مواضيع اليوم

خطوتان نحو الامام قراءة في الثنائية

شريف هزاع

2009-11-04 11:24:40

0

خطوتان نحو الامام قراءة في الثنائية

شريف هزاع شريف

(الاخوة الافاضل يرجى منكم التنويه لموضوعنا في حالة تنصيصكم منه او نقله الى موقع اخر ولكم منا الشكر والتقدير)
ان مراجعة فهمنا ومنطلقاتنا المعرفية التي اساءت فهم الدين والفلسفة على مر العصور امر في غاية الاهمية لان مقررات تلك نتائج ابتعدت عن الموضوعية وانتهت الى غيوم لا تمطر ابدا ؛ فبات ضروريا ان نخطو الى الوراء خطوة واحدة لأجل التقدم خطوتين الى الامام ، هاتان الخطوتان تحدد لنا الفهم الصحيح للدين والفلسفة وادراك الابعاد الحياتية والتواصلية والسلوكية لهما ، وادراك اهمية كل منهما في تطوير الانسان العقلي والروحي ، بوصفهما توضح لنا كثيراً من الافكار والاسس والحقائق واهمها ؛ ابعاد ما الصق من قبل بعضهم على ان الدين شكل سلبي للتفكير وتقيدا للحرية وخرافة قديمة ومصدراً للتخلف ، دون ان نتجاوز مسألة في غاية الاهمية وهي ان الفلسفة اعتبرت لقرون طويلة بانها فكر نخبوي منعزل ، الا انها لم تصبح كذلك في هذا القرن بل اكتسبت بعدا شعبيا كبيرا وان اختلفت التسميات وابتعدت عن نعتها بالفلسفة ، الا انها تماهت مع كثير من العلوم والمعارف والفنون والسياسات والافكار والفضائيات والاعلام ... الخ واذا اردنا ان نوضح ونظهر الجذور الفلسفية لاي موضة فكرية او اعلامية وتواصلية وشعبية وتداخلها الصميمي في تلك الافكار فاننا لن نحتاج الى جهد كبير في تبيان ذلك .
هذا ما دفعنا الى رصد اهمية تلك الخطوتين في الحياة الفكرية والعقلية للانسان (الدين والفلسفة ) وفهم اهمية كل منهما في حياتنا وتطورنا العقلي ، وعدم اساءة فهم اي منهما هو في حقيقته مشروع كبير ، وهذا ما سعى اليه ابن رشد والكندي من قبل وكثير من المفكرين والفلاسفة في الشرق او الغرب ، ففهم كل منها مسألة جوهرية نؤكد عليها هنا ، ونؤكد ان كل منهما يوسع فهم الاخر ويعمق نظرتنا للكون والعالم والانسان ، وما يجب ان نفهمه لان الفلسفة في حقيقتها تعمل على ابراز الضرورات الحياتية ، وانها ليست مقلصة او مزاحمة للدين ، كما انها لم تدع يوما انها منظومة دينية ، ولم تعلن انها دين بديل ، ولا غاية نهائية ، بل وسيلة للفهم والادراك والتحليل ، وان وظيفتها هي ايصال الانسان الى حقائق نهائية ، فهي تهتم بالحقائق الالهية التي تحيط عالمنا البشري ، واستطاعت عبر العصور والازمنة ان تؤكد انها تزود الانسان بأليات الفهم والادراك والوصول والاستدلال والتحليل والاستقراء والبناء والتكوين والنظر في الطبيعة وما وراء الطبيعة ، من اجل ان تصنع وتوضح البراهين الضرورية وبناء المفاهيم العامة والخاصة للحياة العقلية والفكرية للانسان والحضارة والثقافة من عوالم مجردة ومحسوسة وطبيعة واشياء ... الخ ، لذا لايمكن اعتبارها متعارضة مع الدين ، برغم من ان هناك فلاسفة ومدارس اساءت فهم الدين وصنعت مطبات وهوة كبيرة حين ارادت ردم حفر صغيرة في جدارنا الفكري.
ان فهمنا للدين كما هو الحال في فهم الفلسفة وتاريخية الافكار وانساقها واشكالها سيسهل علينا اظهار العلاقة بين الدين والفلسفة ، فبينهما كثير من التشابه والعلاقات الظاهرة ، وان قضية الدين الذي اصبح " ظاهرة عالمية " كما قال الرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش ؛ قد يجعل من الفلسفة هي ايضا ظاهرة الا انها ليست عالمية كونها اكتسبت هذه الصفة مع مرور الزمن ، بل انها اليوم استطاعت ان تكون ظاهرة شعبية بعد ان كانت نخبوية ومنعزلة ، هذا ما يدفعنا للتفكير في الدين الذي هو في حقيقته ظاهرة انسانية وشعبية يرفض النخبوية والانعزال والفئوية ولايمكن تعريفه بصلاة وصوم وحج ومسجد وكنيسة ومعبد ، بل هو حركة تواصلية بين الله والانسان والعكس ، وبين الانسان والانسان ،وعلينا من هذا المنطلق ان نفهم الدين بوصفه جوهراً واحداً غير متكثر بالمذاهب والتأويلات الارضية والانطباعات الشخصية والامر نفسه ينطبق على الفلسفة ايضا ، لان الحقائق الكبرى في حياتنا الفكرية والواقعية انما هي في حقيقتها جوهر بسيط غير مركب من قضايا وتأويلات وتعليلات وتكثرات ، بل هي جوهر بسيط واحد وحقيقي قام اخرون بتدخلات قد لاتمت للحقيقة بصلة ، وذكر عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه انه قال " العلم نقطة واحدة كثرها الجاهلون"
ان الدين و الفكر الانساني في حقيقته يجب ان ينظر اليه بلا فوارق ولا انطباعات ومذاهب وانتماءات وشخصيات ، فكل ذلك يمكن ان يوضع بين قوسين بوصفه مداراً للبحث والدراسة والتنقيب هما (السلطة والتاريخ ) ، وحين يكون الدين تواصلا وعلاقة موضوعية بين المطلق والنسبي وموازنة بين المادية والمثالية والعقل والروح ، وقتها لن تسعفنا اياً من العلوم و المصطلحات في ايصال هذه الدعائم وتوضيحها سوى الفلسفة ، وحين تريد الفلسفة ان ترتقي الى واحة الروح والاطمئنان والنتائج النهائية ، فانها تحتاج الى ما يؤطر ذلك الجهد البشري من خلال قيمة عليا اسمها ( الوحي).
في هذه العجالة ليس مهما في نظرنا ان نؤسس لفلسفة عربية او اسلامية او توفيقية تكون صدى لمشروع الكندي وابن رشد وتوضيحا لاعتراضات الامام الغزالي ، ولاتنوخى طرح القضايا الكبرى او التحاور بمسألة الوجود والانطولوجيا ، انما يهمنا ان يكون تداول الفلسفة سهلاً وغير معقد ، تلغى فيه الحواجز الطبقية والنخبوية والتقيدات والالتواءات ، وعلينا ان نؤكد للاخر ان الفلاسفة ليسوا كائنات فضائية ابدا ، وهذا الامر ينطبق على الدين ايضا فاول مايجب فعله هو اخراجه من بوتقة التأويل الشخصي والظني وغير العلمي والارتجالي والخطابي والشعري وجعله منظومة برهانية يرتقي فيها الفرد والمجتمع عقليا وحضاريا وروحيا وعقليا ، لكن ما نجده اليوم للأسف ان ثلاثة متون من القرن الرابع او الخامس الهجري تصنع لنا رجل دين خلال شهر واحد ، وربما شيخا يتصدر الافتاء لكنه لايعرف انه "حجر واسعا"، مع هذا لن نجد الامر مماثلا في عالم الفلسفة فليست القضية مجرد متون فقط ، بل عصور ومذاهب ورجال وافكار ومقدرة على الايصال والتواصل والفهم وسلامة الادراك والتحليل والاستنباط والحدس وكثير من الامور الاخرى مع هذا لن يسمى فيلسوفا ، فالفرق بينهما ان الاول يمكن ان يكون رجل دين ونخبوي وكهنوتي ويشكل مع مرور الوقت طبقة معينة ، والثاني سيحتاج الى كثير من الاعوام كي يطلق عليه (مفكر) وعليه قبل كل شيء ان يتحمل ما سوف يواجهه من سجالات وجدالات ومناظرات وقتها يمكن يكون جديراً بـ (لقب مفكر) ، القضية هنا ليس انتصارا للفلسفة او انتقادا لبعض المظاهر الدينية ، انما محاولة لفهم حقيقة كل منهما بعيدا عن الهوامش والرتوش ، فالفلسفة لاتحتاج الى عمليات تجميلية كي تبدو كذلك ، انما نحتاج الى كثير لفهم الجوهر الحقيقي للفلسفة ، او الدين ، بعيدا عن تلك الهوامش التي اصبحت للاسف متنا ثم اكتسبت بعدا مطلقا للحقيقة وكأنها النهاية والخاتمة لكل شيء واصبح الجوهر البسيط والسهل في غاية الصعوبة والتعقيد والتشعب وبتنا في معزل عن قلب الدين وحقيقته واننا نعيش على حواشي فهمه وشروحات شروحات الاصول.
هذا الامر سيوصلنا الى نقطة جوهرية مهمة ، انه ليس هناك تعارض بين الدين والفلسفة وان محاولتنا هنا كما اشرنا ليست كندية او رشدية ، وانما محاولة تظهر حاجتنا الى المنهج الفلسفي والتحليل الفكري الموضوعي في كثير من الامور ، هذا المنهج في حقيقته لايمكن ان يكون ابدا متعارضاً مع المنظومة الدينة ، على الرغم من اننا لاننكر ان هناك بعضا من الافكار والمذاهب لاتمت للمشروع الاسلامي الفلسفي بصلة وليس بينها وبين الدين عوامل مشتركة مع هذا يمكننا رصد ذلك بسهولة ، ان قضيتنا هنا هو ايجاد جسور تواصل لا نقاط فواصل ، وهي قضية تعشيق ومسننات ومتفقات وليس قطيعة وتوتر وعداء ، وليس مهما هنا ان نكون مع الغزالي او ابن رشد ، لكن المهم ان نفهم منطلقات كل منهما ومبرراتهم وصوابهم والسر الذي يجمعهم وليس النقاط التي تفرقهم وتفصلهم عن بعض فالاختلاف بينهما يمكن لاي دارس ان يقوم برصده وهذا ما دفعنا ان نذكر من جملة ما يمكن ان يولد المذاهب والتيارات والاختلافات هو دور السلطة والتاريخ في ذلك وما نريده من الفلسفة او الدين هو ان نخرجهما من غياهب التاريخ والسلطة ومنظومة التأويل التي اصبحت على مر الايام متنا في حين انها ولدت كهامش فهم وادراك وليس حقيقة نهائية كما تدع ، الفلسفة التي نقصد ليست افلاطونية او ارسطوية ولا غزالية ورشدية بل فلسفة حقيقية تؤمن بالتواصل بدأت مع الانسان الاول وليس في حضارة اوامة اوقيصرما ، لقد بدأت في كهف صغير امام شعلة نار تجمدت عليها الاعين في ظلام حالك لتنطلق تلك الماذا الكبرى والدهشة الرائعة التي ارخت للفكر الفلسفي ، واذا اخذنا بمقررات اهم مدارس الانثربولوجيا والعلم الاجتماع نجد ان النظومة الدينة بدأت مع الانسان نفسه وفي نفس الكهف ذاك والحقيقة انهما ولدا اليوم نفسه والساعة نفسها .
دعوني اعرج معكم الى قصة قد اتفقت عليها كل الديانات الكبرى والسماوية والوضعية وهي ( ادم وحواء) التي قال عنهما عزوجل " اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ " سورة البقرة الاية - 35 - وهنا يطرح السؤال نفسه ، هذه الزوجية عددية ام معنائية اسست لفعل سيعرف فيما بعد ؟ يقول اهل التفسير وهم اعلم منا في هذا الامر ان ادم وحواء عقد عليهم عقد زواج قبل ان يسكنا الجنة او يتلامسا ، لان قضية الحلال والحرام عرفت فطريا عندهما ! لكن اذا كانت حواء في لحظة الخلق الاولى تطلب الزواج من ادم ، فعن اي حلال وعقد زواج سنتكلم ؟!!! فهل الثنائية تلك ولدت ثنائية فكرية اسمها زواج /زنا ، حلال/ حرام ،حق / باطل ، انسان / شيطان ، خير / شر... الخ ولماذا ؟ هنا في هذه النقطة يمكن دراسة الثنائية التي ولدت من رحم الخلق ككل على الرغم من ان بعضهم قد غالى في امر الثنائية وجعل منها ثنوية دينية قسمت العالم الى قسمين يتعبد جانب ويتجنب اخر ، وحين يرفض الدين الثنوية الدينية فانه لايرفض الثنائية الفكرية التي من خلالها يكون الفهم والتمييز والادراك ، والفلسفة هنا في هذه النقطة ليس رافضة او موافقة على الثنوية الدينية والفكرية والثنائية التي ولدت الافكار والمعاني ، بل كل ما تفعله هو الرؤية والتحليل والسؤال والتعليل ، فهي تحاول اكتناه وايجاد الحقيقة وليس الحكم عليها كما انها تدرك جيدا الوحدة والكثرة وتعتبرها مدارا للفهم والادراك وتعرف بحكمة بالغة ان حواء ترجع في خلقها وتكوينها وحقيقتها الى ادم وانها تمثُل اخر للحقيقة ولون جديد للحياة ومنها تدرك ان الكثرة ولدت من الواحد والفرق بينها وبين الدين انها تدرس الكثرة اما الدين فيقول يجب عبادة الواحد .
هذه الثنائية والكثرة سيكون لها دور كبير في فهم وادراك الوجودوالحياة وان منظومة الادراك والفهم البشري لايمكن ان تنطلق الا من ثنائية تقسم الموجودات والمفاهيم والمعاني الى ازواج متضادة او متباينة كـ الحب/ الكره، الوجود / العدم ، الحياة / الموت ، الحلال / الحرام ، الحق / الباطل ، او اي ثنائية يكون لها دور في اكمال وتعميق صورة الاخر فمن الحمق ان يقول احد ما ان الدين يشكل (تضادا وتباينا) مع الفلسفة لكن الحقيقة يمكن ان تكون في لب هذه الثنائية حين نقول ان الفلسفة تعمق تصورنا للدين وانها لايمكن ان تكون متعارضة معه ابدا لان الضد الحقيقي للدين هو الالحاد والفلسفة ليست كذلك ابدا لانها لون من الايمان لم نعرف بعد ابعاده الروحية .

 

 

هذه الاوراق كان من المخطط لها ان تشارك في الندوة التي اقامتها جامعة الموصل / كلية الاداب قسم الفلسفة يوم الاربعاء 14 – 10 – 2009 ووجه لنا دعوة للمشاركة في اعمال الندوة الا انه تم حذف مشاركتنا في اليوم الذي سبق الفعالية ولاسباب مجهولة لانعرفها لذا كان لابد لنا من التنويه لهذا الامر مع الشكر للدور الايجابي الذي قام به الاستاذ موفق ويسي رئيس قسم الفلسفة والاساتذة الذين شاركوا بالندوة فلهم مني الشكر والتقدير لما ابدوه من اهتمام في قضيتي ..
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات