إعلان في جريدة:
شركة كبرى في مجال المجوهرات تطلب سكرتيرة لمديرها العام، الشروط: إتقان اللغة الإنكليزية، الأفضلية للمترجمين.
وقاحة عالم المال والأعمال!
تحدت السهر وسهرت الليالي، تحدت التعب تعبت وصبرت، تخرجت وفي البال موال، إما وظيفة في الترجمة في إحدى كبرى الشركات أو المنظمات الدولية، وظيفة فيها الجاه والمال والمكافأة بعد التعب…. أو إنجاز كبير، ترجمة كتب الأدب والفلسفة، المال قليل، هذا صحيح، ولكن الإنجاز كبير لمحبي رفعة العلم والثقافة.
تخرجت ولم تجد الوظيفة…وقعت أسيرة المجتمع، المحظوظون من زملائها بوظائفهم يتوقعون منها أن تلحق الركاب يشمتون بها خاصة إذا كانت قد تغلبت عليهم في أدائها الجامعي، الأقل حظا ممن لم يلتحقوا بالجامعات من أقارب وأصحاب وجيران يترقبون أخيرا سينتقمون….
لقد تخرجت، "اللي ولد علق… واللي تخرّج؟…. منقول تيتّم"
تخرجت….
استقطبها مجال الإعلام، مكتوب مرئي ومسموع، فيه البحوث والتحرير والتدقيق، كلها أمور تدربت عليها فكان دخولها هذا الجمال محمودا ميمونا للجهتين.
سمعة طيبة….
طمع بها مجال العلاقات العامة- ثقافة واسعة، قدرة على التحليل، حسن التعامل- اللغة ثقافة للروح. نجحت أيضا في هذا المجال…..
فطمع وفوضى…
عالم المال لا يرحم ذئب يتربص بالنجاح وبمن نجح لينهشه، تربص بها لم يرحم.
شركات "كبرى" اليوم علنا وبالحرف الواحد تطلب في إعلاناتها "مترجمين" سكرتيرات لمدرائها… نعم "المترجمين" علامة فارقة للشركات الكبرى، مال كثير تأتي هذه الشركات بالمترجم بثقافته وعلمه ليجيب على الهاتف ويرتب المواعيد وليصيغ كتابا أو اثنين … نعم عالم المال لا يرحم والفقر لا يرحم. أولئك بوقاحة يجهرون عرضهم وأولئك بانكسار يقبلون.. طار الحلم لا إنجاز ولا رفعة ولا تعب حتى…فقط مرتب دسم في نهاية الشهر.
حال المترجمين حالة، هي أيضا حال المحامي والصحفي وعلماء النفس والكيمياء والفيزياء، هي حال سوق العمل اليوم بفوضاه الثقيلة على النفس. سوق العمل الذي خلق فئة جديدة من المهمشين، ضحايا الفوضى في ملء فرص العمل.
هل هي رحمة أم نقمة، أن نجد عملا ومالا، ولكن من دون تحدي أو فرصة تطوير النفس والمهارات؟ الأصعب أن يجد المترجم بعد دخول عالم المال وظيفة في اخصاصه فيها العودة إلى الجذور والارتقاء بالنفس والعمل المحمود، ولكن من هو ذا الذي يقبل، من يختار طريق الفقر بعد أن اختاره طريق المال. من يترجم ولمن، أي كتب تنشر دور النشر ولمن تنشر ومعدل القراءة في العالم العربي حسب المؤشرات هو نصف صفحة للفرد في العام… مقابل أحد عشر كتابا في الغرب….
هذا مصير المتعلم، هذه حكايتنا، هذا هو مجتمعنا…
التعليقات (0)