عبـد الفتـاح الفاتحـي
يؤسس الخطاب الملكي الأخير لمنهجية عمل المغرب لما بعد 2010، بعدما ثمن سياسية الأوراش الكبرى التي أعلن عنها محمد السادس في منذ بداية حكمه.
وأعاد محمد السادس التأكيد على عدالة القضية الوطنية ضدا على ما أسماهم الملك محمد السادس بأعداء وحدة المغرب، مؤكدا على أن مسلسل الإصلاحات الهيكلية العميقة للملكة المغربية.
بعض المراقبين رأوا في الخطاب الملكي الأخير رد مباشر على تصريحات الجزائر وجبهة البوليساريو التي اعتبرت أن المغرب يتجاوز قرارات مجلس الأمن حين لا يبدي أي رغبة لإجراء استفتاء في الصحراء. بعد تأكيدات حازمة للخطاب العرش الأخير الذي أعلن فيه التزام المغرب بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء.
وبرر المراقبون هذا التفسير بناء على دلالة ما أورده محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب حينما قال: " بيد أنه كلما ازداد الدعم الدولي لهذه المبادرة الشجاعة، المشهود لها أمميا بالجدية والمصداقية، تمادى خصومنا في مناوراتهم اليائسة، لعرقلتها، ونسف ديناميتها الواعدة بالتسوية النهائية المنشودة، دوليا وجهويا، لهذا النزاع المفتعل".
وبنبرة تشي بأن موقف المغرب قوي ويحظي بتأييد دولي، جاء الرد الملكي أكثر حزما من ذي قبل، "مهما بلغ تعنت أعداء وحدتنا الترابية، فإنه لن يزيدنا إلا إصرارا على مواصلة التطور الديمقراطي والتنموي، بكامل الحزم والعزم، واليقظة والتعبئة؛ مؤكدين أن حقوق المواطنة لا يمكن تصورها أو ممارستها، إلا في ظل الالتزام بالحق الأسمى للوطن في الوحدة والسيادة".
كما تميز خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب بنبرة جديدة تكشف حجم الاطمئنان إلى النتائج التي تحققت في العشرية الأولى من حكم محمد السادس، والتأكيد على مواصلة المسلسل التنموي الذي تعرفه المملكة رغم كل الاكراهات. وأكد محمد السادس أن ذلك يعد تحولا نوعيا وغير مسبوق، في تاريخ التحرر التنموي لبلادنا، مكن من تعزيز انفتاح المغرب على العالم، وكذا بين جهاته، وفك العزلة عن المناطق النائية والمهمشة، ووضع حد نهائي للمقولة الاستعمارية للمغرب النافع وغير النافع".
ويضيف "وشرعنا في تمكين المغرب من الاستغلال الأمثل لما وهبه الله تعالى، من إمكانات لإنتاج الطاقات المتجددة والنظيفة. وذلك ما يعد منطلقا لإنجاز تاريخي. ألا وهو تحقيق التحرر التدريجي من التبعية الطاقية، وتوفير موارد جديدة للتنمية، ولخلق المزيد من فرص الشغل لشبابنا".
بعض المحللين أكدوا بأن الخطاب الملكي حمل نظرة تفاؤلية حيال النتائج المحققة في العشرية الأولى من القرن الحالي، ويبرز ذلك جليا في قوله: "وفاء لروح ملحمة عشرين غشت، حققنا مكاسب هامة، وإصلاحات عميقة، لترسيخ صرح الدولة المغربية الحديثة وتعزيزا للتقدم الذي بلغته بلادنا، في ممارسة اللامركزية، بادرنا إلى إطلاق ورش الجهوية المتقدمة، توطيدا للحكامة الترابية الجيدة، والتنمية المندمجة".
وأراد محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب ومن بعد الإعلان عن التوجهات الجديدة لمغرب ما بعد 2010 التطمين على مستقبل المملكة، وهو ما برز واضحا في التأكيد على حماية أصالة وعراقة المملكة المغربية والتي ستكون مكفولة في مستقبل المسلسل الإصلاحي ينتهج المغرب، ويقول في هذا الصدد "لذلك، ما فتئنا، منذ اعتلائنا العرش، نضفي عليها روحا متجددة، ونستلهم منها (ذكرى ثورة الملك والشعب) قيم الغيرة الوطنية، والتضحية، والصمود، لنصنع تاريخا حديثا، يليق بماضينا العريق، ويفتح آفاقا مستقبلية واعدة بتحقيق غاياتها المثلى؛ وذلك من خلال إطلاق مبادرات جريئة، تشكل تحولا حاسما في تاريخنا المعاصر".
وبعد أن استكمل خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لمشروع رؤية ما بعد 2010، وفي سياق التعبير على جدية نهج المغرب، أعاد محمد السادس التأكيد على التزام المغرب بمشروع الجهوية الموسعة كأسلوب جديد من ممارسة الحكم في جهات المملكة، ومدخل أساس لتقوية صرح الديموقراطية والحريات...
ويتزامن اعتزاز الملك بالمنجزات التي حققتها التوجهات السابقة مع إعلان مجموعة التفكير البريطانية "أكسفورد بزنس كروب" بأنه منذ 2003، في الوقت الذي تم فيه إجراء تقييم للمسؤولية المالية في البلدان التي يغطيها البنك الدولي والتي أظهرت بأن المخاطر المالية المرتبطة بالتدبير المالي للمغرب ضعيفة، لم تتوقف المملكة عن تحسين تدبير الإيرادات والتقليص من النفقات المرتبطة بأجور الموظفين.
وجاء في تقرير هذه المجموعة بأن الإصلاحات البنيوية للقطاع العمومي ساهمت في تعزيز النمو الاقتصادي الهام الذي سجله المغرب في السنوات العشر الأخيرة. بحيث حقق المغرب الأهداف المالية التي حددها لسنة 2009، وارتفعت نسبة نموه خلال هذه السنة إلى حوالي 9.4 % مما يدل على قوة الاقتصاد المغربي.
وأرجعت أكسفورد بزنس كروب" النمو الاقتصادي إلى ارتفاع الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي بنسبة 5.4% مقابل انخفاض بنسبة 1.5 % خلال الفترة من نفسها من سنة 2009، وإلى تراجع في حجم القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 8.6 % مقابل زيادة بنسبة 30.7 % العام قبل الماضي.
ولعل تأكيد الملك على أن خصوصيات هوية المملكة مكفولة في نهج سياسة التحديث؛ تشير بمعنى أو بآخر إلى حرص جلالة الملك على أن تكون الجهوية التي ستعرضها اللجنة الاستشارية للجهوية مغربية بامتياز. "إعداد تصور عام لنموذج مغربي-مغربي متميز، للجهوية المتقدمة، نابع من واقع بلادنا وخصوصياتها".
ويعتبر الملك محمد السادس بأن الاصلاحات السياسية المستقبلية للمغرب ستتأسس على فعالية خيار الجهوية التي سيشرع المغرب في تطبيقه "الغاية المثلى للجهوية المتقدمة، واللاتمركز الواسع، هو إعطاء دفعة قوية لنموذجنا التنموي والمؤسسي المتميز".
لما كانت الجهوية جزء من مشروع رؤية الملك لما بعد 2012، فإن الملك محمد السادس قد حاول في خطابه دعوة المغاربة من خلال أربعة مستويات:
1- التهيؤ لهذا المشروع التنموي الهام، داعيا إلى إنضاج هذا المشروع عبر التعبئة والتعريف والانخراط القوي والجميع فيه.
2- وضع خارطة طريق واضحة ومضبوطة، لحسن تفعيله، بخطوات متدرجة، وبواسطة الهيآت المؤهلة، والآليات المؤسسية والتنموية الملائمة والناجعة.
3- انكباب الحكومة، بموازاة أعمال اللجنة، على إعداد ميثاق لعدم التمركز; يقوم على نقل الصلاحيات والموارد البشرية والمالية اللازمة للجهات. إذ لا جهوية في ظل المركزية.
4- المساهمة الفعالة للأحزاب الوطنية الجادة، في إعداد وتأطير نخب مؤهلة لحسن تدبير الشأن الجهوي.
واعتبر محمد السادس خيار الجهوية تحول نوعي وغير مسبوق، في تاريخ التحرر التنموي لبلادنا، مكن من تعزيز انفتاح المغرب على العالم، وكذا بين جهاته، وفك العزلة عن المناطق النائية والمهمشة، ووضع حد نهائي للمقولة الاستعمارية للمغرب النافع وغير النافع.
وفي سياق الشروع في تنفيذ اقتصاد المغرب الأخضر، حيث بدأ المغرب في أولى أهم مشاريع ما بعد 2010، وهو ما يشير إلى خطاب محمد السادس "شرعنا في تمكين المغرب من الاستغلال الأمثل لما وهبه الله تعالى، من إمكانات لإنتاج الطاقات المتجددة والنظيفة. وذلك ما يعد منطلقا لإنجاز تاريخي، ألا وهو تحقيق التحرر التدريجي من التبعية الطاقية، وتوفير موارد جديدة للتنمية، ولخلق المزيد من فرص الشغل لشبابنا".
ومعلوم أن حكومة ما يسمى بجبهة البوليساريو قد أدانت ما جاء في الخطاب الأخير لمحمد السادس معتبرة إياه "استفزازا" يضر بمصالح الشعبين الصحراوي والمغربي ويعرض أمن واستقرار المنطقة للخطر، وينسف مصداقية الأمم المتحدة، ويتمادي في مواصلة سياسة التعنت والتوسع وتأجيج نار الحرب إيقاظ التوتر في المنطقة".
ودعا بيان ما يسمى بالحكومة الصحراوية الأمم المتحدة وأمينها العام ومجلس الأمن إلى "تحمل المسؤولية كاملة" في الضغط على الحكومة المغربية من اجل الانصياع للشرعية الدولية بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال.
التعليقات (0)