الزعامة السياسية تعني باختصار:
القدرة الذاتية على اتخاذ القرار السياسي المحقق لأقوى إمكانيات الصواب وأقصى درجات الإطمئنان النفسي "يعني الجانب الإنساني للقرار السياسي".
ومن مجموع مراجع التراث وكتابات الفكر الإسلامي تتحدد صفات الزعامة السياسية اللازمة لاتخاذ القرار السياسي وأساسها:
- الحكمة: وهي الروية والتمييز. والورع وضبط النفس والشجاعة والإقدام، سعة الأفق، قوة الحدس والتخمين. ثم الرأي المتين، بالبحث والنظر في تدابير السلف وتجاربهم.
- الإخلاص: الملهم للصواب والمجبر للخطأ والمحقق للثواب في كلا الاحتمالين والمحقق في نفس الوقت للتجرد من الصراعات النفسية والمؤثرات العاطفية.
- الصبر: على الشدائد بلا تردد الخائف، ولا تهور المتحمس والذي يتحمل به المعترضين عليه داخل كيانه السياسي، والمتربصين به خارج كيانه، والضاغطين عليه من العقول غير الفاهمة، والنفوس غير السوية.
- الذكاء: المحقق للإحاطة بالقرار أثاره واحتمالاته وبدائله؛ بدقة ذهنية واستشفاف مستقبلي يستوفي حق التفكير في القرار بأنسب وقت ممكن بحيث لا يكون فيه تعجل ولا تردد.
- العلم: والخبرة المستخلصة من تجارب الواقع المشابهة للتجربة القائمة لتحقيق كل عناصر الصحة والصواب بأسهل الأساليب، وتحقيق أكبر العوامل المنبهة للتجربة القائمة إلى المزالق والثغرات التي دفع ثمنها أصحاب التجارب السابقة حتى لا يتضاعف الثمن وتتضاءل الحصيلة.
- الشورى: الجامعة لأقصى إمكانية الصواب في الرأي.
-العزم: الذي يجعل صاحب القرار منطلقًا بقراره بأقصى الإطمئنان الشرعي والحركي والنفسي إطمئنانًا يملؤه ويتعداه منه إلى جميع المحيطين به فيطمئنوا كما اطمأن اطمئنانًا واثقًا، بغير غرور يعمي عن الحقيقة، وبغير تردد يضيع الهدف ويحير المشاركين له في الموقف.
- التوكل المعين: على خوض التجربة قبل بدئها وعلى تحمل أثارها بعد تمامها.
- الحب والألفة: التي تعين على الإطمئنان لقراره وتخفف من وطأة الخطأ إذا حدث وتعين على تحمل المعاناة المترتبة على الخطأ. الحب الذي يجعل الجميع يبذل كل ما في وسعه؛ لإنجاح قرار يحبون صاحبه « خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم » [1].
- وبصفة نهائية تكون القوة الشخصية: والقوة الشخصية التي يأخذ بها فرصته الكاملة في اتخاذ قراره، ويتنبه بها إلى المحاولات الطبيعية المصاحبة لكل قرار جديد، والتي يحاول فيها أصحابها نقد أو رفض القرار من المحيطين بصاحب القرار، عندما يكون حوله المخلص غير الذكي والذكي الفاقد للخبرة؛ حيث سيتمثل كل فقد لأي عنصر من عناصر الإخلاص والذكاء والخبرة في محاولة معاكسة لصاحب القرار.
القوة الشخصية التي ينشئ بها واقعًا جديدًا، ومرحلة جديدة، ومتغيرات بقرارات سياسية تتطلب رجلًا قويًا.
وأقوي ما تتمثل فيه القوة الشخصية للزعيم السياسي هو قدرته على مواجهة جماعته ذاتها في حال الوقوع في خطأ جماعي يجب تصحيحه. (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165].
أو في حال إتخاذ قرار يراه صوابا ولا يشاركه في هذه الرؤية أحد غيره، مثلما كان من أبي بكر في حرب الردة. وهذه الحالة لا تعتبر استبدادا؛ لأنها تستند إلى أساس شرعي، ولأن القرار كان بعد المشورة. ولأن العلاقة النفسية بين الجماعة والأمير، كانت قوية بالدرجة التي تجاوزت بها الجماعة هذا الموقف، فاقتنعت بالرأي بعد ثبات أبي بكر عليه. ولذلك يقول عمر: "فما أن وجدت أن صدر أبي بكر قد شرح لقتالهم حتى علمت أنه الحق".
وأساس القوة الشخصية هو إيمان صادق يتعرف به على مصلحة الدعوة بكل كيانه ومواهبه. وربانية تحميه من أي تناقض بين إنسانيته و الحق الواجب. وبصيرة تثبت بها الغاية في فؤاده وعلم يمنعه من الغفلة عن الواقع وطبيعة الأمور. تخطر له الفكرة ويلهم الأمر، ويلازم الصواب. يعيش قضيته، يتحرك بجماعته، ينهض بأمته يحيي حضارته.
________________
[1] صححه الألباني ولفظه: ((ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم؛ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)).
التعليقات (0)