مواضيع اليوم

خطبة الصادق .. الخطل الشامل

مصعب المشرّف

2011-09-05 10:19:40

0

خطبة الصادق .. دعوة لربيع أم رفع للعتب؟
(حلقة 1)
(الخـطـل الشـــامل)

الصادق المهدي رئبس الوزراء السابق وزعيم حزب الأمة السوداني ؛ وإمام طائفة الأنصار الواسعة الإنتشار ؛ يظل دائما هو وحزبه القومي وطائفته التي لا ترضى بغير أبناء السلالة المهدية أئمة .... يظل دائما رقم لا يمكن تجاوزه في حالة نشوء نظام حكم ديمقراطي ليبرالي قائم على التعددية الحزبية والإنتخابات الحرة . وكذلك يظل الصادق صحراء عتمور من الحماقة إغفالها والتقليل من شأنها في مسيرة أي نظام حكم عسكري ديكتاتوري أو شمولي وإن كان مطعما ومزركشا ببعض أحزاب لم ينجح أحد والشخص الواحد والعشرين .
ومما يؤسف له فإنه على الرغم من خطورة وأهمية البنود والمسائل التي تطرق إليها الصادق المهدي في خطبته هذا العيد . إلا إنه يلاحظ أنها لم تحظى بالإهتمام اللازم سردا أو تحليلا أو نقدا موضوعيا .. وربما يكون السبب هو هذا الظرف من الزمان . فالحقيقة الناصعة أنه لا أحد بات يرغب في التطرق إلى المسألة السودانية من زاوية عامة شاملة بقدر ما أفرزت الصراعات المسلحة في السنوات الأخيرة نوعا من النزعات والطموحات الجهوية والعرقية والقبلية الخاصة ؛ التي قد يكون من الصعب معالجتها دون حرب أهلية ضروس تأكل الأخضر واليابس يعقبها بتر لأطراف أخرى من الجسم الرئيسي للخريطة . هذا من جهة ....
ومن جهة أخرى فإن مشكلة الصادق بوجه عام أنه " بائع ديمقراطي" و "رجل سوق سياسي" ... لا يجيزك إذا حالفته ولا يجازيك إذا خالفته ، مادمت خارج عضوية حزبه ومن غير نسل عائلته أو غير منضويا تحت لواء طائفته .... والناس في هذه الأيام باتت "زبائن براغماتية شاطرة" ؛ عودتها حكومة الإنقاذ على المكافآت السخية داخل مظاريف تحمل شعار رئاسة الجمهورية. فاستمرأت ذلك وأصبحت تنشد مصلحتها أولا وتضعها في الجانب الأهم...... أما المصلحة العامة فتأتي على كفوف الراحة أو لاتأتي لا يهم..........

هـكـذا إرتآى الغالبية العظمى في هذا الزمان المادي القاسي. فلم يعد هناك من أحدٍ يغني سوى على ليلاه. ولأجل ذلك فقد لا يبتعد غبار خطبة الصادق عن ظرف مكانه في ودنوباوي . وقد يطويها الزمان بأسرع دوران عجلاته.
وعليه فقد يكون من الأفضل التطرق إلي خطبته هذه بالنقد والتحليل لإلقاء الضوء عليها وفق نهج موضوعي . ودون ميل إلى هذا ولا إلى ذاك. ......

إبتداء ؛ يعتب البعض على الصادق أنه عقد صلحا وتفاهمات وأبرم صفقات وحده بنحو أو بأخر مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وغازل الحكومة سنوات ؛ وإختلى بالإنقاذ في مكان واحد خلف باب مغلق ...

ومن ثم فحري بالبعض أن يسأل ويتساءل عن سبب خروج الصادق المهدي بمقالة خطبته الأخيرة على هذا النحو الجرئ المباشر وهو يمتطي صهوة جواد في قلب أمدرمان على بعد 150 ميل من حيران ومسيد وغـار الجزيرة أبا.
إستأسد الصادق المهدي إذن وذهب بعيدا في خطبة عيد الفطر السعيد هذه ..... وعندما يستأسد الصادق فلابد أن القادم مريب وأن وراء الأكمة ما وراءها ؛ وأن في العـودِ شَـقْ وفي مقالة هـذا العـودُ طـَقْ ... ولا ندري بعد خطبة المهدي أشـرٌ أريد بأهل السودان أم أراد بهم ربهم رشدا؟
إستهل الصادق متن خطبته بالتأكيد على إستراتيجية حزبه الدائمة في التوفيق بين مرجعية الإسلام والمساواة في حقوق المواطنة ..... وهذا حسب إعتقادي يصب في خانة القديم الجديد الذي يثير تذمر المتأسلمين والعلمانيين على حد سواء..... فهو يسحب البساط من تحت أقدام أولئك ويعـفـر الأرض ويثير الغبار على وجوه هؤلاء.

ثم إنتقل الصادق بأسرع مما كنا نظن إلى الهجوم على الأجندة الفكرية والعقائدية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم حين وصفهم بالتكفيريين ... وقال بالحرف الواحد : [ ونقول للتكفيريين إن نهجهم الإكراهي يناقض سماحة الإسلام وقد كانت التجربة السودانية الراهنة خير برهان على خطل التطبيق الإسلامي عن طريق احتلال المجتمع بالانقلاب العسكري].

 ...... ومعنى الخطل هو الحماقة والتسرّع والخِفّـة.

وتعليقا على هذه الفقرة من إتهامات وأوصاف بالخطل ؛ لن نكون منافقين على بلاط أحد لو واجهنا الصادق بقولنا وفق هذا السياق :"من كان منكم بلا خطـل فليرمي الناس بجحر" ... ونقول له:- "كان هناك سابقون وهؤلاء هم اللاحقون". ..... وواهم من يراهن على أن الذاكرة ضعيفة ، أو يظن أن التاريخ يرحم.
وللتذكير وفق هذا الإطار ؛ فقد جاء إنقلاب 17 نوفمبر 1958م خطلا للديمقراطية الأولى التي كان على رأس وزارتها آنذاك اللواء عبد الله خليل المحسوب على حزب الأمة وطائفة الأنصار .... فكان المجيء بالعسكري عبود ومجلسه عشية تصويت البرلمان على سحب الثقة من حكومة عبد الله خليل... وكانت تلك سنة سنها حزب الأمة لايمكن أن نصفها سوى بأنها كانت خطلا للديمقراطية .......
وحين صدّق إبراهيم عبود وصحبه أنفسهم ورفضوا إعادة السلطة للأحزاب ، شهد السودان لأول مرة تدبير الأحزاب لإنقلابات عسكرية مضادة فاشلة بدأت في مارس 1959م ثم مايو من نفس العام بقيادة العميد عبد الرحيم شنان وأبو الدهب ؛ فكانت آثار معالجاتها مدمرة على صعيد الحياة السياسية والإجتماعية والعسكرية برمتها. وكان محاولة إصلاح الخطأ بأخطاء أفدح منه إذن خطلا آخر من أخطال الأحزاب الديمقراطية.
وفي ذات الإطار جاء إنقلاب 25 مايو 1969م بتدبير من الشيوعيين وحلفائهم آنذاك من القوميين العرب ؛ على إثر خطل للديمقراطية التي كانت على وشك التصويت في برلمانها الليبرالي على وقف نشاط الحزب الشيوعي وسحب الترخيص منه ، وطرد النواب الممثلين له في البرلمان.
وجاء إنقلاب 19 يوليو 1971م الدموي الفاشل الشهير بإنقلاب هاشم العطا .. جاء خطلا من جانب الحزب الشيوعي الشريك في لعبة الأحزاب الديمقراطية ولا يزال.
وتنامى الخطل الديمقراطي فجاء إنقلاب حسن حسين عثمان في سبتمبر 1975م الفاشل أيضاً بدعم من الجبهة الديمقراطية التي شكلتها الأحزاب الديمقراطية وقتها وعلى رأسها الأخوان المسلمين والشيوعيين.
ثم توالت على السودان في عهد نميري التدخلات الأجنبية جراء خطل الديمقراطية ، التي جاءت فيه بالمرتزقة بقيادة العميد محمد نور سعد في يوليو عام 1976م فيما سمي آنذاك بالغزو الليبي المندحر ..
ثم نجح الإخوان المسلمين في الإرتقاء على ظهر نظام مايو. إلى أن افلحوا في يونيو 1989م بإستلام السلطة على إثر إنقلاب عسكري بقيادة العميد وقتها عمر البشير ... فكان ذلك خطلا لحزب ولد ونشأ في ساحة الديمقراطية . ولم ينوبه من كل هذا سوى التشظي فيما بعد ومواجهة خطر التصفية والإجتثاث في حالة إجباره على التخلي عن السلطة بالقوة العسكرية أو الثورة الشعبية.
وهكذا إذن لا يسعنا خلال إستعراض تاريخ الخطل الديمقراطي للأحزاب السودانية وتعطشها للسلطة من 1959م إلى 1989م سوى ترديد قول الشاعر:

مشى الطاؤوس يوما بإختيالٍ ....... فقلد مشيته بنوه 
فقال علام تختالون؟ ....... قالوا بدأت به ونحن مقلدوه .

.......

والطريف أن السيد الصادق وعلى طريقة "وداوهم بالتي كانت هي الداء" ؛ نسمعه قد أورد فتوى للشيخ الألباني قائلا: وقديما سُئل الإمام الألباني عن شرعية الانقلابات العسكرية فقال: (هذه الأفعال لا أصل لها في الإسلام وهي خلاف المنهج الإسلامي في تأسيس الدعوة وإيجاد الأرض الصالحة لها وإنما هي بدعة كافرة] ...
ولا ندري متى إطلع الصادق المهدي على هذه الفتوى؟ .... هل كان ذلك قبل مشاركته في التخطيط والتنفيذ امحاولة تغيير نظام حكم جعفر نميري بالقوة المسلحة عبر إرسال المرتزقة الأفارقة من ليبيا في شهر يوليو عام 1976م أم بعـده؟

يتبع ... (حلقة رقم 2)
إنشاء الله




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات