- تزوج 9 مرات وأنجب 26 ولدا ولم يكن يتضايق من النكات التي تقال عنه
- أكبر أبطال النكتة السياسية والاجتماعية بالمغرب.
- ظاهرة غير مسبوقة في المخيلة الشعبية.
- من هي الجهات التي فبركت النكت حوله؟
- حيكت أول نكتة أول ما رآه المغاربة.
- شخصية نصف واقعية ونصف خيالية أضحكت المغاربة أكثر من عقد من الزمن.
- كل يوم نكتة.
- شخصية استخدمت لتمرير مواقف جريئة في ظل مناخ ساده القمع والخوف وتضييق الخناق على حرية التعبير.
- نكت وجدت صدى وسط الحاكمين والمحكومين.
- ألبسه الملك سلهامه لكن ثقته به ظلت محدودة جدا.
- التحاقه بالمغرب ضربة قوية لمناوئي الوحدة الترابية.
- الجماني الرجل الذي أنقذ الصحراء مرتين.
- أنقذ نفسه بارتداء لباس النساء
- كان ينتظر إشارة من الحسن الثاني.
- رجل حكمة في عيون شيوخ القبائل
- ورث زعامة أكبر قبيلة صحراوية أبا عن جد.
- تعددت زوجاته لتحقيق تحالفات قبلية.
- ظل على اتصال بالملك الحسن الثاني منذ 1958.
- في رصيده أربعة آلاف ناقة أخذ البوليساريو نصفها.
- اختلف مع قادة جيش التحرير بخصوص إعداد انقلاب عسكري في الصحراء لإقامة جمهورية.
"النكت الجمانية" انتقاذ للنظام السياسي.
خطري ولد سعيد الجماني، ظاهرة غير مسبوقة في المخيلة الشعبية، حيكت حوله أول نكتة حالما رآه المغاربة على الشاشة الصغيرة، وظلت "النكت الجمانية" تضحك المغاربة ما يقارب عقدا ونيف.
شخصية استخدمت لتمرير مواقف جريئة في مناخ ساده القمع والخوف وتضييق الخناق على حرية التعبير، إذ نسج حوله المخيال الشعبي المغربي نكتا وجدت صدى كبيرا وسط الحاكمين والمحكومين، لكنه أنقذ الصحراء مرتين، لِيُعْلِن مغربيتها مباشرة بعد تلّقيه إشارة من الملك الحسن الثاني، بحيث ظل رجل حكمة في عيون شيوخ القبائل.
هوّة شاسعة بين صورة هذا الرجل في الواقع وكما تصوره النكت في المخيلة الشعبية، ملف هذا الأسبوع يحاول سبر أغوار هذه المفارقة.
الجماني ظاهرة غير مسبوقة في المخيلة الشعبي
يعد خطري ولد سعيد الجماني أحد أكبر أبطال النكتة السياسية والاجتماعية بالمغرب بدون منازع، لقد ظل شخصية حيكت حولها الكثير من النكت جعلت منه ظاهرة غير مسبوقة في المخيلة الشعبية المغربية.
فمنذ التحاقه بالمغرب وتقديمه البيعة للملك الراحل الحسن الثاني، صار خطري ولد سعيد الجماني شخصية معروفة لدى جميع المغاربة، صغيرهم وكبيرهم، الشيء الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل عن الجهات التي كانت تسهر على فبركة النكت حوله، لاسيما وأن أغلبها كان يمرر مواقف وأفكار سياسية واجتماعية قوّية في جو ظل مطبوعا بالخوف والقمع والترهيب وتضييق الخناق على حرية التعبير.
الانطلاقة
من النكت الأولى التي راجت بخصوص الجماني مباشرة بعد حلوله بالمغرب، تلك المتعلقة بلقائه الرسمي الأول مع الملك الراحل الحسن الثاني، وهي نكتة ظهرت بعدة روايات، منها "عندما شمله الملك بعطفه وغطاه بسلهامه، اقترب الجماني من الملك فقال له في أذنه: ما كاينش شي دفينة للوالدة وشي سريولات نعم أسيدي؟".
ومنذئذ تناسلت النكت والغرائب التي حيكت حول هذه الشخصية التي أضحكت المغاربة على امتداد عقد من الزمن على الأقل.
فترة الإزدهار
ازدهرت ظاهرة النكت حول شخصية الجماني في الفترة التي تلت المسيرة الخضراء، في سنة 1975، آنذاك أضحينا نسمع كل يوم أكثر من نكتة جديدة.
بالضبط منذ خريف 1975 بدأت تلك النكت تعرف انتشارا كبيرا، لكنها منذ الثمانينات لم تعد تعرف تلك الشعبية التي حققتها في بداية انطلاقتها.
وهذا من المؤشرات القوية التي تبرهن أن كل ما حيك حول شخصية الجماني كان بعيدا عن الواقع، إذ كان الغرض منه هو استعمال شخصه لتمرير مجموعة من المواقف والأفكار ذات دلالة بطريقة سخرية مبالغ فيها، وهذا يذكرنا بما كان يقوم به "بريخت" مثلا في استعمال شخصياته المسرحية العبثية لتمرير جملة من المواقف الجريئة.
إن أغلب النكت المحاكة حول شخصية الجماني تضمنت خطابا أنتجه المجتمع المغربي حول ذاته وحول الآخر.
في البداية حظيت تلك النكت بالإعجاب ووجدت لها صدى في مختلف فئات المجتمع المغربي، وسط الحاكمين والمحكومين على حد سواء، واستمرت في الرواج والانتشار على امتداد عقد ونيف من الزمن.
علاقة الجماني بالحسن الثاني
قبل انطلاق المسيرة الخضراء كانت هناك علاقات سرية تربط بين الملك الراحل الحسن الثاني وخطري ولد سعيد الجماني، حيث تبادلا الكثير من المراسلات، وقبلها بأيام معدودة قدم الجماني البيعة للملك في أكتوبر 1975، إذ استقبله الملك الراحل الحسن الثاني استقبالا رسميا من قبيل استقبال الرؤساء، وهذا ما صرح به الملك الراحل نفسه، إذ قال: "لم يسبق لي أن استقبلت مغربيا كما أستقبلك اليوم".
هل كان الملك يثق في الجماني؟
رغم أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يشيد بوطنية خطري ولد سعيد الجماني، وألبسه سلهامه، فإن ثقته به كانت محدودة جدا حسب المقربين.
علما أن التحاقه بالمغرب، قبيل انطلاق المسيرة الخضراء، شكل ضربة قوية لمناوئي الوحدة الترابية للمغرب، والذين كانوا يراهنون على موقف الجماني وتأثيره على سكان الصحراء، وقد تبع الجماني، مع مرور السنين كثير من أبناء الصحراء، ومن بينهم مجموعة من مؤسسي جبهة البوليساريو، وأغلب هؤلاء يشغلون الآن مسؤوليات في أجهزة الدولة المغربية.
ومنذ استقراره بالرباط في أواخر سنة 1975 بدأ خطري ولد سعيد الجماني يظهر بجانب الملك الراحل الحسن الثاني، ويحضر في الكثير من الاستقبالات والمناسبات الرسمية.
وذلك رغم أن أغلب النكت، ذات الطابع السياسي، التي جادت بها القريحة الشعبية، ظلت تصور الجماني كأنه يمرر، من حيث لا يدري، "ميساجات" قوية ذات دلالات كبيرة، عبر استعمال سذاجة منقطعة النظير في الحبكة، (مثل النكتة الخاصة بإحداث وزارة للبترول بالمغرب وما شابهها).
من كان يصب الزيت على النار؟
على امتداد عقد ونيف من الزمن ظلت النكت "الجمانية"، ذات الدلالة القوية تتناسل بدون انقطاع، واحدة أقوى من الأخرى، والأخيرة منها تنسيك في الأولى، فهل كانت هناك جهة بعينها تهتم بهذا الأمر؟
فهناك مصادر لا تخفي أن تكون جهات أمنية بعينها ساهمت في حَبْكِ جملة من النكت أو على الأقل سهرت على انتشارها وسط المغاربة بسرعة، لاسيما في بداية استقرار خطري ولد سعيد الجماني بالرباط.
ومن الملاحظ أن أغلب النكت حول الجماني، الموصوفة بالنكت السياسية، ظلت تحمل في طياتها حضور فكرة تمرير "أفكار" و"مواقف" و"أحكام قيمة" ذات دلالات سياسية آنية ومستقبلية قوية وعميقة جدا.
وفي هذا الصدد تم استعمال شخصية خطري ولد سعيد الجماني لتنسج حولها نكت قصد تمرير مواقف وآراء جريئة وقتئذ، تلافيا للقمع السائد، وقد انقض اليسار الراديكالي على الفرصة ومرر في هذا المجال أفكارا كثيرة عبر سذاجة شخصية الجماني كما دأبت على تصويرها المخيلة الشعبية.
الجماني والصحراء
لم يُعرف على خطري ولد سعيد الجماني مواقفه حول القضية الوطنية أو اضطلاعه بمهام خاصة بهذا الشأن.
إلا أنه حسب بعض المقربين لم يكن راض على المنحى الذي سار فيه ملف الصحراء، إذ ظل يعتقد، بحسرة كبيرة، أنه كان بإمكانه أن يلعب دورا أكبر في هذا المجال.
ورغم أنه كان يعين ضمن الكثير من الوفود التي قامت بزيارات عديدة عبر العالم بخصوص قضية الصحراء، إلا أن التاريخ لم يسجل له إلا الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بصفته رئيس الجماعة الصحراوية آنذاك، إذ صرح بترحيب شيوخ القبائل الصحراوية باتفاقية مدريد، وأعلن عن سعادتهم بعودة الصحراء إلى الوطن وتحرير سكانها بعد أربعين سنة من الاحتلال.
ظل شخصية وازنة داخل العشيرة
بالرغم من كل النكت التي نسجت حول شخصه، ظل خطري ولد سعيد الجماني الشخصية الوازنة الأولى في نظر المغاربة والفرنسيين والإسبانيين، وقد شوهد له بالدور الذي لعبه في الحفاظ على توازن صعب التحقيق بالمنطق وسط القبائل الصحراوية منذ أن عوض والده كشيخ على رأس أكبر قبيلة صحراوية، كما ظل وزنه قويا وسط عشيرته ودوره واضحا في المنظومة القبلية الصحراوية.
وبقي جزء من عشيرته لأسباب مجهولة في مخيمات تيندوف، علما أن عددا كبيرا من عائلته احتلوا مواقع مهمة في صفوف جبهة البوليساريو ومختلف أجهزتها المركزية أو في مخيمات الحمادة.
صراع أهل الجماني مع عشيرة خليهن ولد الرشيد
ظل هناك صراع قوي بين عشيرة خليهن ولد الرشيد وأهل الجماني، إلا أن كَفَّته ظلت دائما تميل لحساب الأولين. وهذا ما بدا بجلاء في انتخابات 2003، إذ رغم أن الأغلبية الساحقة كانت لأهل الجماني، غير أن السلطات المحلية ضغطت على الناخبين لتولي أحد أفراد عائلة خليهن رئاسة المجلس البلدي للعيون، وهو الأمر الذي أثار صراعا كبيرا تطلب تدخل جهات وازنة لإخماده عبر توافقات واتفاقات تمت وراء الستار.
لكن الصراع بين العشيرتين ظل قائما حتى الآن، غير أن عشيرة خليهن ولد الرشيد بقيت هي صاحبة الحظوة، إلى أن حقق خليهن مراده في مارس 2006 بتعيينه على رأس المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، بحكم امتيازه الثقافي وتكوينه المهني مقارنة مع أفراد أهل الجماني، وكذلك اعتبارا لوزنه في جملة من الأوساط الإسبانية.
وهذا لا ينفي أن عشيرة الجماني ظلت حاضرة بقوة في المجال السياسي في الأقاليم الصحراوية، إذ أن أولاده وأقاربه يشاركون في الانتخابات التشريعية والمحلية مساندين بقوة وثقل قبيلة البويهات، وأغلب هؤلاء منضوون تحت لواء أحزاب الحركة.
ومهما يكن من أمر، وبالرغم من كل النكت التي حيكت حول شخصه، ظل خطري ولد سعيد الجماني صاحب موقع ومهابة بين القبائل الصحراوية.
سعيد الجماني أمير الصحراء
بقدر ما امتلأ صدر الراحل الحسن الثاني غبطة وسرورا، امتلأ أيضا دهشة لم تترك مساحة شاغرة لآلاف الأسئلة المتناسلة داخله، تلك التي تولدت فور تلقيه خبرا غريبا عن زيارة عاجلة لرجل من طينة خاصة، وكم كانت حسب المقربين من القصر، فرحة الملك الراحل بادية على ملامح وجهه وهو يستقبل في بلاطه هذا الرجل الصحراوي، الأشبه بالمفتاح السحري لحل قضية الصحراء آنذاك.
استقبال الرجل (المفتاح) من طرف القصر، لم يكن بدافع التشاور أو شرح ما كان يخفى عن البلاد فيما يخص خبايا وأسرار وكذا دسائس الأعيان بالأقاليم الجنوبية، بل كان أكبر من ذلك بكثير، إذ استطاع ذلك الرجل الصحراوي القح، تمويه السلطات الإسبانية في وقت كانت قد بسطت فيه نفوذها على باقي تراب الصحراء المغربية، ليعود من ترابها (إسبانيا) عبر باريس إلى حضيرة الوطن سنة 1975، ولم يتوقف حتى وجد نفسه في رحاب القصر الملكي بالرباط وهو يقدم البيعة للملك الراحل الحسن الثاني، المشغول آنذاك بوضع اللمسات الأخيرة لمشروع المسيرة الخضراء، ومنذ ذلك العهد، أصبح اسم الرجل ذو الجذور الصحراوية، حسب بعض المقربين، منحوتا في أجندة الملك الخاصة، كممثل للقبائل الصحراوية، الذي لا يتردد الملك الراحل الحسن الثاني في المراهنة عليه، كورقة رابحة ضمن الوفد الممثل للمغرب في الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.
وليس الراحل الحسن الثاني وحده من أدرج الرجل في خانة الشخصيات المقربة والمحبوبة لديه، بل حتى المغاربة قاطبة كانوا ولا زالوا يكنون لهذا الصحراوي الذي لا يعرفون عنه سوى اسمه فقط شعورا خاصا، إذ لا يمر يوم واحد حتى يتردد اسمه على طرف أكثر من لسان كرجل نكتة حينا، وصانع المقالب أحيانا أخرى، إنه باختصار شديد المرحوم الحاج خطري ولد سعيد الجماني، الشخصية السياسية والمحور الذي رَاجَتْ حوله أكثر النكت المغربية تداولا.
ولد سعيد الجماني بمنطقة "ثلاثاء الخصاص" بنواحي مدينة كلميم سنة 1915، وقبل أن ينتقل إلى الصحراء عاش بعضا من طفولته بنواحي مدينتي كلميم وتزنيت، لينتقل وهو لا يزال طفلا صغيرا إلى منطقة في الصحراء على مشارف الحدود الموريتانية قرب "واد نين"، هناك، عاش الجماني طفولة متميزة في وسط عائلي محافظ، وقد استفاد من مكانة والده وقتئذ، الذي كان شيخا لإحدى أكبر القبائل المنتمية لـ "ركيبات الشرق"، وينحدر سعيد الجماني من قبيلة البيهات بالركيبات، وهو أيضا حسب بعض الدراسات، أحد أحفاد الشيخ سيدي أحمد الرقيبي الذي سميت منطقة (الرقيبات) باسمه، لكن أكثر ما سيواجهه هذا الشاب المفعم آنذاك بدفء العائلة الكبيرة هو فقدان الوالد، لقد بلغ به التأثر أشده، خصوصا لما فقد الدعم والحنان الذي كان والده يشمله بهما، وحينئذ، لم يترك كبار القبيلة مساحة داخل صدر هذا الشاب المكلوم كي يتسلل له الإحباط، أو الشعور بالحرمان، ساعتها رفعوا إليه طلبا خاصا كي يتقلد مهام شيخ القبيلة وإدارة شؤونها مع تحمل مسؤولية التكفل بالأسرة، وحسب بعض المقربين من عائلة سعيد الجماني، فإن هذا الأخير رفض مطالب كبار قبيلته بتولي شؤون القبيلة نظرا لحداثة سنه، لكنه بعد إلحاح شديد قبض ذلك الشاب بزمام أمور القبيلة، وليصبح منذ ذلك الحين شيخا لإحدى أكبر القبائل الصحراوية الرازحة تحت نير الاستعمار الإسباني آنذاك.
كان سعيد الجماني رمزا صحراويا تلتف حوله القبائل، وقد رأت فيه السلطات الإسبانية الشخصية البارزة التي يمكن من خلالها تثبيت وطأتها الاستعمارية في الصحراء المغربية؛ ففي سنة 1970 عقد مؤتمر ثلاثي بمدينة نواذيبو بموريتانيا بين المختار ولد داداه والحسن الثاني وكذا الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين لمناقشة مسألة الصحراء، وفي 17 يونيو من نفس السنة، قامت انتفاضة (الزملة) بمدينة العيون ضد "اسبنة" الصحراء، مطالبة بالعودة إلى الوطن الأم (المغرب)، وقد انتهت هذه الانتفاضة بمقتل العديد من المغاربة الصحراويين، إثر ذلك تم انتخاب خاطري ولد سعيد الجماني رئيسا للجماعة الصحراوية، وهو برلمان محلي أنشأته السلطات الإسبانية آنذاك، وحسب بعض المحليين من أبناء الصحراء فإن الإدارة الإسبانية كانت تراهن على سعيد الجماني، معتقدة أنه سيكون "أمير الصحراء" وشيخ الفوسفاط تحت الحماية الإسبانية.
وبالرغم من ذلك كان سعيد الجماني الذي لم تطأ قدماه المدارس، والحافظ لكتاب الله والدارس لعلوم الحديث أيضا، يكن شعورا خاصا لملوك الدولة العلوية، فقد كان دائما يجره الحنين للعودة إلى حضن الوطن الأم، خصوصا لما اكتشف النوايا الحقيقية خلف إنشاء السلطات الإسبانية للحزب الوطني الصحراوي، المعروف اختصارا بـ "البونس"، والذي كانت الإدارة الإسبانية تعده لإستلام السلطة بعد خروجها من الصحراء، إذ ذاك وفي سنة 1975 انتقل سعيد الجماني من مدينة العيون إلى إسبانيا، ثم رحل إلى باريس ليعود منها إلى المغرب وبالضبط إلى رحاب القصر الملكي حيث سيقدم البيعة للراحل الحسن الثاني شهورا قبل انطلاق المسيرة الخضراء، وحسب بعض المقربين من القصر آنذاك، فقد كانت السلطات المغربية تفاوض نظيرتها الإسبانية بشأن فك الاستعمار بالصحراء المغربية، غير أن الإدارة الإسبانية كانت تقدم شروطا تعجيزية شريطة خروجها من هذه المنطقة التي لا يتحرك سكانها إلا بإذن من الجيش الإسباني، لكن بعد إخبارهم أن سعيد الجماني قدم البيعة للحسن الثاني انهارت تلك الشروط، ومن ثمة، باتت إدارة فرانكو تؤمن بخسارة فادحة تلوح في الأفق القريب.
كان سعيد الجماني قصير القامة، لكنه في نفس الوقت ظل كطود شامخ بالنسبة للصحراويين، كان يسمو فوق كل الشخصيات التي تحضر بين يدي الملك الراحل، ولعل ما كان يميزه الجماني، لباسه الصحراوي "الدراعية" وكذا عمامته التي تخفي ما فعله الدهر بشعر رأسه، قصير الشنب، كث اللحية، لا تفارق ابتسامته فمه الضيق، ولعلها السر الوحيد الذي يجذب حوله الآخرين، خصوصا عندما تفلح في إظهار تلك "الفلجة" بين أسنانه، كان عذب الحديث، إذ يتكلم لغة عربية فصيحة وأحيانا تنطلق اللهجة "الحسانية" منسابة من فمه، مما يضفي على جلساته جوا حميميا بنكهة صحراوية محضة، كما كان يتكلم أيضا لغة إسبانية سلسة اكتسبها بحكم علاقاته مع الإسبانيين آنذاك، فضلا عن المترجم الخاص الذي كان يرافقه، ومع ذلك فقد كان يحاور المسؤولين بطريقته الخاصة، وكباقي الصحراويين كان سعيد الجماني يميل إلى الوجبات الصحراوية، لكنه كان يفضل التهام اللحم المشوي المعد بالطريقة التقليدية، مع الإكثار من وجبات الأرز التي كان يزدردها بنهم كبير.
لقبه البعض بملك النكت، سيما أنه منذ أواخر السبعينات إلى الآن ظل سعيد الجماني الشخصية المحورية التي تدور حولها أغلب النكت المغربية، ولعل جل هذه النكت كانت تتحدث عن طرائفه مع الملك الراحل الحسن الثاني، فما إن يتردد اسم سعيد الجماني كبطل لنكتة ما حتى تجحظ العيون، وترتخي الأعصاب وتستعد النفوس لقهقهة جماعية قد تتحول إلى ضحك هستيري، وحسب بعض المحللين، فإن تلك النكت المؤلفة حول مقالب وطرائف سعيد الجماني، أفلح في صناعتها بعض المقربين من الراحل إدريس البصري حتى يصبح اسم سعيد الجماني الصحراوي أكثر تداولا في صفوف المغاربة، وانطلاقا مما قاله بعض المقربين من أسرة سعيد الجماني، فإن هذا الأخير، لم تكن تغضبه تلك النكت بحكم ما كان يتميز به من مرح وحب للمستملحات والطرائف، يقينا منه أن شخصيته المرموقة والمحترمة دوليا ساهمت في صناعة هذه الطرائف، على غرار بعض الشخصيات العالمية التي أنشئت حولهم النكت بغزارة.
وصف الكثيرون سعيد الجماني آنذاك بـ "السفير الخاص" و"المبعوث الخاص" للملك الراحل، إذ كان مثل ورقة "الجوكر" التي يراهن عليها الحسن الثاني ضمن الوفد الذي يفاوض في قضية الصحراء، ويشهد تاريخ المغرب كلمة سعيد الجماني من على منبر هيئة الأمم المتحدة، وهو يعلن ترحيب شيوخ القبائل باتفاقية مدريد، وسعادتهم بعودة الصحراء إلى أرض الوطن الأمر وكذا تحرير الصحراء من الاستعمار الذي ظل جاثما على المنطقة لما يزيد عن أربعين سنة، ولعل أكثر ما يحفظه المقربون من القصر، هو تلك اللحظة المُؤَرَّخة للقاء بين الحسن الثاني وسعيد الجماني، حينما خلع الملك الراحل سلهامه وقدمه للجماني كعربون على تقدير القصر وثقته فيه، حتى سارع البعض إلى تأليف نكتة عنه كـ "حامل سلهام الملك"، وخلال مسيرته كوجه من الوجوه التي راهن على تمثيليتها المغرب بعد المسيرة الخضراء سنة 1975، التقى سعيد الجماني العديد من الشخصيات البارزة في العالم، كما كانت تربطه علاقات خاصة بكل من "الجنرال فرانكو"، وملك إسبانيا "خوان كارلوس" وبعض سفراء الدول العربية وكذا الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، وبعض صناع القرار في كل من فرنسا وموريتانيا والسينغال، وبعض الشخصيات البارزة في الصين، كما كان يحظى باهتمام كبير من طرف الراحل إدريس البصري المكلف آنذاك بقضية الصحراء.
واختصارا لمسار الرجل، سيظل المرحوم الحاج خطري ولد سعيد الجماني، أحد أهم الشخصيات البارزة في تاريخ المغرب، الحديث التي بسطت وعبدت الطريق كي يسترجع القصر دفء الصحراء الذي انتعشت به الإدارة الإسبانية حوالي أربعين سنة، وكذا أهم الشخصيات المغربية التي تنشرح لها أسارير النفس فور سماع اسمها كبطل للنكتة المغربية بامتياز، إذ حسب البعض، فقد كان الراحل الحسن الثاني حريصا على سماع الجديد مما يروج من نكت حول شخصية الجماني، الرجل المزواج الذي يقال عنه إنه تزوج حوالي تسع نساء وأنجب ستة وعشرين ولدا، كان هذا إذن مسارا مختصرا لرجل، بصم بـ "الماس" اسمه في سجل تاريخ المغرب الحديث، الذي لم ينصفه بعد لتأليف مدونات تاريخية حول شخصيته السياسية والطريفة، والأكثر شعبية على الإطلاق، فإذا كان الخليفة هارون الرشيد قد اقترن باسم شاعره أبي نواس، وسيف الدولة قد لمع اسمه مع شاعره أبي الطيب المتنبي، فإن الراحل الحسن الثاني ارتبط اسمه أيضا برجل صحراوي اسمه سعيد الجماني.
مئات النكت على مقاس جلباب (سلهام) الشيخ خطري ولد سعيد الجماني
منذ منتصف السبعينات والشارع المغربي يبدع مئات النكت على مقاس جلباب (سلهام) الشيخ خطري ولد سعيد الجماني المنحدر من الأقاليم الصحراوية، حيث تناسلت روايات مختلفة الأوجه ومتعددة الأقنعة، تنسج حكايا من وحي الخيال الشعبي، وتنقشها في الذاكرة الشعبية التي تحفظ الموروث الشعبي لتردده حناجر الأجيال المتعاقبة، ويمكن القول إن ما نسج من النكت حول شخصية ولد سعيد الجماني، كان بإيعاز سياسي، حركته أياد خفية يعتقدها البعض (مخابراتية)، مررت من خلاله مواقف سياسية بعينها، فيما يشبه النهج الذي سارت على هديه القيادات الحزبية المغربية التي كانت تكتفي بتعبئة الطلبة داخل الحرم الجامعي لتصفي حساباتها السياسية مع خصومها.
الانتشار السريع للنكت التي تحد من ذكاء الجماني وتنزل به في غالب الأحيان إلى مستوى الحجارة، لم يأت هكذا بفعل الصدفة كما أنه لم يأت محمولا على كف عفريت، إنما يدخل في دائرة مؤامرة خسيسة، استخدمت خيال الشعب المغربي الواسع في خلق المزحة وتأليف المستملحات، في وجه الشيخ الصحراوي الذي هو أبعد ما يكون عن المواقف الساخرة التي وضعته فيها المخيلة الشعبية، على العكس من ذلك كان رجلا كريما حسب الإفادات التي توصلت بها "المشعل"، فالرجل يحمل قلبا طيبا يسع كل الناس داخل دائرة بياضه، و"المشعل" تسوق هنا نماذج من النكت الرائجة حول شخصية الجماني إلى جانب شهادات حية لفعاليات مختلفة من المجتمع المدني المغربي، لتسلط الضوء على الفرق الشاسع بين حقيقة خطري ولد سعيد الجماني، والخيال الشعبي أصل الرواية.
وزارة البترول
يحكى والعهدة على الراوي أنه ذات مرة دخل خطري ولد سعيد الجماني على الراحل الحسن الثاني، وهو على عجلة من أمره وصادف وقتها أن كان الحسن الثاني يستعد لتشكيل حكومة الفيلالي، فما إن لمحه الملك، أدرك بسرعة بديهته أن الجماني يحمل أخبارا جديدة، فبادره بالسؤال.
ماذا تحمل من جديد يا ولد سعيد؟
فأجابه والحيرة بادية على وجهه بشكل ملحوظ وكأن الأمر خطير للغاية:
- لماذا يا مولاي لا تعينون ضمن حكومتكم الجديدة وزيرا للبترول؟
فابتسم الملك ورد عليه ببساطة:
كل ما في الأمر يا سيد خطري أننا في المغرب لا نتوفر على بترول، نحدث من أجله وزارة.
طأطأ الجماني رأسه، وكأن الرد لم يقنعه، وهم بالخروج، لكن الحسن الثاني لاحظ الارتباك في تصرف الجماني فسأله:
لماذا تستغرب، هل سمعت في جوابي ما يدعو للغرابة؟
فرد عليه بكل عفوية، لا تؤاخذني يا مولاي..
فاندهش الملك وأمره بالتعبير عن رأيه بصراحة، فقال له الجماني:
- يا مولاي بما أننا لا نتوفر على بترول، فلا حاجة بنا لوزير للبترول، وطالما أننا لا نحقق العدل فما الحاجة بنا إلى وزير العدل.
العمود الفقري
يحكى أن خطري ولد سعيد الجماني ذهب في رحلة ضمن وفد من الطلبة إلى الديار الأمريكية لتحصيل العلم، فلبث هناك ما يزيد عن أربع سنوات يدرس تحت إشراف هيئة تدريس محترفة، ولما أنهى دراسته رجع إلى المغرب، فوجد في استقباله وزير الداخلية (إدريس البصري) ينتظره رفقة وفد وزاري، نزل الطلبة من الطائرة وذهبوا لاستلام حقائبهم التي تحوي كتبهم العلمية وملابسهم، إلا الجماني لم يقصد المكان المخصص للحقائب، فاندهش البصري لهذا الأمر معتقدا أن الجماني قد نسي التوجه لاستلام حقائبه، فنبهه للعملية وهو يبتسم في وجهه، إلا أن الجماني فاجأه بالقول على أنه لا يحمل أية حقائب وأنه جاء دونها، فاستغرب البصري للأمر، خاصة وأن الرجل كان في رحلة دراسية، فمن غير المعقول أن يأتي هكذا دون أن يحمل معه الكتب العلمية التي درس عليها، فبادره بالسؤال – أين الكتب التي كنت تدرس عليها؟
فأجابه الجماني بذكائه الثاقب إنني أحمل كل شيء في العمود الفقري (مشيرا إلى رأسه)، فازدادت غرابة البصري وأخذه إلى القصر دون أن ينبس ببنت كلمة.
INTELLIGENT
من بين الروايات الرائجة حول الجماني أنه كان ذات مرة يتابع بشغف كبير إحدى خطب الراحل الحسن الثاني، فردد الملك خلال نفس الخطاب عبارة (INTELLIGENT) وبما أن الجماني يتقن الإسبانية تعذر عليه فهم عبارة بالفرنسية، فنزلت عليه بردا وسلاما – حسب الرواية – ودفعه فضوله إلى التوجه بالسؤال للملك حول المعنى الأصلي لعبارة (INTELLIGENT) فلم يجد الراحل طريقة يقنع بها الجماني إلا استعمال المنهجية العلمية في التواصل معه، فأخذه بيده وتجه به ناحية الحائط، فوضع الملك يده على الحائط وطلب من الجماني أن يضربها، فهم عليها هذا الأخير بيده إلا أن الملك جرها بسرعة خاطفة اصطدمت على إثرها يد الجماني بالحائط مباشرة، فتألم ألما شديدا، فابتسم الملك وقال له:
- في هذه الحالة يا جماني أنا (INTELLIGENT).
فهم خطري ولد سعيد الدرس جيدا، وذهب إلى أصوله في الصحراء، وبينما هو مجتمع، حاول أن يكرر عبارة (INTELLIGENT) إسوة بالملك، وصادف أن تواجد بين الحاضرين صحراوي طويل البنية عريض الكتفين والكفين، جذبه سحر عبارة (INTELLIGENT) وعششت في دماغه، وانتظر الجماني حتى انفض الجمع فاتجه إليه مستفسرا حول شرح عبارة (INTELLIGENT)، فما كان من أمر الجماني إلا أن حاول أن يبرز مكامن ذكائه أمام سائله فحاول أن يقتدي بذكاء الملك، لكنه ولسوء حظه لم يجد حائطا أمامه، كما لم يجد أي شيء صلب يعطي به المثل للصحراوي الذي وقف مشدودا إليه يبحث في شوق كبير عن تفسير للكلمة، فوضع الجماني يده على وجهه وقال للصحراوي اضربني على يدي بقوة، وهو الطلب الذي لم يتأخر في تنفيذه الصحراوي ذو البنية القوية والذراعين المفتولين، وبسرعة البرق نزع الجماني يده عن وجهه، لتقع اليد القوية على وجهه مباشرة، تاركة إياه ملطخا بالدماء والجروح فتمتم الجماني مخاطبا غريمه وهو في شبه غيبوبة، في هذه الحالة أنا (INTELLIGENT)!
لقد جمجمني صاحب الجلالة
راجت في منتصف الثمانينات رواية جمعت بين الجماني ومحمد أرسلان الجديدي الذي كانت تنسج حوله النكت قبل أن تنتقل إلى الجماني، وذلك أن الجماني حضر في اجتماع ترأسه محمد أرسلان الجديدي في مطلع الثمانينات، ضمن الاجتماعات المفتوحة على الجماهير في إطار التهييء للانتخابات التشريعية، والتي تناول فيها الجديدي كلمة مطولة وكان وقتها يشغل منصب وزير الشغل والإنعاش الوطني. وكان قد افتتح كلمته بالعبارة التالية (لقد أرسلني صاحب الجلالة)، إلا أن العبارة لم تصل إلى ذهن الجماني بما تعنيه الكلمة، إنما فسرها على أن الجديدي قالها لأن اسمه العائلي أرسلان، لذلك قال (لقد أرسلني)، بما يعني أن المسؤولين الكبار يستهلون خطبهم بذكر أسمائهم، وهو ما حذا به إلى الرحيل إلى عيون الساقية الحمراء وعقد اجتماعا مفتوحا في الهواء الطلق، حضره العامة، في تجمع خطابي كبير ترأسه سيدي خطري ولد سعيد الجماني، وقال في مستهل كلمته أسوة بأرسلان الجديدي (لقد جمجمني صاحب الجلالة)، بما يعني أنه استهل الاجتماع على طريقة المسؤولين الكبار.
حافلة ركاب
يحكى ضمن الروايات التي نسجت من وحي الذاكرة الشعبية فيما يرتبط بما يروي ويروج من نكت بخصوص خطري ولد سعيد الجماني أنه اشترى ذات مرة سيارة خفيفة، واختار لها من الألوان ما يشبه حافلات النقل الحضري أي الأزرق الذي يتوسطه خط أبيض، وهو الأمر الذي أثار انتباه وزير الداخلية السابق (إدريس البصري) الذي بادره بالسؤال، حول اختياره لهذه الألوان الخاصة بشركة النقل الحضري للدار البيضاء، فأجابه الجماني ببراءة أنه اختار لها هذه الألوان، حتى إذا ما كبرت تصبح بدورها حافلة نقل للركاب على غرار الحافلات الأخرى.
المبالغة
يذكر أن ولد سعيد الجماني كان يمدح الراحل الحسن الثاني ويطنب في هذا المدح لدرجة المبالغة، واستمر على هذا الحال مدة من الزمن، فانتشرت الروايات بخصوصه ووصل الخبر إلى الملك، فما كان من أمر هذه الأخير إلا أن استدعاه إلى القصر وطلب إليه أن ينقص من مفعول المدح ويقلص من حجمه ما استطاع، وخلص معه إلى اتفاق مفاده، أنه إذا ما غالى الجماني في المدح ورأى الملك أن ذلك قد تجاوز الحد، فإنه سيأمره بطرفة عينه (يغمزه) للحد من ذلك. فهم الجماني قصد الملك والتزم بأنه إذا ما أشار إليه بطرفة عينه (غمزه) سيحد من المبالغة في المدح، وحدث مرة أن كان الملك في اجتماع موسع مع الدوائر الحكومية، حضره الجماني الذي تناول الكلمة وانطلق في المدح كعادته، ومن فرط مبالغته أن قال للحضور بأن الحسن الثاني يملك قصرا طوله 150 كيلو مترا، فلما رفع بصره تجاه الملك، بادره هذا الأخير بالإشارة المتفق عليها (غمزه)، فارتبك سعيد الجماني وأتم متداركا الأمر، نعم (سيدنا عندو واحد لقصر) طوله 150 كيلو مترا لكن عرضه لا يتجاوز ثلاث سنتيمرات، فضحك الملك كثيرا وقال للجماني باستهزاء إذا ما كانت روايتك صحيحة فإني على ما يبدو أسكن جوف أنبوب...
حذاء الأميرة
من الرائج أيضا في موضوع النكت المرتبط بالجماني... أنه حدث ذات يوم أن أرسلت إحدى الأميرات هدية إلى الجماني على عنوان بيته بواسطة سائق من القصر، وكانت الهدية عبارة عن حذاء (طويل من نوع (بوتيو)، فتسلمت زوجة الجماني الهدية نيابة عنه، لأنه كان في مهمة رسمية بالأمم المتحدة، وبما أنها – حسب الرواية – لم تر حذاء من قبل بتلك المواصفات، اعتقدت أن زوج الحذاء، ساقي بقرة، فعمدت إلى طبخهما في وجبة غذاء، وشاءت الصدف بعدها أن تجمع زوجة الجماني بالأميرة صاحبة الهدية، حيث بادرتها هذه الأخيرة بالسؤال حول الهدية وهل أعجبتها؟ فابتسمت عقيلة الجماني في وجه الأميرة ابتسامة عريضة للغاية، وردت عليها بكل احترام، إنها رائعة جدا وطعمها يا مولاتي لذيذ للغاية، الشيء الذي دفع فضول الأميرة لمعرفة مصير الحذاء وعلاقته بالطعم اللذيذ، فعلمت من مصادرها أن زوجة الجماني حولت الهدية إلى وجبة غذاء شهية.. فانفجرت من الضحك.
الجماني و كؤوس البلار
يروى أن الراحل الحسن الثاني استدعى بعض الشخصيات إلى القصر قصد تناول وجبة العشاء، ولما حضر الوفد اندهش لتلك المائدة التي أعدها الملك لزواره، فقد كانت المائدة مملوءة عن آخرها بصحون الدجاج "المحمر" والخرفان "المبخرة" وألذ المشروبات بقارورات وكؤوس البلار، وكان ضمن الحاضرين صديق الملك، سعيد الجماني، وبينما انشغل الزوار بالأكل، خرج الحسن الثاني رفقة سعيد الجماني حتى يتأتى للزوار تناول الوجبة في راحة تامة، عندها سأل سعيد الجماني الحسن الثاني قائلا:
"علاش خرجنا نعام أسي؟ أنا عزيز عليا المشوي، دروك ياكلو الحوالا ويخاليونا بلاش"، عندها أخبره الحسن الثاني أن الزوار تايحشمو"، لذا يجب أن يتركهم بمفردهم، وبينما خارجا، شب حريق في تلك الصالة التي يتناول فيها الأجانب وجبة العشاء، عندها دخل سعيد الجماني، ليجد رجلا تحفه النيران من كل الجوانب يطفئ ولم يجد ما يطفأ به النار التي شبت في ملابس الرجل سوى معطف يرتديه أحد الزوار، توجه سعيد الجماني إلى الرجل طالبا معطفه، ولما رفض، نزعه عنه بالقوة، وشرع في إخماد الحريق. "بدا تيخبط في الراجل بالمونطو" كي يطفئ حريقه، حتى خمدت النيران.
وفي صباح الغد توجه سعيد الجماني رفقة الحسن الثاني إلى المستشفى حيث يرقد الرجل، ولما سألا عنه في الجناح المخصص للحرائق، أخبروهما أن المعني بالأمر يرقد في الجناح المخصص بجراحة العظام، تفاجأ سعيد الجماني، والتفت إلى الحسن الثاني قائلا: "أواه أنا طفيتو بيدي، كيفاش داوه لبلاصة المهرسين"؟ ولما دخلا عنده وجدا المعني بالأمر ملفوفا في شرائط بيضاء وقد أجريت له أربع عمليات لجبر الكسور التي لحقت به، ساعتها قال الرجل المكلوم لسعيد الجماني "وكَلت عليك الله ألجماني.. داك المونطو للي طفيتني به من العافية، كان فيه زوج قرعات ديال العصير، وثلاثة الكيسان ديال البلار، شفرهم صاحب المونطو.. آش بغيتي عندي".
مارش أريار
يحكى أن سعيد الجماني كان على موعد مع الحسن الثاني قصد السفر إلى باريس، ولما دخلا المطار لم يجدا سوى طائرة واحدة ممتلئة عن آخرها بالركاب، ولم يكن بها سوى مقعدين فارغين فقط في الصفوف الخلفية، ولما أخذا مكانهما في الطائرة بالمقاعد الخلفية، قال سعيد الجماني للحسن الثاني، عيب يا مولاي أن نركب في آخر مقاعد الطائرة "أش غادين يقولوا علينا ولاد الجالية المغربية، أنا تايبان لي تصدر الأوامر ديالك باش تمشي الطيارة (مارش أريار) حتى لباريس باش نبانو راكبين حنا اللولين.."، فلم يجد الملك آنذاك ما يقوله سوى أنه استلقى ضاحكا عما تفتقت عنه عبقرية سعيد الجماني.
سعيد الجماني "داخ"
صادف أن سعيد الجماني وجد نفسه في الديار الهولندية، كممثل لوفد مغربي هناك، ولأنه لا يفهم اللغة الهولندية، فإنه وقف مشدوها حينما خاطبه ديبلوماسي هولندي قائلا: "داخ"، لم يفهم سعيد الجماني معنى هذه الكلمة، ولما سأل مترجمه الخاص قال له، إن كلمة "داخ" تعني صباح الخير، فرح الجماني بهذه الكلمة معتبرا أنها ستعزز رصيده اللغوي، وفي صباح الغد استيقظ باكرا، كي يقول "داخ" لأول ديبلوماسي هولندي سيلتقيه في جناح إقامته الخاصة، وهكذا أخذ سعيد الجماني يردد كلما صادفه أحد ما كلمة "داخ"، لكنه في غفلة منه فاجأ وزير الداخلية الهولندي بالمرور المؤدي لغرفته، سعيد الجماني وهو يتمعن في إحدى اللوحات الزيتية المعلقة على الحائط ليبادره بإلقاء التحية، قائلا "داخ"، ساعتها لم يجد سعيد الجماني ما يجيب به عن هذه الكلمة، إلا القول "دردلاخ "أمولاي.
الوحدة العربية
من ضمن النكت التي شاعت وانتشرت بشكل واسع في المغرب، تلك التي تحدثت عن سعيد الجماني كممثل للمغرب في القمة العربية، إذ حسب الرواية فإن سعيد الجماني أنصت بما فيه الكفاية إلى كل الخطب والكلمات المنقولة عن الزعماء العرب، وقد انتظر بفارغ الصبر، أن يأتي دوره لإلقاء كلمته، سيما أنه كان جائعا، كان العالم العربي حينها يعيش وضعا متأزما وتمزقا ملحوظا استدعى بسببه عقد اجتماع طارئ للزعماء العرب، ولما جاء دور سعيد الجماني في إلقاء الكلمة، جذب إليه الميكروفون، ونظر مليا في وجوه الزعماء ليصرخ بصوت جهوري "الوحدة"، وما إن أنهى كلمته حتى وقف الحاضرون من الزعماء العرب ووزراء خارجيتهم وقد صفقوا بحرارة لهذا الموقف الجريء الداعي إلى وحدة الأمة العربية، وما إن جلسوا، حتى أكمل قائلا: "الوحدة وتولوت الآن، وما زال ما تغديناش أعباد الله".
الجماني وعملية الإعصار (Ouragon)
ذكرت بعض المصادر الإسبانية المهمة بتاريخ المنطقة نازلة غريبة ارتبطت بخطري ولد سعيد الجماني.
وتقول هذه المصادر إن خطري، الذي كان أحد قادة مقاتلي حرب العصابات في 1958، اتجه إلى أحد المواقع العسكرية الفرنسية ("فور ترانكي") ليخبر بوقوع انشقاق في جيش التحرير وطلب أسلحة لكي يتدخل، وقد تقدم بذلك الطلب بصفته شيخ البويهات، إحدى أكبر القبائل المنتمية لركيبات الشرق. وقد قام بهذه الخطوة بعد اعتقاله من طرف مجموعة من جيش تحرير الجنوب وتمكنه من الفرار متخفيا في هيئة امرأة.
وتضيف هذه المصادر، أن خطري ولد سعيد الجماني كتب في يناير 1958 إلى "كوزان" كتابا باسم زعماء ركيبات زمور يطلب بواسطته السلم والدعم ضد جيش التحرير.
وفي 19 يناير التحق زعيم آخر من ركيبات الشرق، حبوها ولد الحبيب بالفرنسيين، في "عين بن تيلي".
وقد حدث هذا في إطار الإعداد لعملية الإعصار، إذ كانت آنذاك فكرة عملية عسكرية مشتركة مع الجيش الفرنسي تغري كثيرا الحكومة الإسبانية، لاسيما وأن هذا العمل العسكري المشترك كان من شأنه تقديم فرصة فريدة للتحرر من الخزي الدولي وفك العزلة التي ضربت عليها منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الاشتراكيين الفرنسيين رفضوا الفكرة وناهضوها بشدة. لذلك فكر بعض القادة الفرنسيين في "سيناريو" قصة الضغط على الحكومة الفرنسية، إذ جرى تشجيع المختار ولد دادة على إعلان إنذار طالبا من الجيش الفرنسي التدخل عسكريا في ظرف 48 ساعة ضد جماعات جيش التحرير في واد الذهب، آنذاك كانت الجيوش الفرنسية المرابطة بشمال موريتانيا جاهزة للقيام بهجوم مضاد واسع في الصحراء، وهي الخطة التي عرفت بـ "عملية الإعصار".
الصحافي محمد باهي
الجماني كان يضحك كثيرا للنكات التي كانت تحكى عنه
يؤكد الزميل محمد باهي في هذا الحوار، أنه لا علاقة إطلاقا للشخصية الحقيقية لخطري ولد سعيد الجماني، بتلك المئات من النكات التي نسجتها حوله الألسنة الشعبية، قال بأنه كان شيخ قبيلة صحراوية كبيرة هي الركيبات، وأن من أهم صفات تسنم هذا المنصب الرفيع أن يكون صاحبها ذو عقل راجح وأخلاق حميدة.
كما أشار أيضا إلى كثير من الحيثيات السياسية والشخصية التي عايشها "الجماني" ومنها مثلا اختلافه مع قادة جيش التحرير أواخر خمسينات القرن الماضي، وبالتالي هربه وهو متنكر في زي نسائي ليفلت من الموت... ثم عن خصوصيات علاقته بالحسن الثاني وتفاصيل أخرى كثيرة يرويها الزميل باهي بكثير من الدقة، لأنه كان واحدا من أكثر الناس قربا من الرَّجل الذي خصصنا لـ "أسطورته" ملف هذا العدد.
- ألفت أستاذ باهي كتابا عن خطري ولد سعيد الجماني، ما هي خطوطه العريضة؟
+ الكتاب يحمل عنوان " خطري ولد سعيد الجماني الأسد الجريح أنقذ الصحراء مرتين 1957 و 1975 "، وقد ألفته لأن هناك عددا كبيرا من الناس الذين يتعاطون لقضية الصحراء، لا يعرفون عنها الشيء الكثير، سواء تعلق الأمر برجال السياسة أو الإعلاميين ناهيك عن عامة الناس.
خطري ولد سعيد الجماني كان عضوا في جيش التحرير سنة 1957 وحدث أن وقعت خلافات داخل قيادة الجيش المذكور، وكان الجماني مهددا حينها بالاغتيال والاختطاف من طرف قيادة جيش التحرير.
- مَن بالتحديد؟
+ إدريس بن بوبكر وبنحمو وآيت يدر وغيرهم، كانت قد حدثت بعض المتغيرات داخل جيش التحرير لم يستطع الصحراويون فهمها، لذا لم يتعاطفوا مع بعض الأفكار التي دعا إليها أولئك القادة، ولذا فقد تعرض العديد من الصحراويين للإختطاف، لذلك فحينما وصلت الأخبار لخطري ولد سعيد الجماني بأنه مُعرض للاختطاف والاغتيال، ارتدى لباس النساء وركب ناقته وخرج من بين الجنود الذين كانوا مكلفين بحراسته، ثم دخل إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة الجيش الاسباني، وطلب اللجوء السياسي من الحكومة الاسبانية، فكان أن تبنته هذه الأخيرة ووفرت له الحماية، وبذلك أنقذ نفسه من موت محقق في كَلميم، كما وفر للمغرب أفضل شخص صحراوي يُمكنه أن يدافع عن قضية الصحراء أمام الاسبانيين، لدرجة أنه لو كان هناك شخص آخر ذهب للحديث عن قضية الصحراء معهم لما توفق في ذلك، كان وفاؤه للسلاطين المغاربة صادقا، وبقي على وفائه وتعلقه بالعرش حتى وفاته، التقيتُه شخصيا في مدينة العيون سنة 1974 حيث سلمني حينها رسالة إلى الملك الحسن الثاني، قال فيها: " نحن ما زلنا على العهد وننتظر الإشارة من جلالتك"، وحينها لم أفهم بما كان يتعلق الأمر، حيث لم أفهم ماذا كان يعني بكلمتي "الإشارة" ولا "العهد"، كانت تلك رسالة سرية، وفهمت فيما بعد أن ولد خطري الجماني كان متفقا مع الحسن الثاني أن يتلقى إشارة منه في يوم ما.
- هل كان الأمر يتعلق بالمسيرة الخضراء؟
+ نعم، وعندما أعطى صاحب الجلالة للجماني الإشارة عاد إلى المغرب. في سنة 1975 كان خطري ولد سعيد الجماني عضوا في مجلس النواب الاسباني (الكورطيس)، وقد كان الاسبانيون مستعدون لمنحه الحكم على إمارة الصحراء، غير انه فضل أن يأتي للمغرب ويجدد البيعة لصاحب الجلالة الحسن الثاني، وتخلى بذلك عن كل الامتيازات التي كانت لديه، وكذلك الوضعية الاعتبارية والمادية التي كانت تنوي الحكومة الاسبانية منحها له، وأعلن مغربية الصحراء وقبائلها.
- من أين جاءت كل تلك الهالة القبلية لخطري ولد سعيد الجماني؟
+ كان شيخ قبيلة الركَيبات وهذه الأخيرة كما تعلمون هي كبرى القبائل الصحراوية، بدون منازع، وهي موجودة في موريتانيا والجزائر والمغرب ومالي.. إنها منتشرة بشكل واسع وعدد أناسها كثيرون جدا، وهم محاربون أشداء قاتلوا فرنسا وإسبانيا، وكانوا ضمن جيش التحرير، وليس من المبالغة القول إنه لا يُمكن أن تقوم للصحراء قائمة بدون قبيلة الركَيبات، إن الجماني كان شيخ هذه القبيلة ورمز وجودها واستمراريتها، وقد لعب الجزائريون لعبتهم ضدا على المغرب بتبني قضية الركَيبات، ذلك لأن 90 بالمائة من قيادة البوليساريو في الجزائر ينحدرون من الركَيبات، فمثلا الوالي مصطفى السيد ومحمد عبد العزيز المراكشي وأيوب الحبيب و إبراهيم الغالي وغيرهم كلهم ينتمون لهذه القبيلة. إننا في المغرب لا نريد أن نفهم بأن هناك عقدة قبلية كبيرة في الصحراء، مثلما هناك قبلية وحساسيات عرقية في كل أنحاء المغرب، فهذا هو الواقع، إن ثمانين بالمائة من جنود البوليساريو هم كذلك من الركَيبيات، كما أن القيادة العسكرية تنتمي لهذه القبيلة، إن هذه هي الحقيقة التي لا نريد أن نفهمها.
- أنت التقيت خطري ولد سعيد الجماني غير ما مرة، كيف كنت تجد مميزاته الشخصية؟
+ أولا خطري ولد سعيد الجماني، يتميز كغيره من شيوخ القبائل الصحراوية بالحكمة، وقد كنتُ دائما أقارن شخصية الجماني بشخصية الشيخ زايد أمير الإمارات رحمهما الله، فكلاهما لم يكونا جامعيان ولا متعلمان لكنهما كانا شيخا قبيلتين كبيرتين، ولديهما حكمة الشيوخ العميقة، وبعد النظر، والترفع عن السفاسف وصغائر الأمور. لقد كان الجماني يحظى باحترام جميع الناس، وكان احتراما نابعا من عدله بينهم ومعاملتهم بالتي هي أحسن، كما لم يكن يفرق بينهم سواء كانوا أغنياء أو فقراء، وكان يحل مشاكل الناس مع الحرص على مساعدة الضعفاء منهم.
- هل ورث الجماني مشيخته لقبيلة الركَيبات أبا عن جد؟
+ نعم، إن خطري هو وريث أبيه سعيد، وأبوه أيضا كان قد ورثها عن أبيه الجماني، إنها عائلة كبيرة ورثت زعامتها القبلية أبا عن جد.
- الزعامة تكون عن علم أو حرب أو تدين، فمن أين أتت لآل الجماني؟
+ في الصحراء لا بد من إجماع أفراد القبيلة على شخص ما حتى يُولوه أمرهم، ويكون متصفا بالحكمة والتواضع، ومن بعد فإن القبيلة هي التي تُغني الشيخ وليس العكس، شريطة أن يكون حكيما رصينا، ويعامل الناس بالحسنى والعدل، إنها المميزات التي جعلت خطري ولد سعيد الجماني شيخا لقبيلة الركَيبات.
- عرف بأنه كان مزواجا، كما أنه لم يكن يتقن لغة أخرى غير العربية ومع ذلك فقد جالس كبار زعماء العالم، كيف حدث ذلك؟
+ فيما يخص مسألة الزواج المتعدد فإن تقاليد وعادات الصحراء تبيح تعدد الزوجات، ذلك أن طبيعة العيش في الصحراء تفرض الترحال، وبين موقع وآخر تكون هناك مسيرة شهر أو شهرين، كما يُمكن للمرء أن يبقى عاما في المضارب، ويظل عامين في غيرها، لذلك فإنه يتزوج في كل منطقة يحل بها لفترات طويلة، هناك مسألة أخرى مهمة، فأغلب زيجات خطري ولد سعيد الجماني كانت بغاية تحقيق تحالفات قبلية، لقد تزوج مثلا الشيخ ماء العينين ستين امرأة تقريبا من أغلب قبائل الصحراء، وذلك لضمان الوحدة.
لقد جاءت أهمية خطري ولد سعيد الجماني على المستوى العالمي لأنه عاد للمغرب سنة 1975 وكان ذلك حدثا كبيرا غيّر موازين القوى، إذ أعطى مصداقية لحكم محكمة العدل الدولية، وللأمم المتحدة زاوية نظر جديدة، وهو ما منحه العديد من العلاقات مع كثير من قادة الدول العربية والإسلامية، والدولية، وقد قدم الحسن الثاني الجماني لأولئك القادة باعتباره رمزا لارتباط الصحراء بالمغرب.
- كيف كانت علاقته بالحسن الثاني، ولماذا كان مرتبطا به أكثر من باقي شيوخ القبائل الصحراوية؟
+ أولا لقد كان خطري ولد سعيد الجماني مرتبطا بالحسن الثاني منذ كان هذا الأخير وليا للعهد، أي منذ نهاية سنوات خمسينيات القرن الماضي، وقد التقيا سنة 1958 حينما زار الحسن الثاني مدينة طرفاية، وكان علي بوعيدة وهو أول عامل على هذه المدينة صلة الوصل بينهما.
- وماذا كان الغرض من تلك الاتصالات؟
+ ربط الصحراء بالمغرب، وإحداث مناورات ضد الاسبانيين لأن خطري كان محسوبا على إسبانيا، وبالتالي كانت مهمة العامل بوعيدة أن يُبلغ ولاء خطري للحسن الثاني، ولذلك ظلا على اتصال منذ 1956 حتى سنة 1975 ، وفي مرحلة أخرى اعتمد الحسن الثاني على الداي ولد سيدي بابا لربط الاتصال بخطري ولد سعيد الجماني.
- ما هو السر في ارتباط شخصية خطري ولد سعيد الجماني بالنكات؟
+ربما لأننا في المغرب نأخذ الحياة من جانبها الخفيف، واعتقد أن تلك النكات كانت دليلا على وجود الشخص وحيويته ودوره الحاسم.
- كانت تُقال عنه النكات بشكل غزير، كيف تفسر ذلك؟
+ إن المغاربة كانوا يبحثون عن أية شخصية ليلبسوها جميع الموبقات الموجودة في البلاد، بحيث أن خمسين بالمائة من النكات المروية في ذلك الوقت كانت عن ارسلان الجديدي والنصف الآخر كان عن خطري ولد سعيد الجماني.
- هل كانت شخصيته تعكس النكات المروية عنه؟
+ إن شخصيته مخالفة تماما للنكات المروية عنه، فقد كان رجل عقل وفي غاية الجدية، وسياسيا محنكا، وزعيم قبيلة كبيرة، وما ترويه عنه النكات من أنه كان ساذجا وأهبل كلها مجرد تخييل.
- لماذا تركزت النكات على شخصية خطري ولد سعيد الجماني؟
+ اعتبر المغاربة شخصية الجماني غريبة، فهم لم يكونوا يعرفون الصحراء والصحراويين، لذلك كان تعاملهم بتلك الطريقة مع خطري ولد سعيد الجماني.
- إذن انت ترى أستاذ باهي أنه ليست هناك مطلقا علاقة بين شخصية خطري الجماني الحقيقية والنكات المروية عنه؟
+ نعم، ليست هناك مطلقا أية علاقة بين شخصيته الحقيقية والنكات التي قيلت في حقه.
- قيل عنه إنه كان يتكفل بالطلبة الصحراويين حيث كان يُنفق على دراستهم ويعتني بشؤونهم، هل هذا صحيح؟
+ نعم بل كان يعتني بشؤون الأسر الفقيرة التي كانت له بها معرفة، كما كان يُخرج الزكاة، ويوزعها على جميع الفقراء الصحراوين من عائلته، سواء في الصحراء أو في موريتانيا، خطري ولد سعيد الجماني لم يكن رجل أعمال، بل كان شيخ قبيلة، وشيخ القبيلة في الصحاري كلها، ولو كان ذا مال فإنه لن يكون مقنعا بدون مواصفات القيادة الأخرى الإنسانية، التي ذكرتها من قبل، وعلى رأسها العقل الرصين والحكمة، ثم إن الثروة في الصحراء لا تعني المال والعقار بل قطعان الابل.
- على ذكر الإبل، هل صحيح أن سعيد ولد خطري الجماني كانت لديه أربعة آلاف ناقة؟
+ نعم لقد كان يملك سنة 1975 أربعة آلاف ناقة، وبعدما عاد للمغرب أخذ البوليساريو نصفها.
- لماذا؟
+ ذلك لأن جزءا من عائلته ذهبوا مع البوليساريو وأخذوا معهم الإبل، وكان ضمنهم الكثير من أبنائه وأبناء عمومته كما أن أحد أبنائه هو وزير الصحة في حكومة عبد العزيز المراكشي.
- من خلال لقاءاتك به، كيف ترى أهم مميزات شخصيته؟
+ كان يجيد الاستماع كثيرا والتأمل، كما أنه لم يكن سريع الانفعال، ولم يكن يغضب أبدا، ويساعد أي شخص لجأ إليه من عائلته، وهي مميزات إنسانية، وكما تعلم فهي نادرة وجيدة، كما انه كان شديد العطف على الناس الضعفاء، لقد طفت برفقته جميع أنحاء المغرب، لقد كان يُقدم يد المساعدة لجميع الفقراء الذين كانوا يلجأون إليه.
- كيف كان يستقبل النكات التي كانت تُقال في حقه، هل كانت تُضايقه؟
+ لقد كان يتقبلها بصدر رحب ويضحك لها.
- لهذه الدرجة كان متسامحا؟
+ نعم، إن لدي أخ اسمه ابراهيم، ترعرع في نفس الحي الذي يقطن به أفراد مجموعة جيل جيلالة الغنائية، وهم من أصدقائه، طلب مني مرة أن آخذه معي إلى جلسات حميمية مع الشيخ خطري ولد سعيد الجماني، وكان يحكي له النكات التي كانت تٌُقال عنه في الشارع المغربي، كان يضحك لها كثيرا، لدرجة أنه طلب مني مرة أن آتيه بين الفينة والأخرى بأخي ليحكي له النكات التي كانت تُروى عنه.
- وماذا كان موقف الحسن الثاني من تلك النكات؟
+ الحسن الثاني رحمه الله كان ذا شخصية مرحة، لذا كان يضحك من كل النكات التي كانت تُروى في الشارع المغربي، ومنها تلك التي كانت تُقال عن الجماني وأرسلان الجديدي وغيرهما، وذلك من جانبها الهزلي.
- ما هي الظروف التي ألبس فيها الحسن الثاني سلهامه لخطري ولد سعيد الجماني؟
+ إنه أحد الرموز المغربية النادرة الحدوث، فحينما استقبل الحسن الثاني الجماني في اليوم الثالث من نونبر سنة 1975 في أكَادير، وبما أن خطري ولد سعيد الجماني كان قد قام بحركة تاريخية لا تتكرر أبدا،بحيث انه تخلى عن عضويته في مجلس النواب الاسباني، وجاء هو والموالين له ليقدم الولاء للملك الحسن الثاني، لذلك وجد هذا الأخير أن الظرف كان يتطلب أن يقوم بحركة لم يسبق لها مثيل، وهي وضع سلهامه الشخصي على كتفي واحد من رعاياه أي خطري ولد سعيد الجماني، وكانت تعني الثقة والوحدة، وأن جميع الصحراويين هم تحت رعاية صاحب الجلالة.
- قيل أيضا إن خطري ولد سعيد الجماني كان الوحيد الذي يُضحك الحسن الثاني وهو في قمة غضبه، هل هذا صحيح؟
+ لا.. لا هذا غير صحيح مطلقا، إن الجماني لم يكن يروي النكات.
- وهل صحيح أن الحسن الثاني كان يشك في الجماني باعتباره كان مزدوج الولاء؟
+ هذا أيضا غير صحيح، لقد بدأت علاقتهما منذ نهاية سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، وبقيت كذلك حتى آخر يوم في حياة الجماني.
- قال بعضهم إن المخابرات المغربية هي مَن كان يُروج النكات عن الجماني، هل هذا صحيح؟
+ هذا غير مُستبعد.
- وماذا كان الهدف من ذلك؟
+ أولا بسبب تقرب خطري من الحسن الثاني وارتباطه به، إذ أن ذلك القرب أثار حسد الكثير من الناس، ويجب ألا نستبعد أن يكون ذلك من فعل الجنرال الدليمي وغيره ممن كانت مصلحتهم تقتضي إبعاد الجماني عن الحسن الثاني.
- لماذا اعتبرته في كتابك أسدا جريحا؟
+ لقد كان أسدا جريحا لأنه حينما كان يحمل السلاح لمقاومة الاستعمار كان هناك أناس من بني جلدته يطعنونه من الخلف.
- مَن بالتحديد؟
+ بعض قادة جيش التحرير.
- حول ماذا كان مختلفا معهم؟
+ لم يكن للجماني خلاف معهم بل إن قيادة جيش التحرير هي التي كان لديها خلاف مع القصر، لقد كانوا يُعدون لانقلاب عسكري من الصحراء وهو ما لم يكن الجماني متفقا عليه. ومن تم محاولتهم اختطافه واغتياله.
لقد كانت هناك اختلافات كثيرة بين قادة جيش التحرير، بين من يريد الملكية ومَن يريد الجمهورية، وهو ما لم يكن يُعجب الجماني، لذا قرر الهرب وهو متنكر في ثياب امرأة، واللجوء إلى إسبانيا.
- ألا يمكن أن تكون هذه الواقعة الطريفة هي الأصل في النكات التي رويت عنه فيما بعد بغزارة؟
+ لا أعتقد لأن مَن رووا عنه النكات لم يكونوا يعرفون هذه الواقعة، بعد كل ما عاناه الرجل وضحى به من أجل الوحدة أصبح موضوعا للتنكيت.. ألم يكن إذن أسدا جريحا؟
محمد المتوكل/ ناشط حقوقي صحراوي
النكت حول الجماني انتقاد للنظام من تحت الجلباب
حمَّل الناشط الصحراوي محمد المتوكل حقيقة ترويج النكت الساخرة في حق الشيخ الصحراوي (خطري ولد سعيد الجماني) للمخابرات المغربية التي حاولت على حد تعبيره ترويض المخيلة الشعبية، لتمرير بعض المواقف السياسية، مؤكدا من جهة أخرى أن الشعب المغربي كان يعبر عن ردات فعله تجاه النظام السياسي القائم، من خلال إبداعه لمواقف ساخرة كان يبعثها للقصر من تحت جلباب (الجماني).
"المشعل" ربطت الاتصال المباشر بمحمد المتوكل للوقوف معه على الجوانب المظلمة فيما يرتبط بأمواج النكت التي كانت تصب في بحر ولد سعيد الجماني، وعن أسباب نزولها، وكذا عن الوضع الاعتباري لهذه الشخصية داخل المجتمع الصحراوي، وعلاقتها مع دوائر القصر الملكي بالرباط.
- كيف يرى الصحراويون المرحوم خطري ولد سعيد الجماني؟
+ الصحراويون يرون في المرحوم خطري ولد سعيد الجماني، شخصية وطنية بمفهوم الانتماء للصحراء وبما تضمَّنه تاريخه من مقاومة للاستعمار الإسباني. خاصة وأنها شخصية لم تتلطخ يداها بمساوئ حرب الصحراء، ولم تنزلق في متاهات الارتزاق السياسي الذي غرق فيه البعض من تجار الحرب وغيرهم كثير... لذلك فالصحراويون يرون في المرحوم شخصية وطنية صحراوية، على الرغم من تواجده في موقع لا يحسد عليه في الحقيقة، خلال تاريخه الطويل. كما أنها شخصية معروفة بوضعها الاعتباري داخل المجتمع الصحراوي، بأريحيتها وتعاطفها مع الفئات المحرومة في الصحراء، ويمكن القول إن هذا مجرد جزء من ملامح شخصية المرحوم، من خلال الانطباعات المرسومة عنها لدى الصحراويين.
- ما موقف الصحراويين من النكت التي حيكت حول شخصية المرحوم؟
+ ما حيك من نكت حول شخصية المرحوم، يأتي في إطار سياق عام، يسمى اللعبة السياسية بالمغرب، ويمكن اعتبارها (أي النكت) بمثابة ردات فعل على القمع السياسي الممارس من قبل نظام الحسن الثاني آنذاك، ومحاولة للزج بشخصية المرحوم خطري ولد سعيد الجماني في أفيون تلك السياسة وكأنه مشمول بانتقادات المغاربة، لكن الحقيقة تؤكد أن انتقادات الشعب المغربي كانت موجهة أساسا للنظام السياسي المغربي بكل رموزه، لكنها كانت تختار شخصية الجماني للتعبير من خلالها عما يخالج الشعب تجاه حكامه أو كما يحلو للسياسيين المغاربة تسميتهم (بمكونات النظام السياسي)، مما يعني أن هذا الشعب كان ينتقد بغير المباشر اختيارات النظام الحاكم وتحديدا نظام الحسن الثاني، مما يعني، أنها – أي النكت – كانت موجهة للنظام السياسي لكن من تحت جلباب خطري ولد سعيد الجماني، وكذا ضد الضم القسري للصحراء الغربية، ومحاولة إدماج الصحراويين قسرا في هذا المشهد السياسي وبالتالي اغتصاب إراداتهم، ليظهروا في صور هذا المشهد وكأنهم جزء منه، وكان يريد النظام أن يوهم العامة بأن خطري ولد سعيد الجماني من الفاعلين السياسيين في المغرب، في حين إنه كان يُستعمل فقط للدعاية للمشروع المغربي، وهكذا يمكن تفسير ترويج النكت من طرف الشعب المغربي على شخصية الجماني. كما أنها لا تستهدف الصحراويين فيما يمكن وصفه بالنزعة الشوفينية العنصرية، بقدر ما كانت ردات فعلٍ بطريقة غير مباشرة ضد النظام السياسي القائم، وضد حالات من القمع السياسي السائد وكل المحيطين بمراكز القرار آنذاك بالمغرب.. وقد حيكت هذه النكت التي كانت تهدف في معناها العام وأبعادها الخفية إلى الحط من قيمة الرجل وأن تسلبه كل مقومات الذكاء وإمكانية فهم الأمور على حقيقتها، وكأن الرجل ليس من بني البشر.. هذا الفعل نستخلص منه نحن الصحراويون بأن الخطاب موجه بالأساس للنظام السياسي المغربي، وكأنهم يقولون له لماذا تستبلد المغاربة؟ ولماذا لا تشركهم في اختياراتهم الصحيحة؟ ولماذا تفرضون عليهم هذه القرارات؟... إلخ.. إلخ... دون أي تدخل للرجل (الجماني) في المسألة، وهو معروف في الأصل بأنه شيخ مسن، متدين، يجمع كل صفات الطيبوبة بشهادة كل الذين سبق أن تعرفوا عليه، فبالأحرى أهله وعشيرته، ويعلمون علم اليقين أنه بعيد كل البعد عن كل ما جاءت به مضامين تلك النكت أو الإشاعات التي حيكت في الشارع.
- يقال إن وراء تلك النكت جهات معادية للمرحوم، وهناك من يقول إن للمخابرات المغربية يد طويلة في ترويج هذه النكت، فما رأيكم؟
+ هذا الأمر غير مستبعد، خاصة وأن المخابرات تساهم في ما ينتجه الرأي العام، وقد تعمد إلى ابتكار هذه الأساليب من الإشاعات، فهي إلى حد كبير تعمل على توجيه الرأي العام، وهذا الأخير من وسائل التأثير فيه (النكتة الشعبية)، بل هي جزء منه، تتفاعل في أوساطه كالملح في الماء، لذلك ليس بغريب على المخابرات نهج مثل هذه الحركات الحربائية، خاصة وأن النظام السياسي في المغرب يعيش على الصراع الدائر بين الدوائر المحيطة به، والأمنية منها على الخصوص، هذا يجعلنا لا نشك في وجود مثل هذا التسريب المخابراتي وتصريفه في الأوساط الشعبية على شكل نكت، أي تصريف مواقف بعينها لكن مغلفة تحت ستار النكت والإشاعة وغيرهما. بما يعني أن تلك الدوائر لا تخلو من صراعات مريرة، وهذا الفعل ليس جديدا، لأنه يتصل بشكل كبير بحاشية القصور ودوائر النفوذ المرتبطة بالبلاط قديما وحديثا، على حد سواء. هناك حيث الدسيسة والإيقاع بالخصم وغيرها من الخصال الملتصقة بهم.
- ما هي المعلومات الرائجة في المجتمع الصحراوي بخصوص علاقة ولد سعيد الجماني بالقصر؟
+ في واقع الحال إن الرجل يتحرك بداخله الوازع الديني بشكل كبير جدا، مما يعني أنه صحراوي متدين، يحترم إلى حد كبير العلاقات الأخوية والروابط الروحية التي تجمع بين المسلمين، ويمكن القول إنه من الصنف الذي لا يقيم للسياسة مكانا فوق الدين، أي أنه يجعل الدين في المقام الأول، لذلك فإن ما كان يربطه بالحسن الثاني لا يخرج في اعتقادي عن هذا الإطار المرتبط بالدين والروح الإسلامية السمحة التي تجعل من المسلمين على اختلاف مواقعهم أمة واحدة، لكن إذا ما ربطنا الأمر بالسياسة فإنه لا يخرج عن كونه اغتصابا لإرادة الجماني، سواء تعلق هذا الفعل بالغضب أو الترهيب وما إلى ذلك من الحركات التي تؤدي لنفس المعنى، لكنه ورغم ذلك ظل مشهودا له بعلاقاته الطيبة طيلة مشواره، بكل الأسرة الصحراوية وكل مكونات المجتمع الصحراوي، وهذه ميزة حسنة ما تزال راسخة في الذاكرة الصحراوية تجاه الجماني من خلال أبنائه الذين لا زالوا أحياء يرزقون.
- هل سبق وأن اختلف مع عشيرته من شيوخ القبائل الأخرى بخصوص تواجده شبه المستدام بأحضان القصر؟
+ وضع الجماني مع القصر يدخل في إطار الوضع العام الذي يحيا عليه الصحراويون منذ ضم الصحراء الغربية سنة 1975، إلا أنه اختار أن يعيش مهادنا وذلك لاعتبارات في الغالب دينية، لكن النظام نفسه كان يدرك منذ البداية أن الرجل من العيار الثقيل الذي لا يمكن إخضاعه بالقوة أو السجن، وقد يكون أمر سجنه واردا في حسابات النظام السياسي وقتها، إلا أن فعل المهادنة الذي اختاره الجماني وجد فيه النظام القائم ضالته واستغل الرجل في واجهات سياسية متعددة إلا أن خطري ولد سعيد الجماني، يبقى في الأول والأخير مواطنا صحراويا اغتصبت إرادته كما اغتصبت إرادة الآلاف من الصحراويين.
- في نظركم، كيف يمكن تقييم الدور الذي قام به خطري ولد سعيد الجماني بخصوص ملف القضية الصحراوية؟
+ بالنسبة لي إن ولد سعيد الجماني من بين الذين لم تتوفر لهم شروط التحرر، للتعبير عما يخالج صدره، وللتاريخ إن الرجل لم تصدر عنه أقوال ولا أفعال ضد الصحراويين في الداخل، أو كل ما من شأنه أن ينم عن سوء نيته تجاههم، أو ما ينم عن حقده للصحراويين المناهضين للمغرب، وأعتقد أنه لم تتح له الفرصة ليقول بكل حرية وتجرد، موقفه الحقيقي والصحيح من ملف الصحراء.
- يقال إن خطري ولد سعيد الجماني من الأثرياء، ما هو تعليقكم على هذا القول؟
+ حقيقة إنه ينتمي للعائلات التي يمكن القول بأنها ورثت الثراء منذ أزمان، وإن ممتلكاته ليست حكرا على مرحلة ما بعد 1975.
عن المشعل
التعليقات (0)