الجنين في بطن أمه يتحدث عن حقوق الإنسان ،والشيخ الطاعن في السن يدرك إنها متعة حقيقية لو عاشها وهو يردد" ليت الشباب يعود يوما "ليصفق بدوره للحقوق.والأحدث المتسكع في الشوارع الذي لايترك امرأة تمر دون رصدها ليرسل سهامه السامة إلى طولها وقدها وهى في نظره حق من حقوقه . واللص السارق من حقوقه العيش ولو على حساب الناس .والمعلم يحلب جيوب أولياء التلاميذ ويرى ذلك من حقوقه.وهكذا دواليك...كل من سلك طريقا أما صالحا أو طالحا يحسبه من الحقوق التي تفرض على الدولة احترامها.لا شك إنها وضعية شاذة إذا ما نظرنا إليها من زاوية فكرة الحقوق نعلم جيدا أن فكرة حقوق الإنسان فكرة نيرة نبيلة جامعة غير قابلة للتجزئة ،سواء كانت حقوقا سياسية أو مدنية ،مثل الحق في الحياة ،وفي المساواة أمام القانون وكذلك حرية التعبير وحرية المعتقد والتفكير ،أو اقتصادية وثقافية واجتماعية مثل الحق في الشغل والتعليم البناء والصحة الجيدة ،أو حقوقا جماعية مثل الحق في التطور التنموي وتقرير المصير،فهي حقوق غير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتآزرة .ومن شأن تحسين أحد الحقوق أن ييسر الارتقاء بالحقوق الأخرى .وبالمثل ،فان الحرمان من ابسط هذه الحقوق يؤثر سلبا على باقي الحقوق.فالدولة إذن باعتبارها مؤسسة نظامية دستورية تعمل على المحافظة على حق الإنسان وحماية هذه الحقوق ،لكن على الإنسان أن يحتفظ بقدر من المرونة في التوجه نحو الحقوق عليه أن يدرك قيمتها العليا والسامية بعيدا عن المزايدة واستخدام خطاب الحقوق للحصول على مرابحات او تعطش للسلطة او الجاه .
وللأسف فان الحديث اليوم عن حقوق الإنسان يدخل في إطار الابتزاز والأدهى والآمر ان من يتصدرون للدفاع او المطالبة بإقرار حقوق الإنسان هم أول من يفسدون العملية الحقوقية ،ففهمهم القاصر يضعهم خارج دائرة استيعاب وفهم منطق الحقوق.
قلة قليلة من الحقوقيين يمارس عمله في ظل احترام للقانون وفي إطار سلوك أخلاقي واضح وسليم.أما البقية الكثيرة والمتكاثرة يوما عن يوم فهمها للحقوق يقتصر على خلق الارتباك داخل المجتمع وجلب مفسدة الفوضى، مع رفض تام لتأدية الواجبات المدنية.
نستطيع إذن من خلال هذه المقاربة السريعة ان نقدم ملاحظات حول سير المتصدرين للدفاع عن حقوق الإنسان .:
أولا فشل في التخطيط وارتباك في الأولويات ومرد ذلك إلى تسييس المطالب الإنسانية العاجلة كمطلب الرغيف أو العمل أو الكرامة .
ثانيا خضوع المتصدرين للحقوق لالتزامات تجعل الواحد منهم يقاد لأجل مصلحة مع منفعة خاصة به.
ثالثا ضعف التكوين الحقوقي ،فالناظر للخريطة الحقوقية يستغرب لتصدر كل من هب ودب للدعوة لإقرار الحقوق.
تصبح حقوق الإنسان سلعة رائجة لمن فشلت تجارته ،فاليساري العدمى اختارها طريقا سهلة .يتشدق بكلمات ويطنب بعبارات رنانة وفي لحظات نشوة وقوة وانفعال عاطفي مع دعوة الحقوق يسقط في مزايدات تضعه في خندق العدو الحقيقي للحقوق .
ولحقوق الإنسان جولات وصولات مع التيار الاصولى المسيس ،الذي وجد نفسه في مفترق الطرق بين تطلع للتماشي مع متطلبات حقوق الإنسان التى لا تراعى الخصوصيات المحلية التي تتذرع بها جل التيارات الأصولية وبين رفض قواعد حقوق الإنسان جملة وتفصيلا .وطبعا هذا لايمكن بل يستحيل لان التيار الاصولى المسيس لن يكلف نفسه عناء الخروج من اللعبة السياسية لأنه يدرك تماما أن وراء الحقوق مزايدات ومناورات ولذلك فليس غريبا ان يتصدر هذا التيار رئاسة جمعيات ومنتديات تدافع عن حقوق الإنسان.
وجد الاصولى المسيس في خطاب حقوق الإنسان منفذا لصناعة وجوده ولو على حساب مبادئه الرئيسة
وفي الصحراء أو في الجنوب ،كما في الشمال ،يشتغل الناس حماسة لحقوق الإنسان ،رغيف يومى تلوكه الألسنة لكن دون إدراك لقيمته الحقيقية فللمفهوم شروط وقواعد وأدبيات وممارسة معقلنة ومنطقية سليمة .
تفترض حقوق الإنسان، معرفة الإنسان بواجباته اتجاه مجتمعه .اتجاه نفسه وعائلته .وتتطلب ممارسة سليمة للحقوق التي يخولها طبعا القانون.قانون الدولة الذي هو اسمي من قانون وضع ليخرق من طرف من يدافعون عنه .لتصبح حقوق الإنسان من واجبات الناس اتجاه الدولة.وهذه الأخيرة تحمى خيار الناس او اختياراتهم طبقا للوضعية التي يختارونها. لكن طبعا في نطاق ما يسمح به القانون اى قانون الدولة ....محمد الاغظف بوية العيون
[
التعليقات (0)