قد لا تكون الامور بالسوء الذي يراد لها ان تبدو عليه..وقد لا يكون من الحكمة النظر الى الجزء الفارغ من الكأس مع توفر كمية من الفرص في النصف الملآن تكفي لاطفاء ظمأ الجميع..فخلافا لما قد يبدو للوهلة الاولى..فاناندماج كتلتي الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون ,وتزامنا مع قرار الهيئة التمييزية القاضي باستبعاد المرشحين المشمولين بقانون المسائلة والعدالة قد يكون الخطوة الاولى في طريق التقارب الفعلي بين الكتل الفائزة لتشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية
فبعد انجلاء موجة التباكي والتحسر على التقاليد الديمقراطية والتعددية التي رفعت راياتها واعلت من نعيبها بعض وسائل الاعلام المشخصة المقاصد والاتجاهات..وبعد تواتر الانباء والتكهنات بمحدودية التغيير الذي سيطرأ على مواقع الكتل نتيجة لاعادة العد والفرز اليدوي..وبعد التيقن ان القاسم الانتخابي الجديد لن يكون مؤثرا..وبعد ان تضاءلت مكانة القائمة المتحصلة على الرقم الاكثر من حيث عدد المقاعد مع صدور التفسير القانوني لمفهوم الكتلة الاكبر من قبل المحكمة الاتحادية العليا..ومع اليقين الكامل بعدم اهلية اي من القوائم للانفراد بتشكيل الحكومة..وبعد كل هذا وغيره..قد نتمكن من التنظير بان المعطيات الحالية قد تشكل قوة دافعة قادرة على ازالة الكثير من العقبات من وجه العملية السياسية وبما يضمن سلاسة التقارب ما بين الكتل الفائزة وانضاج الفرص بالتوصل الى تفاهمات تقرب الاتفاق على الصيغ الكفيلة بانجاز كل الملفات العالقة..وتحقيق الهدف الاهم الا وهو ايجاد السبيل الامثل الى ادخال القائمة العراقية في مسار العملية السياسية الاقرب الى الواقعية..
فمن المؤكد ان القائمة العراقية قد توصلت من خلال المباحثات والمشاورات الاولية مع الكتل الفائزة الى واقع استحالة تحالفها مع اي من القوائم الفائزة دون رجحان كفة تفكك وانهيار وتشرذم تلك القائمة..وهذا ما يعيه الاخرون ايضا..ومن المتيقن ان شخصية بخبرة ومراس ودراية الدكتور اياد علاوي سيتوصل بسهولة الى عدم امكانية تطبيق مفردات شريط اخبار الشرقية على الواقع السياسي المعقد في العراق..وان اكثر ما تحتاجه قائمته لاتخاذ دورها الطبيعي في العملية السياسية الجارية الان هو صك براءة ممهور بامضاء قاضي مختص ومحايد بطهارة قائمته من تهمة التبعثن..وذلك من خلال ابعاد العناصر المشمولة بقوانين المسائلة والعدالة.. وازالة التريب المستمر من كون قائمته لا تتعدى كونها حصان طروادة جديد –وان كان مرتديا للعقال -لايلاج العناصر البعثية الصدامية الى داخل العملية السياسية..بل والى مراكزها العليا من خلال انتحال الشعارات العروبية والوطنية والتلفع برداء العلمانية والليبرالية التي لا ندري منذ متى تشكل قيما ذات حضور في الممارسة البعثية للتسلط على رقاب العباد..
..فان مثل هذه الخطوة تعد اكثر من ضرورية لازالة الحاجز النفسي والمبدئي المتبادل ما بين القائمة وباقي الكتل السياسية الفائزة بل ومع غالبية الشعب العراقي كذلك..
فليس من الحكمة ..وباي حال من الاحوال..التغافل عن الحقيقة التي تؤكد التعارض الحاد والقاطع ما بين البعث كسلوك وممارسة وتجربة وما بين مجمل القوى السياسية العراقية..من حيث ان الشعب قد وضع تحت اسم البعث خطوط من نار لا يمكن تجاوزها او التهاون معها تحت طائل الرقاب المتطايرة والدماء المسفوحة..وفكرة طرح وتسويق ثنائية البعث مقابل ايران قد تكون فكرة جيدة من حيث اتخاذها كوسيلة لاستجلاب واستمطارالدعم المادي والاعلامي من دول الخليج العربي..ولكن الثنائية المقبولة والمتبناة شعبيا هي ثنائية البعث مقابل الشعب..ولا يمكن تغيير هذه القناعة الراسخة في ضمير ووجدان الانسان العراقي المظلوم والصابر والمجاهد الا بالغاء ذاكرة مغمسة بالدم والدموع لعقود متطاولة من الجمر.. وان الترويج للتعشق القسري المفترض ما بين العلمانية والعروبية والمكون السني والبعث قد تكون عبارة عبقرية تتساقط عادةً من بين ثنايا محللي الفضائيات المعتمدين.. وقد تجد لها وقعاً طيباً لدى اولي الامر والنعمة..ولكنها بالتاكيد غير ملزمة –او مستساغة بالمطلق- من لدن ابناء شعبنا الذين يجيدون التفريق والفرز ما بين العناصر المختلفة لهذا الخليط العجيب المتنافر..
ان اول الصواب ان تدرك القائمة العراقية بان حزب البعث ليس قدراً محتماً للشعب العراقي..بل هو ممارسة اقرب للفعل الجرمي الجنائي منها للعمل السياسي الواضح..وهو السبب الرئيس في افشال اي صيغة للتقارب ما بينها وبين الكتل الاخرى..وان قائمة مطهرة من ادران الدنس البعثي الصدامي هي من سيتعامل معها الناس على انها قائمة عراقية ووطنية..وهي من ستجد الجماهير تلتف حولها وتدافع عنها وتدعم تقاربها مع القوى الاخرى المؤمنة بمبدأ الحرية والاستقلال والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة واحترام الاخر..وبغير ذلك لن تكون لها اي فرصة في الامساك بزمام الامور حتى لوكانت ورائها كل دول الاعتدال او الاعوجاج العربي.. وحتى لو بذلت الاموال وطيبت الخواطر ووزعت النياشين..وحتى لو كان ستيفنسون وجون بايدن خلفهم ظهيرا..
التعليقات (0)