خلاف نظري فقط
تٌنشأ الكليات والمعاهد والندوات وتٌستعرض الخلافات الفقهية بطريقة منهجية مختومة بعبارة ذلك الخلاف رحمة بالعباد , كل القضايا الخلافية في قاعات الدرس وفي الندوات العلمية الدورية لا يتم التطرق للخطاء والصواب بل يتم التطرق لتعددية الآراء وكيفية التعامل معها بشكل سليم وطبيعي وتغليب مصالح العباد على أي مصلحة أخرى وأن من حق البشر اعتقاد ما يشاءون وليس من حق أحد رميهم بتهمة الزندقة أو الفسق طالما بقوا ضمن دائرة الإسلام الواسعة , لكن كل ذلك الجمال النظري لا أثر له على أرض الواقع فالمتحدثين والمتكلمين ودعاة التعددية الفقهية ممن يظن بنفسه أنه الوكيل الحصري النائب عن الله يٌفسق من يخالف آراءه واعتقاداته الصغيرة قبل الكبيرة ويتهم بالزندقة من يخرج قيد أنمله عن اعتقاداته الكبيرة سواءً في الحريات الشخصية أو في غيرها والسبب غلبة الأنا واحتكار الفضاء العام ونشر أيدلوجية معينة نتيجتها تبليد العقل وتجهيل المجتمعات و تدجينها وقيادتها باسم الصواب والحقيقة !.
قيادة المرأة للسيارة والحجاب وسماع الأغاني وحرية تنقل المرأة وصلاة الجماعة وسنيتها أو وجوبها الخ ذلك من القضايا التي لا نصوص صريحة فيها سوى بعض الاجتهادات الفقهية القديمة والحديثة المتناثرة بكتب الفقه والعبادات غيضٌ من فيض فحياة البشر تطرأ عليها قضايا لكن محتكر الفضاء يٌدير وجهه ويفرض رؤيته وفق قانون لا أريكم الإ ما أرى , كتب الفقه القديمة والحديثة المستنسخة من القديمة تحتوي على مجموعة من الآراء المتعددة لكن تيار الممانعة يحاول حمل الناس على رأيه بالترهيب والترغيب بل يحملهم بالقوة على رأيه فعصر ما يٌسمى بالصحوة التي لم تكن صحوة كما قٌدر لها بل غفوة بمظهر صحوي كانت بداية القوة في الفرض والتجهيل والتبليد , عندما ترتدي امرأة ما زي ينسجم مع رأي وقول فقهي فإن أقطاب وأتباع ذلك التيار يتحولون من دعاة تعددية نظرياً إلى أدوات هجوم و تخوين و تفسيق عملياً وعندما يستمع شخص ما لمقطع موسيقي أو يدعو لإحياء حفلة غنائية فإنه سيواجه بسيل جارف وبشع من التهم وقد يخرج من يتهمه في عقيدته ويشكك في إيمانه وتوحيده , الخلاف الفقهي لدينا محصور في الكٌتب الفقهية والأحاديث العلمية التي تٌدار بعيداً عن المجتمع لكن في الواقع لا أثر لذلك الاختلاف الطبيعي الذي هو عبارة عن طبيعة بشرية سببها تعدد الفهم وتعدد منهجية البحث والقياس والوعي الذي كان سائداً أبان حقبة تاريخية قديمة ففقهاء العصور الماضية كانوا أشد تعقلاً من فقهاء العصور الحديثة بأزمنتها المختلفة ولو لم يكونوا كذلك لما اختلفوا حول مسائل ومع اختلافهم لم يرموا بعضهم بعضاً بأقبح التهم وأشنعها ؟.
أمة اقرأ أمة وعي ومعرفة وليست أمة تنظير وفرض رؤى هذا هو الأصل والغاية لكن الواقع يقول عكس ذلك فهي أمة تنظير وفرض رؤى واحتكار لكل شيء وترهيب وترغيب وصراعات فكرية وأيدلوجية يوقد نارها من يتوهم بأنه على الطريق الصحيح وغيره على طريق الضلال فقاعدة إذا لم تكن معي فأنت ضدي وأداة مؤامرة تستهدف العقيدة والدين ليست الوحيدة فهناك الكثير والكثير من القواعد التي تعرض الدين للتشويه وبتبريرات قبيحة لا صلة لها بالمنطق و الواقع .
شيوع التعددية الفقهية لا يمكن في ظل سيطرة تيار فقهي واحد على الفضاء المجتمعي ولا يمكن في ظل غياب الاعتدال والتعايش ولا يمكن أيضاً في ظل بقاء عجلة البحث الفقهي متوقفة على باب سد الذرائع وعدم الحاجة فالتعددية الفقهية والتعددية الشاملة ضرورة فهي مصل التطرف والتشدد والاستبداد بشتى أنواعه وأشكاله فالخلافات الفقهية النظرية لا قيمة لها إذا لم يتم تطبيقها على أرض الواقع وترك الناس يعتنقون ويعتقدون ما يشاءون , تلك الخلافات الفقهية والتعددية بمفهومها الواسع والشامل لن ترى النور والتطبيق في ظل سيطرة ثقافة الجهل والتجهيل والتبليد والأنا على عقول وقلوب من يعتقد أنه يخدم الدين وأهله وينقذ البشرية برأي حفظه ولم يبتكره أو يجتهد في ولادته ؟ .
التعليقات (0)