مواضيع اليوم

خطر الاسلام السياسي حقيقة ام افتعال ؟

حسن الطوالبة

2011-11-26 15:47:23

0

 

خطر الاسلام السياسي بين الحقيقة والافتعال ( دراسة )


حسن محمد طوالبه 
الحوار المتمدن - العدد: 3557 - 2011 / 11 / 25 - 15:11 
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني 
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

 

 

في البداية لا احب استخدام مصطلح " الاسلام السياسي " , بل استخدم الحركات الاسلامية من منظور سياسي , او الحركات السياسية المغطاة بغطاء الدين . لان الحوار في شأن الدين كعقيدة وشريعة وقصص واخلاق , غيره في شأن الاحزاب او الحركات السياسية التي تسمي نفسها باسم الدين .الحركات السياسية الدينية حالها حال الاحزاب الاخرى العلمانية اليسارية والقومية , تسعى الى السلطة , وكل منها يدعي امتلاكه الحل لكل القضايا والمشكلات التي يعاني منها الانسان . وكثيرا ما ادعت الحركات الاسلامية انها تملك الحل لكل المشكلات , وقد ثبت انها من خلال بعض التجارب القليلة في ـ السودان وايران وافغانستان والعراق ـ لم تستطع تقديم حلول عملية للمشكلات اليومية بما يتماشى مع مسار العصر .
لقد تعددت تسميات الحركات السياسية الدينية فمنهم من سماها ( التيارات الاسلامية ) او ( الصحوة الاسلامية ) او ( اليقظة الاسلامية ) او ( البعث الاسلامي ) او (الاسلام المسلح ) او (الاصولية الاسلامية) . وقد استخدم مصطلح ( الصحوة الاسلامية ) كثيرا من قبل الجماعات والحركات التي تسعى الى اقامة ( الدولة الاسلامية ) ومجتمع اسلامي جديد , وحكومة اسلامية تحافظ على الدين وترعى شؤون الامة , بمعنى ان قسما منها حدد هويته بالاسم الذي اختاره .
يرفض بعض الكتاب الاسلاميين مصطلح الصحوة الاسلامية لان الاسلام لم ينم , ولم يغب عن الوعي حتى يصحو ,ولكن الصحوة هي للمسلمين الذين جمدوا وتخلفوا , وغاب عنهم الاجتهاد والابداع والابتكار في العلم والاختراع والصناعة والطب وغيرها , ويرى اخرون ان الصحوة شكلية ,
تركزت على الخمار والجلابيب والدشاديش القصيرة واللحى الطويلة .
اما مصطلح الاسلام السياسي فيشير الى ظاهرة محلية وعالمية , وهي ظاهرة قديمة موصولة الحلقات , وليست حديثة او مستحدثة , كما انها ظاهرة مركبة لها ابعاد فكرية ونفسية واجتماعية وسياسية ,وتتسم بقوة الجذب الشعبي والانتشار الواسع بين الشباب ,بسبب الواقع الرسمي المقصر في تقديم الخدمات للمواطنيين , كما ان فيها رومانسية تبشر بالفردوس .
مصطلح الاسلام السياسي يعني : الحركات السياسية الاسلامية , وهي بمثابة الاحزاب الاخرى , من حيث الاهداف والتنظيم وألية العمل .

ولهذا فقد قررت تبديل أسمائها باعتبار ان الاسم يعد مظهرا خارجيا لا يؤثر تبديله على المضمون والتنازل عن الاسم لا يعني التنازل عن المضمون .
اضافة الى ان بعض الحكومات اشترطت تغيير اسم الحركات عند طلبها رخصة العمل السياسي العلني , ومن الحركات التي بدلت اسماءها :
ـ حركة الاتجاه الاسلامي ـ تونس , اصبح اسمها : حركة النهضة .
ـ الجماعة الاسلامية ـ المغرب , == = : حزب التجديد الوطني .
ـ الجماعة الاسلامية ـ الجزائر , = = : حركة النهضة . 
ـ الاخوان المسلمون ـ الاردن , = = : جبهة العمل الاسلامي .
ـ جماعة الاخوان ـ مصر = = : حركة العدل .
تصنيف الحركات الدينية :
..................................
يصعب حصر الحركات الدينية تحت عنوان واحد , او تصنيفها في خط واحد او اتجاه معين . لان الحركات الاسلامية متعددةالاتجاهات والاهداف , فمنها دعوي او حركي مقاوم .
وقد صنفها ابراهيم بيومي الى اربعة تيارات :
1 . التيار الثوري ( العنفي ) .
2. التيار الاصلاحي .
3. التيار الفكري التنويري , اي تيار العقل .
4 . التيار الرسمي او الحكومي وهم الخطباء ووزارة الاوقاف .
وصنفها محمد عمارة الى اربعة قطاعات : 
1. الجمهور الذي انجرف نحو الالتزام الاسلامي .
2. قطاع المشتغلين بالفكر غير المنتظمين في جماعات .
3. الحركات الاسلامية الكبرى مثل الاخوان المسلمين .
4. قطاع الشباب الغاضب الرافض .
وصنفها عبد الستار الراوي الى خمس اتجاهات :
1.التيار التقليدي الذي تمثله جماعة الاخوان .
2.التيار المذهبي ويمثله تيار ايران ( حزب الدعوة , حزب الله ,حزب العمل , جند الامام )
3 .التيار الجماهيري ـ الايديولوجي مثل : حماس , الانقاذ الجزائرية , الجهاد في مصر .
4.تيار الرفض يمثله ( التكفير والهجرة , جماعة السيف , الجهاد , جند الله ) 


5 . التيار العقلاني , يمثله مجموعة من المفكرين ممن اعتمدوا المنهج النقدي التحليلي .
رغم وجاهة هذه التصنيفات الا ان معظم البحوث ـ وانا منها ـ تميل الى اعتماد تصنيفين هما : التيارات المعتدلة ( الوسطية ) , والحركات المتطرفة او الثورية التي اختارت السيف .الحركات المعتدلة تأخذ بالمنهج السلمي الدعوي . اما الحركات المتطرفة فهي التي تستخدم الوسائل الجهادية في الوصول الى تحقيق مشروعها او الوصول الى الحكم .
ان هذا التشتت في واقع الحركات الاسلامية يعود الى المحيط العام في العالم وخاصة في عالم الجنوب . فالعالم اصبح عدة عوالم ممزق بسبب الصراعات الداخلية , اضافة الى الظلم والاستبداد الذي يسود العالم بسبب الاحتلالات الغربية لدول الجنوب , او لظلم الانظمة الفردية في هذه الدول .

سمات الحركات الحركات الدينية 
..............................................
1 . جميع الحركات الدينية تبحث عن الشرعية في المرجعيات الدينية .
2 .العمل على احياء العقيدة وحث الناس على الالتزام باداء الشعائر بالسلوكيات والاخلاق الاسلامية .
3 . العمل على اقامة دولة اسلامية من خلال تنظيم يحقق هذه الغاية ,دولة تسهر على الانضباط في مبادئ الدين واحكامه , وهذا الهدف يشكل غاية ومقصد كل الحركات .
4 . تجمع بين السلفية والتجديد , بين التراث والمعاصرة , وتحكم الموازنة بين الثوابت والمتغيرات , بين الاصول والفروع .
5 . تميزت في بداية ظهورها بالتمركز على الذات ورفض الاخر او الاختلاف معه , ولذلك وقفت الحركات الدينية ضد التيارات القومية واليسارية .

6 . كما اتسمت في بداياتها بالانعزال ورفض الحوار والديمقراطية , وتغليب اسلوب الصراع على الحوار ,وايثار الجمود الفكري الذي يشل الحياة وحركتها ويقيد الفكر الجديد ويحصره . 
تنحصر انشغالات الحركات الاسلامية ـ حسب رؤية رفعت السعيد ـ في الوحدة الاسلامية والرغبة في اعادة اللحمة للصف الاسلامي الممزق , ولاسيما ان العالم يشهد تكتلات سياسية واقتصادية . والقضية الثانية التي تشغلها هي قضية فلسطين . والثالثة مواجهة الهيمنة الامريكية الطامعة في الثروات العربية . ومن اجل تحقيق هذه الاهداف تسعى الى استنهاض الامة من خلال مشروع النهضة والمقاومة .
المشروع الامريكي في المنطقة :
.........................................
لانريد الخوض في المرحلة الاستعمارية السابقة , فقد تمت معالجتها كثيرا من العديد من الكتاب العرب من شتى التيارات السياسية . بل نريد التركيز على المشروع الامريكي من قبل المحافظين الجدد , وبالذات عقيد بوش الابن .تلك العقيدة التي تريد اعادة تشكيل العالم سواء بالقوة العسكرية او بفتح المجتمعات امام النموذج الامريكي من خلال العولمة بكل مضامينها وملخص هذه العقيدة :
1 . الانتقال من استراتيجية الردع العسكري التي كانت متبعة ايام الحرب الباردة , الى استراتيجية جديدة تعتمد الاعمال الوقائية والضربات الاستباقية , بخاصة ضد الدول والحركات الاسلامية التي يعتقد بوش انها تشكل خطرا على مصالح امريكا القومية , وقد سمى هذه الدول بدول الشر او الدول المارقة او الحركات الارهابية .
2 . حشد المجتمع الدولي لمواجهة التحديات الخارجية , او مواجهة هذه الدول والحركات بمفردها كما فعلت في افغانستان والعراق , تحت شعار الدفاع عن النفس في اطار عمليات استباقية .
تعتقد هذه النظرية ان العالم سيكون افضل واكثر امانا , اذا تم القضاء على الحركات الاشلامية وعلى الدول التي تناصرها , وان مسئولية امريكا نشر الحرية في العالم , ومن اجل هذا الغرض " النبيل " لابد من القضاء على بؤر الشر في العالم .وتقوية التحالفات لهزيمة الارهاب العالمي , والعمل مع الاخرين لتفكيك النزعة الاقليمية , ومنع الاعداء من تهديد الولايات المتحدة او حلفاءها , ومنعها من امتلاك الاسلحة النووية او اي نوع من اسلحة الدمار الشامل .
تذرعت الولايات المتحدة في دعايتها بانها المدافعة عن الكرامة الانسانية , وحكم القانون , وحرية التعبير والعبادة والعدالة واحترام النساء والتسامح الديني واحترام الملكية الخاصة . كل هذه القضايا هي مطلب عامة المسحوقين في بلدان الجنوب , وهي بقناعتهم حبل النجاة والخلاص من المعاناة التي يعانونها يوميا , ولذلك فقد اوهمت البعض وساروا وراءها وطلبوا العون منها حتى وان كان باحتلال بلادهم .
لقد شكلت ( القاعدة ) في العالم من ابرز الاهداف المؤشرة في الخطة الامريكية , ولذلك كان من الضروري تشكيل تحالف دولي لتنفيذها لتعطيل حركة الحركات الاسلامية ومهاجمة قياداتها وانظمة التحكم والاتصالات والدعم المالي , والعمل المباشر ضدها , وشن معركة افكار ـ اي شن حرب نفسية ـ ضدها , وبالمقابل دعم الحكومات المعتدلة في الدول الاسلامية , وجعلها نقاط ارتكاز لمقاومة المنظمات والحركات التي تتبنى العنف , كما حصل في افغانستان وباكستان والعراق .
الحكومات العربية والحركات الاسلامية :
........................................................
وقفت غالبية الدول العربية موقفا سلبيا من الحركات او الجماعات الاسلامية منذ نشأتها عام 1928 ,على يد حسن البنا الاب الروحي لكل الجماعات والاحزاب والتيارات الدينية في الوطن العربي , اذ نهجت الجماعة طريقا مزدوجا بين السلم والعنف , ومعارضة بالكلمة والموقف , ومعارضة بالسيف , ابتدأها التنظيم السري لجماعة الاخوان المسلمين في مصر , ومن ثم بروز ظاهرة سيد قطب الذي نادى باقامة حكومة اسلامية , ومن ثم بروز حركات التكفير والهجرة التي اخذت طريق العنف لاقامة الدولة الاسلامية . وقد اغتالت الرئيس المصري انور السادات 1981 .
يمكن القول ان الانظمة العربية حاربت الحركات الدينية الاسلامية ما عدى الاردن والسعودية ودول الخليج العربية . اذ منحت الاخوان المسلمين فرصة العمل والتنظيم , على حساب الاحزاب الاخرى اليسارية والقومية . 
وكانت السعودية الملاذ الامن للاخوان المسلمين عندما يلاحقون من الانظمة العربية , كما انها كانت الممول المالي للاخوان والاحزاب الدينية السياسية في البلدان العربية , الامر الذي منحها فرصة الاستثمار وانشاء المؤسسات الاقتصادية التي اهلت الاخوان لتأمين فرص عمل للمنتظمين فيها وانصارها , وهذا الواقع شجع الشباب العاطل عن العمل الانتماء الى الاخوان بدافع مصلحي في بعض الاحيان .
المطاردة التي لحقت بتنظيمات الاخوان من الانظمة العربية , دفعت الجماهير الحاقدة على هذه الانظمة الى تأييد احزاب الاخوان نكاية بالحكومات المقصرة بحق الجماهير . وهذا ما حدث في الانتخابات البرلمانية في اكثر من قطر عربي , اذا صوتت الجماهير الى جانب الاخوان نكاية بالحكومات , اضافة الى الدافع الروحي لدى البسطاء من المواطنين , واعتقادهم ان الاسلام هو الحل لكل المشكلات التي يواجهونها في الحياة اليومية .
واصلت الانظمة العربية موقفها السلبي من الجماعات الاسلامية السياسية , واستخدمتها فزاعة لتخويف الغرب من تسلمها السلطة في اي قطر عربي .
الاحزاب الاسلامية والديمقراطية :
................................................
لا اريد الخوض في معنى الديموقراطية فقد كتب الكثير حولها , ولكني اقول جملة واحدة " ان الديمقراطية ليست طريقا للوصول الى السلطة او الحكم , بخوض صراع تنافسي مع القوى والاحزاب الاخرى ,ولكنها برأيئ هي طريق للحياة ,ونظرة شمولية للحياة " . 
الحركات الاسلامية رفضت خلال مسيرتها الطويلة قبول مصطلح الديمقراطية , بدعوى انه من صنع الغرب الذي ظلم العرب والمسلمين وأّّخر مسيرتهم في التقدم . ولكن هذه الحركات نادت ب" الشورى " كمصطلح ورد في القران الكريم " وامرهم شورى بينهم " و " وشاورهم في الامر" . كما وقفت موقفا سلبيا من القوانين الوضعية مثل الدستور لانها لم تقم ولم تتبنى الاسلام في كل مناحي الحياة . وتلتقي الحركات الاسلامية مع الضمير الجمعي للجماهير العريضة ودليلها " اننا نعيش في ازدواجية مثيرة يجري في ظلها القبول بالديمقراطية على المستوى الوطني , بينما يتم الانقلاب على الديمقراطية في المحيط الدولي الذي يحتكم في حسم اموره الى معيار القوة , فالقرار للاقوى الاستسلام للضعفاء , وكبار الديمقراطين في بلدانهم هم انفسهم عتاة المستبدين في الساحة الدولية .

تطرح الحركات الاسلامية رؤيتها للحكم في الدولة الاسلامية بأن الولاية فيها للامة , فهي صاحبة الاختيار في الامامة او الرئاسة , وهي المخولة في عزله . المجتمع مكلف باقامة الدين وعمارة الدنيا ورعاية مصالح العامة . الحرية للجميع , والمساواة بين الناس , فكل المواطنين لهم حصانة وكرامة والتفضيل بينهم في الاعمال والتقوى . الظلم محرم ومقاومته واجبة , والظلم منكر ويعد من فساد العمران وعدوان على حق الله وانتهاك لقيم العدل .القانون فوق الجميع , والمقصود هو القانون الاسلامي القائم على المساواة والعدل . 
السؤال هو : هل يقف الاسلام موقفا سلبيا من النظام الديمقراطي ؟ 
يجيب عبد الاله بلقزيز على السؤال بانه لايوجد في النصوص المرجعية الاسلامية ( القران والسنة ) تشريعا للسياسي , اي ان المجال السياسي ترك لسلطة الاجتهاد وسلطة العقل , وليس لاحد ان يفتي فيه بحكم نهائي لفقدان الفتوى اسانيدها الشرعية التي ستقوم بها كسلطة .
النصوص في القران والسنة تركز على قيمة العدل في الحكم , وكذلك التركيز على الشورى في ادارة شؤون المدينة المنورة , وهذا يؤشر ان الاسلام نص على احترام حق المشاركة العامة في ادارة شؤون الجماعة , وعلى كسر قاعدة الاستبداد . ولهذا فالجماعات الاسلامية تتشبث بمصطلح الشورى لانه امر الهي الى الرسول واصحابه من بعده .وهذا الامر في مضامينه لا يتناقض مع الديمقراطية . اذ قد لا يكون النظام الديمقراطي الحديث افضل نظام يكفل الحقوق ويؤمن العدالة , ولكنه الاقدر على كف اعتداء الحكام على حق الجماعة وصون حقوقها السياسية من الاهدار وتمكينها من المشاركة في ادارة شؤون الناس العامة .
الولايات الامريكية والديمقراطية 
..........................................
يبدو للعيان ان الولايات المتحدة تناصر الديمقراطية في بلدان المنطقة والاقليم , وفي الوقت نفسه تقف ضد خيارات الديمقراطية للقوى المعارضة لانظمة الحكم الموالية للادارة الامريكية , كما حصل في تدخلها في ايران عام 1953 دعما للشاه ضد حكومة محمد مصدق التي كانت تحظى بتأييد الجماهير المناهضة لحكم الشاه , ولاسيما بعد ان قام مصدق بتأميم حصص بعض شركات النفط الاجنبية في بلاده .
وقفت الادارة الامريكية موقفا حذرا من فوز الحركة الاسلامية في الجزائر عام 1991 ـ 1992 ,في الانتخابات البرلمانية , وشجعت الدول الاوروبية التي ساندت الانقلاب العسكري ـ انذاك ـ الذي صادر حق الاسلاميين في الحكم .كما وقفت ضد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 .
شكلت تجربة جبهة الانقاذ في الجزائر نقطة فارقة في المسار السياسي للحركات الدينية عندما دخلت الانتخابات المحلية والانتخابات البرلمانية , ومن ثم فوز الجبهة في تلك الانتخابات , شكلت صدمة للقوى الغربية وخاصة فرنسا , وقد وجد كثير من الباحثين العرب ـ وانا منهم ـ ان التجربة الجزائرية سوف تتبعها تجارب اخرى في بعض الاقطار العربية ,نظرا لان الانظمة المتسلطة قد اوقعت اذى كبيرا لابناء الشعب , ووجدوا في الجماعات الاسلامية الحل لمشكلاتهم في الحياة والحرية والعدل والمساواة .
كان السؤال في حينه والان . كيف نفهم دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في الوقت الذي تدعم فيه انظمة ديكتاتورية متسلطة على رقاب الجماهير ؟
وكيف نفهم دعمها للديمقراطية وتقف ضد ارادة شعوب المنطقة عندما تنتخب قوى سياسية تعارض سياستها , وخاصة سياستها في قضية فلسطين ؟ . لايخفى على المراقب ان سياسة الولايات المتحدة تحكمها المصالح , فهي تدعم الانظمة الاستبدادية لانها تملك ثروات نفطية او انها تمنحها قواعد عسكرية فوق اراضيها .او انها ساكتة على افعال اسرائيل , او انها تتعاون معها وتشكل حاجزا بشريا وجغرافيا معها ,او انها كانت تقف ضد الشيوعية وضد الاتحاد السوفيتي السابق . 
لم تكن الديمقراطية تشكل اهتماما كبيرا في السياسة الامريكية في المنطقة اثناء الحرب الباردة , لكنها صارت ذات اهتمام بعد الحرب الباردة وبعد توقيع اتفاقيات الصلح مع الكيان الصهيوني , اتفاقية كامب ديفد 1979 ,واتفاقبة اوسلو 1993 , واتفاقية وادي عربه 1994 . كما اصبحت قضايا الاصلاح والديمقراطية من اولى اولويات الادارة الامريكية في الشرق الاوسط , وقد فرض التقدم الهائل في حقل الاتصلات واقعا جديدا في العالم , وابدى العالم اهتماما بارادة الشعوب وخياراته السياسية من خلال مؤسسات وطنية واقليمية ودولية , تدافع عن حقوق الانسان وحقوق المرأة والطفل , وصارت المنظمات الاهلية سيفا مسلتا على رقاب الحكومات , وتعري ممارساتها اللاانسانية ضد ابناء الشعب .
بالنسبة للمنطقة العربية لم تعبه الولايات المتحدة بحقوق الانسان الا اذا كانت هذه العناية تقدم بعض الفائدة لها وتضمن مصالحها , وخاصة ضمان تدفق النفط بالكميات التي تحتاجها وبالاسعار التي ترضيها , وتضمن امن اسرائيل , وتحول دون وصول الارهاب وادواته الى الارض الامريكية والى حلفائها الاوروبيين بالذات . وعليه فان اي اضطراب في مناطق ابار النفط يؤدي الى عدم تدفق النفط بالكميات المطلوبة اليها .
تدرك الولايات المتحدة ان خيار الديمقراطية قد يقود الى انتاج برلمانات تعادي اسرائيل , وتقف بالضد من السياسة الامريكية , وبالذات ازاء قضية فلسطين , ودعمها اللامحدود الى الحكومات الاسرائيلية . ولكنها اذا ضمنت ان نتائج الانتخابات ستنتج برلمانات غير معادية لسياستها , وغير معادية لاسرائيل , فانها تؤيد استلام الاسلاميين للحكم . وهذا ما يظهر في موقف الادارة الامريكية من الانتفاضات العربية الراهنة .
وقبل الانتفاضات العربية نصح بعض الكتاب والمفكرين الامريكان ادارتهم 
بضرورة الحوار مع القوى الاسلامية وفتح قنوات اتصال معها ,وقد نصح (وليم كوانت) ادارته بضرورة ان تتخذ موقفا ازاء الحركات والحكومات الاسلامية على اساس دراسة كل حالة على حده, كما راى انه من العبث جمع كل التيارات الاسلامية في سلة واحدة .
لماذا نهضت دول في اسيا وامريكا اللاتينية ولم تنهض الدول العربية ؟
يمكن القول ان اسباب الجمود تكمن في وجود نظم سياسية اجتماعية متخلفة عن روح العصر , وسيطرة عائلات على مقاليد الحكم تلتزم بتقاليد بالية رغم تزايد اعداد المتعلمين , وبالمقابل توجد قوى اصولية تعمل تحت غطاء الدين , ترفض المعاصرة والحداثة , وتتمسك بالقديم تحت غطاء الدين , اضافة الى تنوع المحتمعات العربية قوميا ودينيا وطائفيا .
تكمن النظرة الغربية للديمقراطية والتحول نحو الديمقراطية في ضرورة وجود درجة من درجات اقتصاد السوق , مع تقلص قطاع الدولة , اي القطاع العام . ولكن نظرة الاصلاح التي نادت بها الادارة الامريكية زمن حكم بوش الابن , كانت نظرة بعيدة عن روح الاصلاح الحقيقي الذي يراعي حياة المواطنين المعاشية , لانها ركزت على بيع القطاع العام ,تحت باب الخصخصة , فهذه الوصفة عادت على المواطنين بمزيد من المشكلات 
حيث ازداد عدد العاطلين عن العمل , كما ارتفعت الاسعار , ونتيجة هذه السياسة الفوقية اختفت الطبقة الوسطى , وانقسم المجتمع العربي بين طبقتين : فقيرة وغنية فقط . هذه الاوضاع زادت من سخط الجماهير على حكامها المتسلطين المرتبطين بالغرب والولايات المتحدة خاصة, الامر الذي منح الحركات الاسلامية فرصة الكسب والترويج لشعارها المعروف " الاسلام هو الحل " .
الاسلام هو الحل ام هو الخطر ؟ .
الاجابة على السؤال الانف الذكر , جاء بعد فورة الانتفاضات العربية التي اسقطت ثلاثة زعماء واثنين على الطريق . وقد " تجر المسبحة " كما يقول المثل الدارج . بعد الانتخابات التونسية تعززالاعتقاد ما سبق ان قيل بخطر استلام الحركات الاسلامية الحكم في الاقطار العربية , ونيلها 40 بالمئة من مقاعد المجلس التأسيسي الذي سيصوغ الدستور الجديد , وينظم الانتخابات الرئاسية . والانتخابات البرلمانية في مصر قد تمنح الاسلاميين فرصة الفوز وبالتالي تشكيل الحكومة المقبلة , مثل هذه الفرصة تاتي بعد معاناتها الطويلة جراء ظلم انظمة الحكم المستبدة التي ظلمت الشعب كله .
الخوف او الحذر من فوز الاسلاميين ليس مقصورا على الغرب فقط , بل ان القوى والاحزاب العربية اليسارية والقومية لن تخفي قلقها من هذا التصاعد في حركة الاسلاميين وطموحهم الى استلام الحكم من خلال صناديق الاقتراع .
هناك رأي مفاده ان الاسلاميين لن يستلموا الحكم في اي قطر عربي , لانهم يدركون حجم التحديات الى تواجه الامة العربية وبلادها , ولا يريدون ان يتحملوا وزر النتائج التي ستتمخض عنها الفوضى التي يسعى اليها الغرب , كما وعدت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة غونزاليزا رايس .
ويرى الدكتور مروان المعشر وزير الخارجية الاردني السابق ان الاسلاميين لا يتمتعون بالشعبية التي يتصورها النقاد وصناع السياسة الغربيون , وانما جاءت شعبيتهم من سؤ ادارة الانظمة المتسلطة وحنق الجماهير عليها . كما ان القوى السياسية لا ترضى باستبدال الحكم الفردي بحكم رجال الدين , كما ان الشباب الذين اشعلوا الانتفاضات العربية لن يرضوا بحكم شمولي مرة ثانية , والاسلام كحل ليس كافيا لهؤلاء الشباب الذين يريدون وظائف وحياة افضل , كما ان تجارب الاسلاميين في بعض الاقطار العربية والاسلامية لا تشجع على تكرار التجربة . مع ذلك يبقى الخوف قائما من تسلم الاسلاميين الحكم , رغم الضمانات التي اخذتها الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي من الاحزاب الدينية بانها ستتعهد بالالتزام بكل التعهدات السابقة , اي بالاتفاقات مع اسرائيل , ومكافحة الارهاب , وضمان تدفق النفط بالكميات التي يحتاجها الغرب .

المصادر:
1 .حسن البنا , مذكرات الدعوة والداعية ( القاهرة : دار الاعتصام للطباعه .د .ت ) .
2 .محمد الرمحي , في , خليل علي حيدر , الصحوة الدينية وهموم الوطن العربي ـ ندوة عمان ( الكويت : شركة كاظمة للنشر) 1978 .
3 .عبد الستار الراوي , موجز بظاهرة الاسلام السياسي , بيت الحكمة , بغداد , 1998 .
4 . زكي احمد , تحولات ومتغيرات الحركة الاسلامية المعاصرة في الوطن العربي , المستقبل العربي , عدد 188 , 1994 .
5 .ابراهيم البيومي غانم , التيارات الاسلامية وقضية الديمقراطية , رؤية من خلال الحدث الجزائري , ندوة المستقبل العربي , عدد 170 , 1993 .
6 . رفعت السعيد احمد , وعمر الشوبكي , مستقبل الحركات الاسلامية بعد 11 ايلول , دار الفكر , دمشق ,2005 .
7 . عبد الاله بلقزيز , العنف والديمقراطية , دار الكنوز الادبية , بيروت ,2000 .
8 . صلاح الدين حافظ , صدمة الديمقراطية , القاهرة , دار سيناء للنشر ,1993 .
9 . فهمي هويدي , الاسلام والديمقراطية , في , الحركات الاسلامية والديمقراطية ( دراسات في الفكر والممارسة ) , مركز دراسات الوحدة العربية , 1999 .
10 . مروان المعشر ,الخطر الاسلامي مبالغ فيه , العرب اليوم , نقلا عن اوراق كارنيغي ,2011 . 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !