابات تشريعية قادمة و بأغلبية مريحة، كما أن الحزب أمامه معركة طمئنة القصر و الغرب أيضا بأن العدالة حزب إسلامي معتدل سيضمن الحريات الفردية والمصالح الغربية و أنه حريص على مدنية الدولة والطابع الحداثي لها، ما يفسر حديث بنكيران على أن الأولوية هي لملفات الإقتصاد و محاربة الفساد وأن لا دخل له في حرية الفرد إلى ماهنالك من رسائل وجهها في حديثه للإعلام و خاصة في ما يتعلق بملف المرأة......
باختصار، العدالة كسبت رهان الإنتخابات و الفوزبرئاسة الحكومة، و هي الآن أمام رهان العمل الحكومي و إدارة الشأن العام وما يحمله من ملفات كبيرة و عويصة، و كما فاز بنكيران فازت الدولة إلى حد ما معركتها ضد حركة 20 فبراير و فاعليات أخرى بنسبة مشاركة جاوزت نسبة المشاركة في انتخابات 2007، غير أن سحاب التشكيل و فوزالعداليين التي ألهت الشارع المغربي ستنجلي و قد يعود الحراك الشعبي الذي تقوده حركة 20 فبراير و جماعات سياسية وبزخم أكبر في حالة تعثر الحكومة أو فشلت و ظلت دار لقمان المغرب على حالها.
التعليقات (0)