كتبت في احدى تدويناتي السابقة على أيلاف موضوعا بعنوان " صانعو الدكتاتوريات " . بينت فيه بأننا كشعوب عربية وأسلامية صناع دكتاتوريات من الدرجة الأولى . حيث لازال الكثير منا يعتبر مغتصبي الحكم قديما وحديثا أمراء للمؤمنين لايردون في أحكامهم . يأمرون فيطاعون ويورثون سلطاتهم الدينية والزمنية لأبنائهم كحق اصيل لهؤلاء القادة وعشائرهم بأعتبارهم ضرورات تأريخية لايصلح حال المسلمين من دونهم .
ألا أن هذا لم يمنع من ظهور معارضين وثوار ضد هؤلاء المغتصبين للسلطة قديما وحديثا . ومنهم من أسس أحزابا لمعارضة هذه الدكتاتوريات , ولوقف ثقافة القائد الضرورة المبنية على أسس واهية ما أنزل الله بها من سلطان .لكن ما يدهش حقا أن الكثير من هذه الأحزاب والحركات المعارضة للدكتاتورية على اختلاف توجهاتها , تحولت هي أيضا بقدرة قادر الى دكتاتوريات جديدة .
فبعد عملية التحديث ونشوء الدول المستقلة اللتي أعقبت الثورة العربية على الخلافة العثمانية . عادت الكثير من الدول المستقلة حديثا الى النظام الملكي الشبيه بالأنظمة الأموية والعباسية والعثمانية الى حد بعيد , وعادت الشعوب العربية الجديدة لأعتبار ملوكها أمراء للمؤمنين . لهم كافة الصلاحيات للتصرف بمقدراتها ومصائرها دون أن يكون لها دورا أكثر من الشورى غير الملزمة . وحتى الأحزاب اليسارية واليمينية اللتي قامت بعدة ثورات على هذه الممالك فيما بعد لأنشاء جمهوريات حديثة . تحولت رويدا رويدا الى ما بات يطلق عليه اليوم (بأنظمة الجمهوريات الملكية) , حيث أصبح كل رئيس جمهورية ضرورة , يعد أبنه لخلافته بأعتباره ضرورة أيضا . فالضرورة لابد أن يخلف ضرورة . وكل ذلك على مرأى ومسمع من الشعوب اللتي تبدوا وكأنها غير مكترثة بهذا الموضوع الخطير . وحتى وأن أكترثت فهي لا تفعل أكثر من الجلوس مولولة باكية شاكية دون أي حركة . وبعضها من يجلس منتظرا الفرج من الخارج اللذي أثبتت الأحداث بأنه حليفا طبيعيا لهذه الأنظمة الوراثية .
أحد أكثر هذه الأنظمة دكتاتورية كان نظام صدام . وشأنه كشأن باقي الممالك وجمهوريات العرب الملكية كان صدام يعد ولديه عدي وقصي لوراثته في حكم العراق . حيث كان قصي صدام الرجل الأقوى بعد أبيه في العراق لحظة سقوط النظام الصدامي في 2003 . وكان من المفروض أن تكون أحزاب المعارضة العراقية اللتي أكتوت بنار أحد أعتى الدكتاتوريات في العالم , من أكثر أحزاب المعارضة العربية ديموقراطيةً . خاصة وأنها جربت ويلات الدكتاتورية وعرفت مساوئها وآثارها المدمرة على أي مجتمع , فأذا بنا نفاجأ بأحزاب معارضة دكتاتورية , تحولت اليوم الى أحزاب سلطة في العراق . والمصيبة أنها اتت الى السلطة عن طريق الأقتراع الشعبي المباشر .مما يبرهن على ما ذهبت اليه في مقالي السابق من أننا كشعوب عربية لازلنا صناع دكتاتوريات بأمتياز .
بعد أن قام بدفن أبيه في مدينة النجف , قام السيد عمار الحكيم بقرآءة وصيته أمام الجموع المشيعة وكاميرات التلفزة . جاء فيها.
" قال الفقيد في وصيته "ان السيد عمار الحكيم وصيي بعد مماتي"، لانه من الثقاة العدول وله القدرة عل التصدي المفيد والناجح في المجالات الدينية والسياسية والاجتماعية .
ويعقب أحد الكتاب في موقع براثا التابع للمجلس الأعلى بأن السيد عبد العزيز الحكيم ." قد اتخذ القرار الصائب والصحيح، للحفاظ على سلامة مسيرة تيار شهيد المحراب، ومواصلة سيرها وتقدمها الى الامام لاداء رسالة ذلك التيار، صاحب التأريخ المشرف والتضحيات الجسام من اجل العراق والعراقيين على مدى ثلاثة عقود من الزمن ".
وبذلك أقرت كوادر المجلس الأعلى وقاعدته الشعبية بأن عمار الحكيم هو ضرورة تأريخية بعد أبيه اللذي أوصى بأعتباره كذلك . مثلما كان والده نفسه قائد ضرورة جاء بعد أغتيال أخيه القائد الضرورة باقر الحكيم .
لايزال الساسة في العراق الديموقراطي الجديد يرأسون أحزابهم منذ عقود دون أن يتغيروا بأنتخابات داخلية ألا ما ندر. ولا زالوا يورثون قيادتهم ومناصبهم لأخوتهم وأبنائهم دون معارضة تذكر من أبناء شعبنا العراقي , فعبد العزيز الحكيم ورث باقر الحكيم , وعمار الحكيم يرث عبد العزيز الحكيم , ومسعود برزاني ورث ملا مصطفى برزاني , وها هو نجيرفان برزاني يبدأ بوراثة مسعود برزاني . ومقتدى الصدر ورث محمد باقر الصدر . وصفية السهيل ورثت طالب السهيل . ومثنى الضاري سيرث حارث الضاري . ولو نظرنا الى جميع الأحزاب العراقية الحالية سنجد أن نصف كوادرها المتقدمة هم من أقارب زعيم الحزب ومعاونيه , حتى أصبحت هذه الأحزاب أحزابا ملكية أسوة بالجمهوريات الملكية . وكل هذا يحدث ونحن في العراق اللذي يعتبر أكثر الدول العربية ديموقراطية . فما بالك بباقي الدول العربية . ولولا بعض المثقفين العراقيين اللذين يعبرون عن أمتعاظهم من هذه الظاهرة لما وجدنا أحدا ينقد ظاهرة الأحزاب الملكية هذه , مما يثبت مقولة أن الشعوب العربية هي من تصنع الدكتاتوريات وليس العكس .
الديموقراطية ليست فطرا بلا جذر يخرج فجأة من شقوق الأرض بعد عاصفة رعدية. الديموقراطية شجرة معمرة وارفة الأغصان والأوراق تنتج من نبتة صغيرة زرعت قديما ويتعاقب على ريها وتسميدها ومداراتها اجيال من المزارعين حتى تبلغ عنان السماء . فأذا لم نبدأ من الآن بري ومداراة نبتة ديموقراطيتنا الصغيرة والمحافظة عليها بكل طاقتنا , فستتحول بالتاكيد الى حطب بعد فترة من الزمن . وهذا ما يجب علينا كوطنيين عراقيين أن نخشاه ونمنعه .
ترى لو أن أحدا من زعماء أحزابنا هؤلاء أستطاع في غفلة من التاريخ أن يسيطر على قوات الجيش والشرطة ويضمن ولائها له , فهل سيظل يتكلم ليل نهار عن الديموقراطية والشفافية والمصالحة الوطنية كما يفعل الآن ؟؟؟ .
raimutawathe.elaphblog.com/posts.aspx
التعليقات (0)