مواضيع اليوم

خليل الفزيع في رحلته مع الدب والصحافة

nasser damaj

2009-04-27 22:51:45

0

خليل الفزيع في رحلته مع الأدب والصحافة

إعداد: مبارك إبراهيم بوبشيت
الأستاذ خليل إبراهيم الفزيع، قامة أحسائية عملاقة، تشكل الآن مظلة مهمة في واحة الثقافة الأحسائية، فما أن نمت واشتد عودها وصافحت أغصانها أشعة شمس الأدب، حتى بدأت تعطي أكلها يانعة في (المقالة والقصة) ثم في الشعر، فاستقبلها قراء تلك الفترة بشغف وخاصة من الشباب.
نعم لقد هدهدت تلك القصص آمالنا آنذاك، وحاولت مقالاته احتضان جراحنا بآلامها وتضميدها، ولم تكتف هذه الشخصية الكريمة بهذا العطاء، بل مدت ظلها الظليل الوارف على براعم نشأت في ظلها وتتلمذ على أستذتها جيل من الشباب آنذاك ـ وأنا واحد منهم ـ وكم حاولت أن أرصد بالقلم إنسانية هذا الأديب أو أدب هذا الإنسان، فتضاءل مجداف قلمي بل ذاب في بحر عطائه، فهو الإنسان الذي كونته أخلاق القرية وصقلته أعرافها.. بمثلها العليا وسار في ركب الحياة والثقافة بنقاء الريف الحسائي وعذوبة ورقراق مائه.. فما اتكأ عليها أحد في مهمة علمية إنسانية وقـال: لا.. قط.
خليل الفزيع الرجل الإنسان والمثقف الأديب اللامع نجمه في أفق الأحساء الثقافي كاتب قصة قصيرة.. وهذه أول محطة وقف فيها الأديب الفزيع.. وتعرف عليه الناس وتعرف على قرائه فيها، وكان ذلك منذ أكثر من أربعة عقود.. ومع ذلك فهو شاعر وناقد وكاتب مقال اجتماعي.
لقد كان الفزيع كاتب قصة في بادئ الأمر، قبل أن ينتسب إلى مهنة البحث عن المتاعب، ورغم أنه تقلد فيها أعلى المناصب، وكتب كثيرا على صفحات الصحف السعودية والخليجية والعربية، ألا أنه ظل وفيا لفن القصة القصيرة التي عشق كتابتها في وقت مبكر، وقدم للمكتبة العربية أكثر من سبع مجموعات قصصية، وهي بداية تزامنت مع التحول الذي شهده المجتمع إبان الوفرة الاقتصادية التي حققها ظهور النفط، وسجلت قصصه القصيرة جوانب من هذا التحول، وخاصة في المجتمع القروي، وما طرأ على أفراده من صدمة حضارية غيرت الكثير من العادات والعادات الاجتماعية، وأساليب الحياة في القرية والمدينة، وأهلته هذه الريادة في القصة القصيرة والصحافة للتكريم من قبل جامعة الدول العربية في مهرجان الرواد العرب بالقاهرة عام 2002م ووزارة الإعلام في دولة قطر عام 1982م، كما كرمته بعض أنديتنا ومنتدياتنا الثقافية ومنها أندية مكة والطائف وأبها وجيزان الأدبية وأثنينية الأستاذ عبد المقصود جوجة، وغيرها من المؤسسات الثقافية، ولم تكتف هذه الشخصية الرائدة بهذا العطاء، بل مدت ظلها الوارف لرعاية براعم نشأت في تلك الفترة، وفتح أبواب جريدة "اليوم" عندما كان رئيسا لتحريرها.. لكل المواهب الجديدة التي أصبح لها شأنها في الحركة الصحفية والأدبية في بلادنا.
هذا المثقف والأديب.. عرفناه في السنوات الأخيرة شاعرا تباينت الآراء حول شعره، بعد أن دعم موقعه على خريطة الشعر في بلادنا بأربعة دواوين شعرية هي: (قال المعنى ـ وسم على جدار القلب ـ عندما تتشظى الأشواق ـ للمليحة ينهمر الحنين) وعشرات القصائد المنشورة في العديد من الدوريات الثقافية العربية كـ"المجلة العربية" و"الفيصل" ومجلة "الجسرة القطرية" وغيرها، ويحكي قصته مع الشعر في مقدمة ديوانه الأول "قال المعنى" الذي أصدره المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر عام 2002م حيث يقول:
(مع أني حاولت كتابة الشعر منذ البداية لكـن محـاولاتي الأولى كانت من بحـر سميته " البحر الميت " وقد كتبت يوما أنه مادام للشعر بحوره المعـروفة، فلماذا لا يكـون هناك بحر جـديد اسمه " البحر الميت " تنسب إليه كل القصائد المتمردة على بحور الشعر المعروفة، وكنت ولا أزال على خـلاف شديد مع المتشاعرين، ولا أقصد بذلك من يكتب القصيدة الحديثة، بل أقصد من يعنيهم الشاعر في بيتيه الأخيرين عندما قال :
الشـعراء لـو علمـت أربعه
شاعر يَجـري ولا يُجرى معه
وشاعـر يخوض وسط المعمعه
وشـاعر لا تشتهي أن تسمعه
وشاعر لا تسـتحي أن تصفعه
أما كيف يكتب القـاص الشعر فإن لكل حالة اعتباراتها، والمبدع يملك القدرة دوما على خوض التجربة الإبداعية في أي لون من ألـوان الأدب، وهانحـن نرى كثيرا من الشـعراء يكتبون الرواية أو القصة، فما المشكلة في أن يكتب القاصـون الشعر؟ ثم إن العرب عموما أمة شاعرة، ونحن نردد دوما قول ابن عباس: ( الشعر ديوان العرب ) وقد استعار هذا المعنى أبو فراس الحمداني عندما قال :
الشعر ديوان العرب أبدا وعــنوان الأدب
فإن لم يقولوه فهم يستشهدون به، حتى العوام منهم، وهذا مالا يوجد لدى الأمم الأخرى، وكثيرون يستهويهم قول الشعر فإذا أخفقوا في ذلك اكتفوا بحفظه وترديده والاستشهاد ببعض أبياته . ومما ورد في الأثر: (لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل حنينها).
لكني أتعامل مع شعري كما كان أسامة بن منقذ يتعامل مع شعره، حين يقول:

كلما رددت في شعري النظر
بان ضعفُ العيِّ فيه واشتهر
ليس يُرضيني ولا يُمـكنني
جحدُ ما قد شاع منه وانتشر
فأجيلُ الفكـرَ في تقليلِهِ
فإذا قلَّ اختصرتُ المختصر
وبه فقـرٌ إلى ذي كـرمٍ
إن رأى ما فيه من عيبٍ ستر
وكنت أحتفظ بما اكتبه من الشعر، مكتفيا بنشر ما أكتبه من قصص، إلى أن تجرأ أحد الأصدقاء فأرسل إحدى قصائدي إلى "المجلة العربية" التي نشرت في عـدد شهر محرم 1422هـ وعنوان هذه القصيدة "ترحال" وقد حمدت لصديقي جرأته في الإقدام على إرسال هذه القصيدة للنشر، بعد أن لقيت استحسانا ممن اطلعوا عليها، بل كانت مفاجأة للذين لا يعرفون علاقتي بالشعر، وكتب عنها محمد موسم المفرجي رحمه الله في جريدة " البلاد " عدد الأربعاء 8 صفر1422هـ ما نصه : ( كانت المفاجأة بالنسبة لي قصيدة (ترحال) التي نشرتها المجلة العربية في عدد شهر محـرم 1422هـ ولم أكن من قبل أعلم أنه شاعر يمتلك هذه الـروح المشبعة بهذا الـوله:
أهواكِ ما حيلتي والقلبُ في ولهٍ
لا يَرعـوي وفؤادي مُدنفٌ ثَمِلُ
أعرف الأستاذ خليل قاصا، ولم أعرف أنه يضمر شعرا رقيقا أصيلا، ولعله أخفى هذه الموهبة الإبداعية عندما راجت موجة الحـداثة، وطغت في فترة ما حتى في جريدة "اليوم" عندما كان يرأس تحـريرها، فآثر الصمت حتى تهدأ الموجة.. ولعله كان على يقين بأنها ستنحسر، فها هـو اليوم عـاد يمتطي الأصالة مجدافا ليسبح في بحور الشعر في الهواء الطلق، وكان بإمكانه في تلك الفترة أن يمارس القمع ضد الحداثيين كما كانوا يفعلون مع الطرف الآخر، لكنه رجل كان على درجة من الـوعي والإيمان بحرية الرأي للآخـر، فأفسح لهم المجال ومنحهم الحرية، وهذا درس عملي تكشفه الأيام، لعل أولئك يستوعبون الـدرس، وهم يمنعون ورود اسم أي شخص يختلفون معه..). ويسترسل المفرجي ليقدم دراسة للقصيدة محللا ومتسائلا عن سر هذه القصيدة والباعث عليها!.
هذه المقدمة أردت أن تكون مفتاحا للدخول إلى عالم خليل إبراهيم الفزيع الكاتب الصحفي والقاص والشاعر، لأطرح على مائدة النقاش معه عددا من القضايا ذات العلاقة بواقعنا الثقافي من بعض جوانبه، ولنبدأ من البداية التي يحدثنا عنها أديبنا الفزيع بقوله:
ـ بدأت مراسلا رياضيا لجريدة "الخليج العربي" وكاتبا في ركن الطلبة بـ "قافلة الزيت" الشهرية، لكن علاقتي بالكتابة توثقت أكثر عندما التحقت بالمعهد العلمي بالأحساء، وفي النادي الأدبي بهذا المعهد كانت المواهب الجديدة تتبارى في تقديم إنتاجها من خلال الندوات والمسابقات الثقافية والقصائد الشعرية وغيرها، ومن خلال هذا المنبر الثقافي عبر عدد من شعراء الأحساء وأدبائها، وكان أساتذة اللغة العربية والأدب على كفاءة عالية أتاحت للناشئين التمرس في هذه المجالات، بما يقدم للمتميزين منهم من جوائز تتمثل في مجموعات مختارة من الكتب الأدبية والمراجع الهامة، وكان من أولئك الأساتذة الأفذاذ الشيخ سليمان الفالح أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، وقد وجهني للصحافة عندما رأى شغفي بالقراءة والمعرفة، وزودني بعناوين أمهات الكتب العربية لمؤلفين معاصرين وقدامى، واستفدت من كل ذلك عندما التحقت بالعمل في إدارة التعليم بالدمام عام 1962م.. فعملت في جريدة "الخليج العربي" التي أنشأها الأستاذ عبدالله أحمد شباط، وآلت ملكيتها بعد ذلك للأستاذ علي بوخمسين حتى توقفت عن الصدور بصدور نظام المؤسسات الصحفية، ليبدأ مشواري بعد ذلك مع جريدة "اليوم" التي صدر عددها الأول في 22 فبراير 1965م وقد عملت بها مصححا ومحررا وسكرتيرا للتحرير ومديرا للتحرير ونائبا لرئيس التحرير، ثم رئيسا للتحرير، وقبل أن أتفرغ للعمل في جريدة "اليوم" كنت قد نقلت خدماتي من إدارة التعليم إلى فرع وزارة الإعلام بالمنطقة الشرقية، كما عملت في التدريس الليلي، وإعداد الأخبار في تلفزيون الدمام قبل دمجه مع تلفزيون الرياض، وسافرت إلى قطر عام 1973م حيث أنشات مع احد الأخوة القطريين "مؤسسة العهد للصحافة والطباعة والنشر" التي أصدرت مجلة "العهد" الأسبوعية و"الجوهرة" الشهرية وسلسلة "كتاب العهد" وهي أول سلسلة كتب تصدر في قطر، لكني عدت لجريدة "اليوم" عام 1981م والفضل في هذه العودة يرجع لأخي الأستاذ محمد العلي أطال الله عمره ومتعه بالصحة، ولن أنسى لأبي عادل هذا الفضل، والذين يكتبون تاريخ اليوم ينسون أنه كان مسئولا عن تحرير هذه الجريدة في فترة من الفترات، وكان وقتها في قطر ضمن وفد صحفي رافق الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق، وحينها اتفقنا على عودتي لليوم، حيث عدت رئيسا لتحريرها حتى عام 1993م حين تفرغت لأعمالي الخاصة.
عملت في صحافة الأفراد، وبعدها في صحافة المؤسسات، كيف ترى الفرق؟
ـ الفرق شاسع بين المرحلتين، فقد توفرت للصحف في عهد المؤسسات وفرة مالية ساعدت على تنفيذ الكثير من خططها التطويرية، كما أن نظام المؤسسات الصحفية ضمن استمرار الصحف منذ صدور عددها الأول وحتى الآن، فمنذ صدور هذا النظام لم تتوقف أي صحيفة عن الصدور، بينما كانت صحافة الأفراد تتوقف لأي سبب قد يتعرض له مالك الصحيفة أو رئيس تحريرها.
صحفنا تخضع لنظام واحد، فلماذا هذا التفاوت في مستوياتها؟
ـ أعتقد أن سبب هذا التفاوت مرجعه للقيادات الصحفية، فبعض رؤساء التحرير يكون حذرا أكثر من اللازم، وبعضهم يحتكر لنفسه كامل الصلاحيات، ولا يتيح لبقية الكفاءات ممارسة نشاطها، خوفا من بروز هذه الكفاءات ومزاحمته على منصبه، وهذا دليل على عدم الثقة بالنفس، مع أن نجاح هذه الكفاءات سينسب له في النهاية، ورئيس التحرير الواثق من نفسه يفتخر بنجاح أحد المحررين لديه، لكن ما نراه أن بعض رؤساء التحرير قد حول جريدته إلى مقبرة لوأد الكفاءات، كما أن بعض الإدارات الصحفية يشوب علاقتها بجهاز التحرير بعض الالتباس، حين تفرض وصايتها على التحرير بشكل يعيقه عن تنفيذ مهماته الآنية، فما بالك بمخططاته المستقبلية، وكل هذه العوامل تساعد على عرقلة العمل الصحفي، والحد من إنجازات الصحيفة، والصحف التي تجاوزت هذه الإشكاليات هي الصحف الناجحة، التي يتولى أمرها رئيس تحرير متمرس وقادر على إثبات وجوده بكل ثقة وإحساس بالمسئولية.
أصدرت العديد من الكتب الثقافية والقصصية والنقدية والشعرية، ألا تعتقد أن الكم قد يؤثر على الكيف بالنسبة لإصدارات أي كاتب؟
ـ أول كتاب صدر لي عام 1966م عن دار النضال بدمشق، ومنذ ذلك الحين أي خلال أكثر من أربعين سنة من تعاملي مع الكتابة.. أصدرت حتى الآن عشرين كتابا بمعدل كتاب واحد كل سنتين تقريبا، فهل تجد هذا كثيرا؟.. لو جمعت كل ما كتبت في الصحف والمجلات والإذاعة، لأخرجت مجلدات ضعف هذا العدد مرتين أو ثلاث مرات، لكني أنتقي مما أكتب ما يتناول القضايا العامة، غير المرتبطة بأحداث آنية، ولا يتأثر بالزمن، ولكنه يوثق ويناقش أمورا ذات صبغة دائمة. ومن عام 1981م إلى عام 1991م أي خلال عشر سنوات لم أصدر أي كتاب لانشغالي برئاسة تحرير"اليوم" ولهذا العمل متطلباته التي تشغل الكاتب عن الكثير من هواياته واهتماماته الشخصية.
كتبت المقالة والقصة والشعر.. أيهما أقرب إلى نفسك؟
ـ المقالة تمليها ظروف الحياة ومعضلاتها، وما يمر به المجتمع من ظواهر سلبية تقتضي الطرح والمناقشة، فهي كالقوت اليومي للكاتب الذي يتصدى لمثل هذه الأمور، أما القصة فهي عشقي الأول والأخير، وقد عرفت كاتبا للقصة، وسأحاول المحافظة على ما وصلت إليه في هذا المجال، أما الشعر فأنا لا اعتبر نفسي شاعرا، ولا أضع نفسي في مصاف الشعراء المعروفين، حتى وإن وجد شعري بعض الحفاوة من بعض النقاد، فليس في ذلك ما يوهمني بأني شاعر.
أنت من القلائل من الأدباء الذين ألفت عنهم ثلاثة كتب، هي: "الفزيع وعالمه القصصي" إعداد جاسم الجاسم، و"الفزيع بين الأدب والصحافة " تأليف د. محمد الصادق عفيفي، و"خليل الفزيع والشعر" تأليف مجموعة من النقاد، فهل تعتبر أن النقد أنصفك؟
ـ أن ينصفني النقاد أو لا ينصفوني ليست هذه هي المسالة، بل المسألة هل أنصف النقاد إنتاجي الأدبي؟ في هذه الحالة أقول نعم، في الكتاب الأول "الفزيع وعالمه القصصي" بيبلوجرافيا لأكثر من ستين كاتبا من بلدان عربية مختلفة كتبوا عن قصصي، وهو أمر يدعو للفخر، ولا يتبادر إلى ذهن القارئ أن كل ما كتب في هذه الكتب الثلاثة أو في الصحف هو بالمطلق في صف إنتاجي، فبعضها حمل نقدا بيّن بعض أوجه القصور فيما كتبت، لكن هذا لم يمنعني من الاستفادة مما حملته تلك الكتابات من آراء، واختلاف الرأي في المسائل الأدبية أمر طبيعي ولأجله وجد النقد، ومهما كان النقد قاسيا وصداميا فهو في النهاية يخدم النص بمستويات متفاوتة تكشفها ثقافة الناقد وقدرته على توظيف أدواته النقدية لإظهار ما لم يقله النص مباشرة، في حالتي السلب والإيجاب، المهم في النقد أن يبتعد عن الأغراض الذاتية، وأن لا يكون وسيلة لتصفية الحسابات، فهذه الأساليب تخرج النقد عن مساره الصحيح، نعم نحن لا نستطيع أن نعزل النص عن صاحبه، لكن ليس من الضرورة النقدية الانشغال بالشخصانية وتحييد النص، والنقد ليس معركة، وإذا نظر أحد إلى النقد من هذا المنظار، فهي معركة الكل فيها خسران، وخسارة الأدب فيها أكبر.
كانت أمنية الأماني بالنسبة لك قيام ناد أدبي في الأحساء، ماذا تقول بعد أن أصبح هذا النادي واقعا ملموسا؟
ـ بعد أن تحققت هذه الأمنية لمثقفي الأحساء، أصبح لزاما عليهم التعاون مع إدارة النادي في النهوض به، وفي الأحساء من المثقفين والمثقفات ما سيضمن بإذن الله النجاح لهذا النادي، وإذا كانت بعض الأسماء الجديرة لم يشملها التعيين ضمن مجلس الإدارة، فالمؤكد أنها ستجد مكانها في الدورات الانتخابية القادمة، والعدد المقرر لأعضاء مجلس الإدارة لا يمكن أن يستوعب كل المثقفين القادرين على القيام بهذه المهمة وما أكثرهم في الأحساء، وكما هو الحال في بقية الأندية الأدبية فإن أبواب النادي مفتوحة للجميع، ومن خلال المشاركة في اللجان والفعاليات، ومن خلال الآراء والأفكار المستنيرة.. يمكن للنادي أن يؤدي رسالته على أفضل وجه، من جانب آخر فإن على رجال الأعمال في الأحساء دعم ناديهم الأدبي ماديا، فلا زالت وزارة المالية تتعامل مع الأندية الأدبية بنوع من الشح غير المبرر، خاصة وأن خيرات بلادنا ولله الحمد تصل إلى أقصى البقاع في العالم، ولا يعقل أن تتساوى مخصصات ناد في محافظة أكبر بكثير من بعض المناطق، مع مخصصات ناد أخر في محافظة لا يساوي عدد سكانها عشر سكان الأحساء.
هل تعتقد أن الأندية الأدبية قامت بدورها في خدمة الثقافة المحلية؟
ـ يتفاوت ويتنوع أداء هذه الأندية بشكل ملحوظ، لكنها تتكامل في خدمة الثقافة، فمئات الكتب الثقافية المختلفة الاتجاهات لم تكن لتظهر لولا وجود الأندية الأدبية، وكثيرون أولئك الأدباء الذي كانت إصداراتهم الأولى عن طريق أحد الأندية الأدبية، لكن الإمكانيات المادية لا تزال قاصرة عن استيعاب طموحات هذه الأندية وما يراد لها من دور في تفعيل الحراك الثقافي بشكل أفضل، فلا زالت مطالبة بالكثير الكثير مما لا يمكن تحقيقه في ظل هذه الإمكانيات المحدودة، وعلى القطاع الخاص أن يلتفت إلى هذه الأندية فمجالات الاستثمار الثقافي عديدة، ومن خلال هذه الأندية يمكن إنجاز الكثير من الأعمال الثقافية المتميزة. المؤسف أن بعض المثقفين يقف موقفا سلبيا من هذه الأندية وبعضهم لا يكتفي بهذه السلبية بل يعبر عن عدم رضاه بالكتابات الصحفية المتحاملة على النادي والعاملين فيه، وكان الأجدى أن تكون لهم مشاركاتهم الفعالة، وبتقديم الآراء والمقترحات للمسئولين فيها يمكن تحسين أدائها، فذلك أجدى من التراشق بالكلمات على صفحات الصحف، ثم إن تطوير خدمات الأندية الأدبية من مسئوليات جميع المثقفين وليس إدارات الأندية فقط. وإذا صدقت النوايا ووجدت الرغبة في العمل، يمكن تحقيق الكثير. الأسوأ من ذلك أن تنتقل خلافات أعضاء مجلس الإدارة في أي ناد إلى صفحات الصحف، بينما يفترض أن تظل هذه الخلافات بين الأعضاء وفي حدود مبنى النادي، وخارج مبنى النادي تنسى كل هذه الخلافات، فالعلاقات الإنسانية بين الأعضاء هي الأهم، وفي ظل هذه العلاقات يمكن تجاوز كل الإشكاليات مادام الهدف هو مصلحة النادي، وما لم تستطع مجالس الإدارة حله، فالوزارة المعنية موجودة، أما العنتريات والكتابات الصحفية المتوترة فلن تخدم العمل الثقافي، بل ستسيء إليه.
كان موقفك من المنتديات الثقافية قد أثار زوبعة من الاحتجاجات لدى أصحاب تلك المنتديات، فهل لا تزال مصرا على ذلك الموقف؟
ـ موقفي أساسا لم يكن رافضا لكل تلك المنتديات، بل أردت لها أن تحافظ على وجهها المشرق، فهناك فرق بين منتدى يتولى أمره أديب معروف هدفه خدمة الأدب والثقافة في مجتمعه، وبين منتدى يتولى أمره موظف متقاعد، جمع حوله ثلة من المنتفعين وهدفه الوجاهة والظهور، هذا ما أردت التركيز عليه، لكن سوء التفسير انحرف بهذا الموقف عن هدفه، هل أصبت أم أخطأت؟ هذا ما ستثبته الأيام.
قلت ذات يوم أنه لا يوجد بالأحساء أديبات، فهل لا تزال عند رأيك؟
ـ اسمح لي أن أنفي هذه التهمة جملة وتفصيلا، ففي الاحساء مبدعات على درجة عالية من القدرة على امتلاك ناصية البيان، والتميز في اللون الإبداعي الذي اخترن ممارسته، لكن أن يكتب أحدهم أن بالأحساء أكثر من(160) أديبة، فإن هذا القول الاستفزازي لا يمكن أن ينطلي على أحد، نعم في الاحساء أديبات، ولكن ليس بهذا العدد، ولا تنسى أنني كتبت عن بعض الأديبات في الأحساء، فكيف يجوز اتهامي بما ذكرت. وما تضمه اللجنة النسائية في نادي الأحساء الأدبي من أخوات فاضلات.. جدير بأن يسهم في تنمية المواهب الجديدة من الفتيات، بعيدا عن كتابات بعض الأخوة الذين يكتبون بحسن نية، كتابات لا تقرأ الواقع كما هو.
أنت أول كاتب من الأحساء أصدر مجموعة قصصية، وأول رئيس تحرير لجريدة يومية من أبناء الأحساء وأول صحفي سعودي عمل مسئولا في صحيفة خليجية هي مجلة العهد في قطر، فهل لهذه الريادة أي نظرة خاصة من قبلك، وهل تشعر أنك نلت حقك من التكريم في الأحساء؟.
ـ أول كاتب من الأحساء أصدر مجموعة قصصية نعم، لكن لست أول رئيس تحرير فقد سبقني الأستاذ عبدالله الشباط في جريدته الخليج العربي، وإن لم تكن يومية، ولست أول من عمل مسئولا في صحيفة خليجية، فقد سبقني إلى ذلك الأستاذ علي بوخمسين الذي عمل في مجلة "الخليج" الكويتية لصاحبها باقر خريبط، لكني في مجلة "العهد" لم أكن مجرد موظف، بل مؤسس وصاحب عمل، وتوليت شئون هذه المؤسسة بكاملها، إلى أن عدت لجريدة "اليوم" وتجاه كل ذلك أشعر بالمسئولية ذاتها، منذ اخترت مهنة الكتابة طريقا لحياتي، وسواء كنت كاتبا غير منتسب لصحيفة بعينها، أو محررا، أو رئيسا للتحرير، فإن تعاملي مع الكتابة يظل بالمستوى نفسه من المسئولية، وتكريمي الحقيقي في الأحساء هو اهتمام قرائي بما أكتب وتواصلهم الدائم معي، ولا أخفيك أنني استمد بعض أفكاري الصحفية من هذا التواصل، فأن تشعر أن هناك من يحتاج إليك وتبادر بالوصول إليه لتسهم في حل مشكلته قبل أن يطلب ذلك، هذه قمة السعادة في نظري، هذا هو التكريم.. يأتيك من مجتمع أسهمت في حل مشاكله، ومن قراء أدركوا أنك تشاطرهم همومهم، فاكتسبت ثقتهم الغالية.
ألا تعتقد انه تأخر ظهور روايتك، ثم ما رأيك فيما يطرح من روايات على الساحة المحلية، وهل ستؤثر كثافة الإصدارات الروائية سلبا على ألوان الكتابة الأخرى؟
ـ روايتي الأولى "النخلة وهمس للجبل والبحر" رأت النور من خلال نفق ضيق، عندما نشرتها على تسع حلقات في مجلة الجيل، حاولت أن أرصد من خلالها التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع في أعقاب ظهور النفط، وعندما أعدت قراءتها وجدت أنها لا تستحق الصدور في كتاب مستقل. أما بالنسبة لما يطرح من روايات على الساحة المحلية، فليست جميعها في نفس المستوى، لكن لابد من التسليم بأن هذه ظاهرة إيجابية بعد أن بقي الأدب في بلادنا ولسنوات بمنأى عن هذا الفن الجميل، وهذا الهجوم على هذا الفن من بعض الكتاب غير المؤهلين أفرز بعض الروايات الهزيلة، لكن في النهاية ستبقى الرواية المتميزة هي سيدة الموقف، ولا أعتقد أن هذه الكثافة من الإصدارات الروائية ستؤثر سلبا على ألوان الكتابة الأخرى، بل قد تكون حافزا على تنشيط النقد الذي ظل ولا يزال قاصرا عن مواكبة حركتنا الإبداعية، أما ألوان الكتابة الأخرى كالقصة القصيرة والشعر والمقالة، فسيظل لها كتابها وعشاقها، والساحة الثقافية قادرة على استيعاب كل ألوان الإبداع.
                                                                  (مجلة المشقر: العدد الثاني ـ نادي الأحساء الأدبي مارس 2009)




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات