خسارة الشيوعيين
حماده فراعنه
خسر الحزب الشيوعي الأردني ريادته وموقفه المتقدم في المعارضة السياسية ، حينما إختار الأنكفاء والعزلة عن معركة المواجهة الجماهيرية ، الأنتخابية ، وركونه لأسلم وأريح الخيارات بعدم خوض المعركة الإنتخابية لمجلس النواب السابع عشر ، وحشر نفسه خلف سلسلة من الإحتجاجات يشاركه فيه أغلبية كبيرة من الأردنيين ليس فقط من المعارضين بل وحتى من معسكر الموالاة نظراً لموضوعية خلاصاتها وأهميتها لأمن الأردن وإستقراره وتقدمه .
خسر الحزب تراثه الذي كان متمسكاً به طوال فترات النضال الصعبة ، في مرحلة الحشر والمنع والأحكام العرفية ، حينما كان يقول " إذهبوا إلى صناديق الأقتراع وإختاروا الأنتخابات وتعلموا منها وعلموا الناس أهمية الأحتكام إلى خيارات الناس في الجمعيات والأندية والنقابات العمالية والمهنية ، والبلديات والبرلمان ، بإعتبار الإنتخابات الوسيلة العصرية الحضارية الديمقراطية للوصول إلى مؤسسات صنع القرار ، وبإعتبارها أداة لتنظيم الناس وتوعيتهم ورص صفوفهم كي يفهموا ويدركوا مصالحهم ، من أجل أن يحموها ويدافعوا عنها " ، هذا هو تراث الشيوعيين السياسي والجماهيري والتثقيفي الذي تخلوا عنها ، في مرحلة فيها مزيد من الأنفتاح والأنعتاق ، وفي مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها لقوى عصرية حضارية ذات طابع وطني مدني وواقعي في نفس الوقت ، تؤمن بالتعددية وتتمسك بها ، وأحوج ما نكون لمواجهة التحالف ما بين القوى المحافظة التي راكمت خبراتها ونفوذها وتسلطها على المؤسسات والمسماه عندنا بقوى الشد العكسي ، إضافة إلى القوى الأصولية التي كانت حليفة للقوى المحافظة وفكوا تحالفهم مع بعضهم البعض ، لأسباب عديدة ، ولكنهم مثلهم ، تربوا في مدرسة واحدة غير ديمقراطية ، لا يؤمنون بالتعددية ، ولا يحترمون تداعياتها ، والدلائل ملموسة في مصر ومن قبلها في قطاع غزة وأفغانستان وإيران والسودان والقائمة طويلة .
ما أورده الحزب الشيوعي الأردني من دوافع أو حجج أو مبررات ، لمقاطعة الأنتخابات النيابية وعدم المشاركة بها ، تنفيذاً لقرار اللجنة المركزية مرده " إصرار السلطة على النهج السياسي والأقتصادي ذاته ، وعدم التراجع عن الإجراءات الإقتصادية التي إتخذتها " اسباب غير كافية وغير مقنعة تجعل الحزب يقاطع الإنتخابات لأول مرة منذ عام 1951 ، فالأسباب نفسها هي التي يجب أن تشكل دوافع للحزب كي يخوض المعركة الإنتخابية ، من أجل كشفها وتعريتها أمام الأردنيين ، والأسباب نفسها هي التي دفعت الأحزاب القومية واليسارية ، وإصرارها على التمسك بخيار الإنتخابات كوسيلة كفاحية جماهيرية متاحة لتوظيف المنبر الإنتخابي لمواجهة سياسات الحكومة والتصدي لها ، سواء حققت الفوز والنجاح الذي تستحقه أو أخفقت لأسباب خارجة عن إرادتها .
قرار الحزب الشيوعي ، أخرجه عن سياق تحالفه الطبيعي مع قوى المعارضة القومية واليسارية ، فأضعف نفسه وأضعفها بقراره المنفرد غير الحكيم هذا .
h.faraneh@yahoo.com
التعليقات (0)