خليل الفزيع
يطل على المشهد الأدبي القطري عبر عشرة كتّاب
كتب ـ محمد هديب
«في دائرة الإبداع الثقافي»، عنوان جديد يضيف إلى الساحة الإبداعية كتابة تقرأ المشهد الثقافي المحلي بقلم خليل إبراهيم الفزيع، في إصدار خاص صدرت طبعته الأولى مؤخرا، ويقرأ المؤلف في متنه تجارب عشرة كتاب وكاتبات من قطر، تتوزع مجالات إبداعهم بين القصة والشعر على نحو خاص، ومجالات أخرى مثل النقد والبحث والكتابة الصحفية.
وفي تصدير الكتاب قدم الفزيع عرضا سريعا للحراك الإبداعي قال فيه: «نمت الحركة الثقافية المعاصرة في قطر نموا سريعا، وحققت انجازات كبيرة في مجالاتها المختلفة، ومما ساعد على ذلك إصرار الموهوبين من أبناء قطر على دعم التنمية الثقافية، ومشاركة بعض المثقفين العرب البارزين في وضع أسس هذه الحركة الثقافية، إلى جانب اهتمام الدولة بهذا الجانب الهام من النشاط الإنساني، وكانت البعثات الخارجية إلى عواصم العالم العربي والغربي قد أسهمت ـ اثر عودتها ـ بدور أساس في دعم وتنمية هذه الثقافة، وتقويم مسارها لتساير ما هو قائم في البلدان العربية الأخرى ذات الاهتمام المبكر بالشأن الثقافي باعتباره من أهم ملامح التنمية الشاملة، والمعبر عما وصلت إليه الشعوب من تقدم وازدهار، في مختلف المجالات».
مسرحية «الفجر الآتي» كانت أول ما تطرق إليه الكاتب وهي من تأليف الشاعر الشيخ مبارك بن سيف آل ثاني، الذي صدر ديوانه الأول عام 1971، وهي فترة مبكرة نسبيا في تاريخ الأدب القطري الحديث، واعتبر الكاتب «الفجر الآتي» ريادية وتكشف تمكن الشاعر وقدرته على الإبداع الشعري والعناية الكبيرة بالتاريخ الإسلامي خاصة في الفترة الممتدة بامتداد زمن المسرحية أي الفترة التي رافقت بدايات ظهور الإسلام حين لاقى المسلمون من المصائب والأهوال ما لا طاقة لأحد على احتماله.
كما تطرق الكاتب إلى ريادة أخرى حققها الشاعر مبارك بن سيف آل ثاني وهي الشعر الملحمي عندما أصدر «أنشودة الخليج» وهي تجربة لم يسبق لأحد من شعراء قطر أن خاضها.
ذاكرة بلا أبواب
يعلل الكاتب قلة إنتاج الشاعر محمد بن خليفة العطية أو قلة ما ينشره إلى سيادة الشعر الرديء الذي يجد من يسانده فيقبل عليه قراء فسدت ذائقتهم الشعرية وفقدوا حس التلقي السليم، وما تزخر به الساحة ـ يضيف ـ من منثور الكلام أو منظومه المحسوب على الشعر بما يدل على الهوان الذي وصلت إليه القصيدة.
ويأخذ الفزيع ديوان «ذاكرة بلا أبواب» نموذجا قائلا أنه يضع المتلقي أمام خيارات الولوج إلى عالم الشعر الجميل. ويعتبر الكاتب أن العنوان بوصفه مفتاح الديوان يحمل دلالة لا تغيب عن فطنة المتلقي، «فالذاكرة عندما تصبح بلا أبواب فما ذلك سوى انطلاقة حرة في آفاق الماضي الذي ينعش الحاضر ويؤسس للمستقبل بتلك الشاعرية التي لا تعرف أدلجة المشاعر أو تأطيرها في نطاق يضيق عليها الخناق».
أما قصائد الديوان الـ 39، فإنها تقدم ـ كما يرى ـ أجواء مختلفة النكهة والطقوس، متنوعة الإيحاءات والبواعث، وأن القارئ سيكتشف أن ثمة خيطا يجمعها في منظومة لا تخطئها المشاعر، التي ستندفع حتما وراء إغراء هذا البوح الذاتي، وذلك هو الصدق الفني بما يعنيه من إبداع وشاعرية، ومن ثم ينطلق الشاعر إلى تفجير الوعي بالهم الإنساني الأشمل.
بين الكتابة الصحفية والفن السردي
يطالع الكاتب تجربة الدكتورة كلثم جبر لكن ليس في القصة التي تعتبر واحدة من رائداتها في قطر والخليج، ولا القوة الشعرية الدافقة سواء فيما كتبته وبقي محدودا أو الذي تسرب عبر قصصها.
ومع انشغالها في التدريس الأكاديمي بجامعة قطر «لم يعد إبداعها القصصي متواصلا مع المتلقي كما هو في سابق عهدها بالكتابة»، أما وقد عرفنا بعد ذلك كتابتها الصحفية من خلال زاويتها «فيض الخاطر» في جريدة الراية، فإن ذلك هو المدار الذي اختاره الكاتب ليرى خلاله أن كلثم جبر تنطلق على سجيتها في كتابتها الصحفية حيث تطرح الكثير من المشكلات الاجتماعية والثقافية والفنية.
وقدم الفزيع إسهامات الكاتبة في هذا السياق مثل كتاب «أوراق ثقافية»، الذي يتناول قضايا حول المبدع والانتماء، وعدوانية الحوار، الشعر العربي المعاصر، والتفكير الإبداعي والثقافة العربية والعولمة، وجمالية النص، وسوى ذلك من المقالات المنشورة سابقا والتي اجتمعت بين دفتي الكتاب تسهيلا لتحصيل الفائدة في التعرف على نظرة الكاتبة ونقاشاتها للمفاهيم وقراءة الحال الثقافي وإفرازاتها. والكتاب الصادر عن وزارة الثقافة 2003، يشكل البداية التي ينطلق منها الفزيع للعودة إلى الوراء 30 عاما أي إلى صدور المجموعة المبكرة «أنت وغابة الصمت والتردد»، عام 1978، مرورا بـ «إيقاعات للزمن الآتي» عام 1999 بالمشاركة مع الكاتب، و«وجع امرأة عربية» عام 1993، وهي المجموعة التي حظيت باهتمام كبير من قبل النقاد وفي مقدمتهم رجاء النقاش الذي قال إنها تعبر عن حنين دافئ للانتماء، وإن ليس فيها نهائيا لا حل له ولا حيلة فيها ولكنه اغتراب البحث عن شاطئ ومرفأ وأرض من السلام والتفاهم الإنساني، والعواطف الصادقة، والتفكير القائم على أسس صحيحة».
روح قلقة وحالمة في سحائب الروح
العطش رابط بين عنواني «سحائب الروح» و«مزن»، وهما الإصداران اللذان قدمهما الشاعر سنان المسلماني، ليكتسيا حسب قراءة الفزيع دلالات أبعد مما يدلل عليه عامة الناس.
وقد تفرغ الكاتب إلى قراءة «سحائب الروح» وقال فيها: إنها نصوص جميلة تحمل شفافية الروح، وشفافية التعبير وشفافية الموضوع، لتكتمل الصورة في لوحة مرسومة بالكلمات.
ويجيد الكاتب التقاط ما ينتظم سحائب الروح، حيث يصفها «الروح الطموحة والقلقة والحالمة التي يقدمها المسلماني بأكثر من شكل، أحيانا النثري، وأحيانا التوزيع الشعري الذي تظهر به قصيدة التفعيلة لكنها في الأساس لا تملك مبررات هذا الاختلاف في هذا الشكل أو ذاك، اللهم إن كان ذلك من باب التنويع جلبا للراحة لعيون القراء التي يرهقها التعود على رتابة الصفحات المملوءة بالكتابة».
ويستحضر الكاتب نصا عن الليل مثالا على النصوص التي تحمل في داخلها نواة يمكن أن تستقل بذاتها لتنشطر داخل غلافها مكونة لوحة متناغمة ذات إيحاءات متنوعة، يقول نص الليل: الليل طويل ومتعب كمفازة، وهذا القنديل العابث ما مل قفزاته ولا عثراته فوق جسد الظلمة.
«مدى».. والترجمات المتعددة
يصفها بأنها من أنشط الشاعرات الخليجيات إنتاجا وأكثرهن حضورا ومتابعة لحركة التجديد.
واتخذ خليل الفزيع ديوان «مدى» الذي ترجم إلى الانجليزية والفرنسية والأسبانية والتركية واليونانية والهندية، دفعة واحدة في كتاب واحد ضمن ما يعرف بالمختارات الشعرية.
ويقول في هذا السياق: في ظل محدودية الطبع وصعوبات التوزيع تبرز علامات استفهام عن الهدف من تعدد اللغات في كتاب لا تزيد صفحاته على 168 صفحة.
ويقرأ قصائد المختارات معتبرا أن عنوان قصيدة «أغنية الشوق» ينطبق على معظم ما كتبته الشاعرة حيث ينتظم شعرها هاجس الشوق، وهو هاجس يقض مضجع المرأة، كما يقض مضجع الرجل، ولكن المرأة بعاطفتها الرقيقة ومشاعرها المسفوكة على مذبح الحرمان هي الأكثر إحساسا بهذا الشوق، والأعمق تعبيرا عن لواعجه وأحاسيسه، بل إن الشاعرة بدأت منذ ديوانها الأول تتهجد «في معبد الأشواق» بقصائد توزعت بين دواوينها.
وكأن الأشياء لم تكن
السمة الأساسية التي يخلعها الكاتب على كتابات جاسم صفر هي النفس الوجداني، والمعالجات الاجتماعية، فيقول « يتسم أسلوبه بالشفافية سواء في بوحه الذاتي أو في طرحه لهموم المجتمع والوطن والأمة، وهو يرسم لوحاته بلغة شاعرية جلية لا تلتبس فيها المعاني أو تختفي وراء الضبابية والغموض، وأسلوبه السهل الممتنع يتيح له العبور إلى المتلقي بسهولة في تعبيره عما يختلج في النفس من مشاعر وأحاسيس». وبعد تقديم سيرة ذاتية للكاتب يذهب الفزيع إلى موضوعه الرئيسي المتمثل في 420 صفحة جمعت إلى بعضها تحت عنوان «كأن شيئا لم يكن»، وهي جملة النصوص التي لم تفارق الوصف الأول للكاتب حيث العنوان الأول هو الوجدانية الموغلة في ذاتيتها، المعبرة في جميع النصوص عن الأمل واليأس والحزن والفرح والحضور والغياب.
بين مكحلة الأنثى وأباطيل الحياة
اعتبر خليل الفزيع ظهور الكاتبة هدى النعيمي عام 97 وأعني الظهور من خلال كتاب مفاجئا للقارئ، حيث اختارت النعيمي أن تخرج بكتاباتها بعد اشتداد عودها، فكانت المجموعة القصصية الأولى «المكحلة»، وتلتها في 1998 «الأنثى»، ثم «أباطيل» في عام 2001.
ويقول الكاتب «رغم أن المكحلة باكورة إنتاج الكاتبة إلا أنها تحمل من التقنية العالية في المعالجة القصصية ما يثبت التمكن والدراية التامة بأسرار الكتابة القصصية مما لا يتيسر لكل من أراد، ما لم يملك من الموهبة والثقافة الشيء الكثير».
ومستعرضا العديد من الشهادات حول تجربة القاصة هدى النعيمي يدعو الكاتب إلى التعرف أكثر على مناخاتها الفكرية حيث قصصها مفعمة بهذه المناخات وبما يدفع للاطلاع على آفاقها المعرفية بالسلوك الإنساني وما يمكن أن توحي به من ملامح توضح الكثير من خفايا الحياة.
حسن رشيد.. جوانب من إبداعاته
لا يرتئي خليل الفزيع الحديث عن حسن رشيد من خلال صيغة تعميمية، فهذا في رأيه لن يحقق المطلوب من حيث أن رشيد يمتلك عبر أربعة عقود ما يلزم تسليط الضوء عليه قاصا ومسرحيا وناقدا، ففي القصة القصيرة رأى الكاتب أن حسن رشيد واحد ممن اخلصوا لكتابة القصة فكان تعاطيه معها جادا فتطورت عبر مراحل حياته وهو تطور شمل الأسلوب وتقنية الكتابة والتجريب الذي قاده إلى القصص القصيرة جدا.
وفي المسرح قال الفزيع أن رشيد من الذين أسهموا بجهد وافر في دعمه وتطويره منذ بداياته عام 1972، عندما تأسست أول فرقة مسرحية تحت اسم «فرقة المسرح القطري».
ومن المعروف أن حسن رشيد ربما الأكثر إسهاما محليا في حقل الدراسات المسرحية.
أما النقد الأدبي فيرصد الكاتب انه في قطر كان نقدا انطباعيا إلى أن قدر لنخبة من المهتمين تطوير هذا الاهتمام بالاتجاه إلى المنحى الأكاديمي للتخصص في النقد الأدبي، ويشير إلى حسن رشيد بوصفه واحدا من الذين قدموا إسهاما نقديا رفيعا مشتملا على نظرة واعية وعميقة ومسؤولة.
بين الرحيل والميلاد
بدأ خليل الفزيع حديثه عن القاص جمال فايز باعتباره واحدا من الجيل الثاني ويضيف «أن المتابعين لإبداعات جمال فايز يلمسون تألقه في الفن القصصي منذ صدور مجموعته الأولى «سارة والجراد»، عام 1991، وعند الحديث عنه نقف أمام موهبة أثبتت وجودها على الساحة العربية بجدارة واقتدار لا يمكن التشكيك فيها». ويرى الكاتب أن هاجس الانتماء محور هام في قصص جمال فايز وهو انتماء لا تفرضه الحاجة بل يفرضه الولاء والحرص على المعاني الجميلة التي تعنيها عوامل هذا الانتماء.
الشعر الشعبي في الخليج
يخصص خليل الفزيع الجزء الأخير من كتابه لقراءة كتاب «الشعر الشعبي والاتصال الإنساني في الخليج: محمد الفيحاني نموذجا»، لمؤلفه الدكتور ربيعة صباح الكواري، وهو الكتاب الذي ينظر إليه الكاتب بوصفه إضافة جادة إلى المكتبة العربية أضاءت هذا الجانب من وسائل الاتصال الإنساني كما أضاءت جوانب من حياة الشاعر محمد الفيحاني.
وبحكم تخصص الكواري في الاتصال الجماهيري فإن كتابه عن الفيحاني أتى نموذجا حيث شغل الشاعر الوسط الشعبي في الخليج العربي بأشعاره وحياته وقصة حبه التي أشعلت لديه كوامن الموهبة.
واستعرض الكاتب محتويات كتاب الفيحاني مؤكدا في نهاية المطاف أن الكتابة عن الشعر الشعبي تحتاج إلى مثل هذا البحث الجاد الذي قام به الكواري عن الشعراء الشعبيين حيث تغلب على معظم ما يكتب عنهم السرعة وعدم الدقة.
(جريدة الوطن القطرية الجمعة 9/1/2009)
التعليقات (0)