تأكد عدم حضور العاهل المغربي محمد السادس للقمة الأولى بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وذلك حسب ما أعلن عنه وزير الخارجية المغربية الطيب الفاسي في لقاء صحفي مشترك مع نظيره الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، حيث سيكتفي المغرب بالمشاركة بوفد وزاري يقوده الوزير الأول عباس الفاسي. وترى عدة أوساط في قرار عدم مشاركة العاهل المغربي قطع الطريق على جبهة البوليساريو وعرابتها الجزائر وعدد من الأصوات المناوئة للمغرب التي من المرتقب أن تتظاهر أمام مقر انعقاد القمة.
ورجحت عدد من التحليلات أن فشل اسبانيا في إقناع المملكة المغربية لأن تكون ممثلة برمز البلاد الملك محمد السادس فإنما يرجع إلى التشويش الذي تهيئ له الجمعيات الإنسانية والحقوقية الدولية من جهة خاصة أنصار مناهضة العولمة، وهو ما يستثمر إعلاميا لصالح دعم البوليساريو أو تنديد بالوضع الحقوقي بالمغرب، وتعبير عن حنق شعبي اسباني حتى لا يحصل المغرب على امتيازات تمكنه من المنافسة بشراسة على المنتوجات الفلاحية الاسبانية، وهو ما يراه الاسبانيون خطرا محدقا بهم من الجار الجنوبي.
وهي عناصر يلتقي فيها المشروع بغير المشروع لتجعل المؤسسة الملكية تفضل النأي بنفسها عن أي توظيف سياسي للمتظاهرين ضد رمزية المؤسسة الملكية على المستوى المحلي المغربي والدولي، وتشير عدة تحليلات أن رمزية المكان الذي تنعقد فيه القمة المغربية الأوربية بقصر الحمراء بمدينة غرناطة للتعبير عن الترابط الحضاري والتاريخي بين المغرب وأوربا، من شأنه أيضا أن يثير مزيدا من حنق عدد من العنصريين الإسبان.
ولأن المؤسسة الملكية بالمغرب اليوم ليس بإمكانها على الأقل في الوقت الراهن أن تضع نفسها قيد مساءلة جمعيات المجتمع المدني والرأي العام الدولي، ولذلك يكون من الوارد والمنطقي أن تنأى بنفسها عن شغب ضريبة حرية الرأي في المجتمع الأوربي لتحفظ لنفسها رمزيتها الوطنية وكارزميتها كإمارة للمؤمنين في العرف المغربي، ولمكانتها على المستوى الدولي كملكية نموذجية ومنفتحة مقارنة بدول الشرق الأوسط. ومن جهة ثانية فلأن المؤسسة الملكية تراعي مصالح مواطنيها داخل المغرب وخارجها، وهي حينما لا تشارك في القمة الأوربية المغربية فلأنها ترعى مصالح الجالية المغربية في الاتحاد الأوربي وخاصة باسبانيا التي توجد بها أكبر عدد من الجالية المغربية، حيث أن المؤسسة الملكية تقدر حجم التعاطف والارتباط بها، وأن المس بها داخل اسبانيا تعبيرا قد يؤجج مشاعر المغاربة وهو ما قد يعيق عملية اندماجهم السليم.
كما أن الدبلوماسية الرسمية المغربية لا تؤمن بمهنية الإعلام الاسباني خاصة انحيازها في كل ما يتعلق بقضية نزاع الصحراء. ولذلك فهي لا تستبعد أن تربط بين حدوث مشاحنات أمنية مع المتظاهرين أمام مكان انعقاد القمة ومشاركة العاهل المغربي في أشغال القمة، وبأن هذه التظاهرات كانت تندد بالوضع الحقوقي في إقليم الصحراء.
بينما ترى تحليلات أخرى أنه بالرغم من السعي الاسباني لإقناع العاهل المغربي للحضور الشخصي أشغال مراسيم القمة المرتقبة واضحا لم تكن الغاية منه تسجيل نقط ايجابية لصالح حزب زاباثيروا أو لقطع الطريق على البوليساريو والجزائر والأصوات الموالية لهم بإسبانيا، ولكن بقدر ما كانت الغاية منه خلق مصالحة حقيقية بين المؤسستين الملكيتين، حيث لا تزال الزيارة التي قام بها ملك اسبانيا خوان كارلوس للمدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية ترخي بضلالها وتؤثر على أجواء الثقة بين البلدين.
إضافة إلى أن المغرب يتفهم انتماءاته التاريخية والثقافية عربيا وإسلاميا وإفريقيا، لذلك لا يجب أن يبدي شبه هرولة نحو الاتحاد الأوربي قد يفهم منها أن المغرب سيتخلى عن التعاون الإقليمي والعربي والإسلامي. وإنما يجب أن يترجم الوضع المتقدم للمغرب في الاتحاد الأوربي بأنه وجه من وجوه الاندماج المغربي مع شركائه الأوربيين عبر مفاوضات واضحة، وأنه بمستطاعه أن يتفاعل إيجابا مع التكتلات الإقليمية كذلك.
ويرتقب أن تحتشد عدة جمعيات مدنية وحقوقية، ونقابات فلاحية ومناهضو العولمة أمام قصر الحمراء الذي سيحتضن مراسيم انعقاد القمة الأوربية المغربية المزمع عقدها في السابع والثامن من شهر مارس الجاري بمدينة غرناطة الإسبانية.
وتفيد مصادر إعلامية أن مجموعة من الأحزاب الصغيرة والتيارات السياسية الكتالانية والباسكية اليسارية الممثلة في البرلمان تشهد تنسيقا مكثفا وحركية دائبة لتدبير إجراءات قانونية؛ لحمل المغرب على تقديم مزيد من التنازلات في ملفي الصحراء، واتفاقية الصيد البحري الموقعة مع الاتحاد الأوربي والمغرب.
وقد اتفقت هذه الأحزاب على تقديم صيغ مقترحات قوانين تطالب الحكومة الإسبانية بصفتها الرئيس الحالي للإتحاد الأوروبي بتعليق القمة. وقد شرع بالفعل البرلمان الإسباني بغرفتيه السفلى والعليا هذه الأيام في مناقشة مقترحي قانون. يطالب الأول بتعليق القمة بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وذلك للضغط على الجار الجنوبي في قضية الصحراء، ومقترح قانون ثاني يطالب بتعليق اتفاق الصيد بين المغرب والمجموعة الأوروبية، وربط التفاوض حول اتفاقية الصيد البحري بإيجاد "حل سلمي للنزاع في الصحراء الغربية، وبضرورة التأكيد أمام المنتظم الأوروبي على عدم شرعية تفاوض المغرب حول الموارد الصحراوية. وتأتي المبادرة للمطالبة بتعليق القمة المغربية-الأوروبية بغرناطة للضغط على المغرب من "أجل حمله على احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية".
ويرى عدد من المراقبين بأن جبهة البوليساريو ستكون على موعد لتسجل مزيد من نقط الضغط على المغرب في الشق الحقوقي الذي برز حجم أثره الكبير في تعبئة الرأي العام الدولي حول نزاع الصحراء، بعد فشل الدبلوماسية المغربية في تدبير قضية اميناتو حيدر.
وأكدت مصادر إعلامية متطابقة بأن البوليساريو والسفارة الجزائرية تسابق الزمن لحشد الحشود التي من المرتقب أن تعبر عن وجهة نظرها من الوضع المتقدم الذي حظي به المغرب. وقد بات في حكم المؤكد بما أعلنته وكالة الأنباء الصحراوية التابعة لجبهة البوليساريو أن تنسيقا محكما تقيمه الجبهة والجزائر مع الأحزاب الانفصالية الإسبانية الصغيرة والجمعيات الموالية لها لإقامة تظاهرات كبرى أمام مقر انعقاد القمة الأوربية المغربية.
وأفادت تسريبات إعلامية اسبانية أن البوليساريو بمساعدة السفارة الجزائرية على تجييش عدد من المتظاهرين بعد عقد ندوات صحفية للتنديد بعقد أول قمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بنفس التاريخ ونفس المدينة وبمناسبة الرئاسة الاسبانية للاتحاد الأوروبي والوضع المتقدم الذي منح للمغرب، كما سيكون هذا اللقاء الدولي على مدار يومين مدعما بتنظيم مظاهرة تحت شعار "لا لوضع متقدم مع المغرب دون حرية ولا حقوق إنسان".
وتذهب تحليلات السياسيين بأن القمة الأوربية المغربية قد تكون فرصة لاستعراض القوة التعبوية للبوليساريو والمغرب على المستوى الشعبي بنقل الصراع إلى جمعيات المجتمع المدني في اسبانيا، حيث اعتاد الرأي العام الدولي أن يتابع تظاهرات لجمعيات المغاربة المقيمين بالخارج أمام السفارة الجزائرية، وأخرى لجمعيات موالية للبوليساريو أمام السفارة المغربية.
وتشير تحليلات سياسية بأن المغرب بإمكانه أن يدعم موقعه التفاوضي مع الاتحاد الأوربي حول القضايا المتعلقة بنزاع الصحراء عبر تعبئة الجمعيات النشيطة لجاليته المقيمة باسبانيا، وهي فرصة مواتية له لكسر الطوق الحقوقي بتعبئة أكبر جالية بإسبانيا للتظاهر ضد البوليساريو حول حالات الاحتجاز القسري بمخيمات تندوف (جنوب الجزائر) وإفشال اللعب بالورقة الحقوقية التي تتذرع بها البوليساريو ضد المغرب.
وذهبت تحليلات الفاعلين السياسيين أن الجمعيات الدولية هي التي سيكون لها حضور قوي أي أن أنصار جبهة البوليساريو سيتم استقدامهم من عدد من الدول الأوربية لتتظاهر ضد القمة، والمطالبة بتعليق صفة المغرب كعضو في الاتحاد الأوربي.
ويقلل عدد من المتتبعين من حدة تأثيرات هذه الأصوات الرافضة لاندماج المغرب في الاتحاد الأوربي على السير العادي لأشغال القمة الأولى، وأكدوا أن أصوات المتظاهرين أمام مكان انعقاد القمة لن تكون متجانسة لأنها ستجمع مختلف الأصوات من رافض مد العولمة وأصوات الجمعيات التي ترى في التفاوض مع المغرب غير متوازن، كما ستضم إلى جانب ذلك أصوات النقابات التي ترى في الوضع المتقدم للمغرب تهديدا لمصالحها في السوق الأوربية، إضافة إلى أصوات أحزاب المعارضة اليسارية في إسبانيا التي تنظر إلى المغرب كعدو مستقبلي بفعل الملفات السياسية الكبرى العالقة له مع بلدهم اسبانيا كملف المهاجرين غير الشرعيين وحقوق مواطنيه المغاربة باسبانيا، ولأن المغرب مافتئ يطالب اسبانيا باستعادة مدينتيه المحتلتين سبتة ومليلية.
لكن المتتبعين لم ينفوا قدرة الصحافة الاسبانية المحلية لحشد المزيد من المتظاهرين ضد المغرب، خاصة لما لها من قوة تأثير على الاسبانيين، ذلك أنها لا تنقل عن الجار الجنوبي غير مظاهر المخدرات ودعم الهجرات غير الشرعية والتهريب والرشوة والجنس وغيرها من الصور النمطية التي يبقى الاسباني أسيرها إلى حدود اليوم.
ومن جهة ثانية، فلأن حجم القمة ومستواها ولطبيعتها، تؤجج مناهضي العولمة للاحتجاج لأنها جاءت بعد مفاوضات مع دولة من دول العالم الثالث، وأن عددا من المنظمات الإنسانية ترى فيها أنها قد تكون على حساب شعوب الثالثية، وذلك من مبدأ أن التفاوض لم يكن متوازنا بين المغرب والاتحاد الأوربي، وأن الغاية من قبول عضوية المغرب المثقلة بالشروط إنما لاستغلال ونهب خيراته واستنزاف موارده الطبيعية، على غرار اتفاقية الصيد البحري وغيرها من الامتيازات التي تحصل عليها الأعضاء الرسميون للاتحاد الأوربي في المغرب.
ولهذه الدواعي يتوقع حضور قوي للجمعيات الإنسانية المناهضة للعولمة، كما يتوقع أن تستغل جبهة البوليساريو بمساندة الإعلام الاسباني الحانق لحيازة المغرب على صفة الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوربي، وجعل مجمل أصوات المتظاهرين تندد بالوضع الحقوقي الذي تصفه بـ(المتدهور) في الصحراء الغربية التي تعتبرها (محتلة).
واعتبر المهتمون بالعلاقات المغربية الاسبانية أن التعاطي الإعلامي الذي وصفوه باللامهني للصحافة الاسبانية حول المغرب وخاصة كيفية التعامل مع الطابع السياسي لقضية نزاع الصحراء، من شأنه أن يعيق عملية اندماج المهاجرين المغاربة في اسبانيا، من منطلق أن قضية الصحراء تعد مقدسة.
كما تنبه عدد من المتتبعين إلى أن هذه التظاهرات غدت مألوفة لدى الرأي العام الدولي؛ وخاصة عند انعقاد القمم الرسمية الكبرى، أو عند زيارات رئيس دولة له تأثير على الصعيد الدولي والإقليمي في الأحداث الراهنة، وهو ما يجعل العالم يعيش على مظاهرات مناوئة لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ولعدد من الدول الأوربية، لكن لا يمكنه إعادة توجيه الأحداث أو القرارات الرسمية، وبالتالي لا يتوقع أن يكون للمظاهرات التي ستقام أمام مقر انعقاد القمة الأوربية المغربية أن توجه جدول أعمال القمة، ولأن سياقات القمم الرسمية الكبرى في أعتد الديمقراطيات في العالم كثيرا ما تشهد تظاهرات حاشدة ضد زيارات ملوك ورؤساء الدول لكنها لا تؤثر على القرار الرسمي، إضافة إلى أن المغرب قد قطع مع شركائه مراحل هامة في التفاوض من حصوله على الوضع المتقدم الذي يعد تتويجا لسيرورة تفاوضية معقدة.
كما أن عقد القمة الأوربية المغربية هي في النهاية تتويج لنتائج مفاوضات مارطونية، اقتنعت بعدها المجموعة الأوربية بأحقية المغرب لأن يكون أول شريك للاتحاد الأوربي من جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط.
ويخلص المتتبعون إلى أن التظاهرات لن تؤثر بأي وجه من الوجوه على مسار القمة، على اعتبار أن كل القمم المؤثرة على الصعيد الدولي والإقليمي كثيرا ما تقام على وقع مظاهرات كبرى تصل إلى حدود تدخل الشرطة بعنف لتفريق المتظاهرين.
عبـد الفتـاح الفاتحـي
التعليقات (0)