رغم ان معايشتنا لحكم البعث لعقود طويلة قد جعلتنا في حصانة من الاندهاش في كل ما يمكن ان يصدر عنه وعن قياداته من غرائب ومبهرات..الا اننا لا يمكن ان ننكر ان النظام في سوريا ومجلسه العجيب قد تجاوز نفسه هذه المرة وقدم لنا وصفة لا يمكن ان تثير فينا الا التعجب من كون ان هذه الكرنفالات الزاعقة ما زال لها مكان في عالمنا المعاصر..
فبعد اربعة ايام من الاعلان الملح الممل المضجر عن الحدث الكبير المتمثل بالخطاب التاريخي المرتقب للرئيس بشار الاسد ..اختصر الرئيس الأمر بانه مجرد سوء توقيت للاصلاح وتداخل في سلم الاولويات المعدة مسبقا والتي من المؤمل تجعل سوريا في مصاف الصفوة من دول العالم المتمدن..اما كل هذا الموت الذي تناثر على شوارع درعا..وكل الشهداء الذين سقطوا في موقعة الحرية والديمقراطية..فهم كلاب سكك سقطت تحت عجلات السيارات المسرعة او نواتج عرضية لهذا الخلل في التوقيت..
تكلم الرئيس بثقة المطمئن الى قوة اوراقه الكثيرة التي تجعله في موقف القوي العزيز..فلا تكافؤ بين جبروت آلته الحربية المدججة بالعنف المنفلت الآمن من المسائلة العقاب..والمسلح بخفة وزن الضحايا في عرف نظام الرئيس..وبين الصدور العارية والاكف الخالية والحناجر التي بحت مما لا طائل من ورائه من الهتاف..
تكلم الرئيس وهو مطمئن ومرتاح البال للتواطؤ الاعلامي العربي الخجول والمخجل..بعد ان قايض النظام هذا التواطؤ بالتأييد العلني عالي الصوت للتدخل الخليجي القامع المدمي في البحرين..
تكلم الرئيس بذهنية ونفس منفتحة على المستقبل بعد ان استند على تردد الرئيس اوباما وتطيره من اتخاذ اي خطوة او قرار تعارض اسلوبه في استخارة الطلاسم والنجوم وارواح الجدود العظام لتوقع ما كان يمكن ان يصدر عن ادارة الرئيس جورج بوش من قرارات ليتصرف عكسها تماما..
تكلم الرئيس بثقة يبررها تحصله على دعم رفقاء القمع والاستبداد الذين امطروه بالرنين الملح المتكرر المحمل بالدعاء وشعارات الاصطفاف الى جانبه في وجه"المؤامرات" التي تهدد امن سوريا واستقرارها وخياراتها الوطنية والقومية..والتي هي بالضرورة ما يحدده ويتبناه السيد الرئيس..
لم يقدم الرئيس اي وعود..ولا حتى الاجترار المتكرر للجزرات التي لوحت بها مستشارته الاعلامية..ولكنه لم ينس ان يرفع هراوته في وجه الشعب..فانها معركة ..ومرحب بها ايضا..والمعركة تستلزم بالضرورة وجود عدو غاشم او غازٍ غريب.. وهذا بالضبط ما يراه الرئيس في الجماهير التي خرجت الى الشوارع للاحتجاج على نظامه القديم..
خطاب لا يختلف عن خطابات صنوه العقيد الا في استخدامه الفصحى وتأدب مريديه بهتافاتهم والنداء بالله وسوريا وبشار وبس..وليس كما يهتف متراقصي ومتقافزي ملك الملوك بالله ومعمر وليبيا وبس..
لقد تكلم السيد بشار الاسد كوريث وليس كرئيس..وهذا ما يجعلنا لا نقوى على الاعتراض على اي مما قاله..فالمرء لا يناقش على ما ملكت ايمانه..والناس على اموالهم مسلطون..
التعليقات (0)