خزائن أحلامٍ لا نملك مفاتيحها
يترك العمر والأيام أثراً خاصاً في نفس كل إنسان فهو ومع مساره المتسارع يحقق رغبات ويقمع أخرى ويؤجل ثالثة ويحيلها بصمت إلى أرشيف الأماني تمهيداً لتدوينها ضمن دفاتر النسيان.
وقد يبتسم تارة فنبتهج ونصفق كثيراً للحظات قادمة لعلها تحمل معها الفرح الموعود ...
وقد يعبس تارة فيقض مضاجع ويؤرق نفوساً ويفيض من العيون حتى لحظات النوم...
وحين يسير بنا الزمن إلى حيث يريد قامعاً كل الرغبات ، كونه وفي غفلة منا يسرق عمرنا دون أن ننتبه إلى تحرك جميع الأشياء من حولنا لنترك في خزائن أحلامنا تأملات عشناها ونرغب أن تستمر لتعانق بعض عناوين كانت منسية لتشكل بعض أحلام تعيش وراء العيون المغمضة...
منها العبثية ومنها النديّة...
وكثيراً ما تضيع منا هذه الأحلام في زحمة احتياجات الحياة المتنوعة ، ولا نتذكر منها إلا نتفاً خاصة تلك التي علقت رغم عنا في خزائن أمنيات لا تتحقق وأمنيات لا تجد طريقاً لها إلى صخب الأيام ...
وكون الأحلام هي باختصار حياتنا الماضية ببعض تفاصيلها الملتصقة بالماضي فهي تدور في رؤوسنا لتحضر نفسها من خلال تشابهها مع العديد من التجارب والعلاقات الإنسانية التي نمارسها ... وفي متطلباتنا المعيشية وأشغالنا اليومية ومساعينا الحثيثة من أجل لقمة الخبز يحتجب ماضينا عنا، فإذا حاولنا إجتياز عقبة الشعور نكتشفه ونتصل به كلما تجردنا من مآربنا المادية ومن عبوديتنا وقانون المحافظة على البقاء فإذا بنا من غير أن ندري ننتقل إلى حياة الحلم ، حيث نستعيد ذكريات كنا قد اعتقدنا أنها دفنت مع ركام النسيان إلى الأبد ...
فإذا بها تفك عقالها وتتدافع من منطقة الظلام التي قذفت إليها باعثة أمامنا فصولاً مطوية من طفولتنا ...
إن إنساناً يحلم في حياته أحلاماً كثيرة دون أن يعيشها واقعاً حياتياً يظل ملتصقاً بماضية ، كما يظل في مجال الفردية التي توالي وتوازي جميع لحظاته في تيار مشترك ندمجها في بعضها ،وتدعم تعمدها وتنوعها ، وجميع صفاتها المحسوسة المميزة في حدس واحد بسيط ..
لنقرأ تجاربنا ونستفيد منها ،فالحلم هو الصلة بين الأحاسيس والذكريات المطبوعة في وجداننا على شكل أشباح لا تستطيع أن ترقى إلى النور ،إلا إذا انعتقنا من كابوس العمل الراهن ، والحاجة الملحة ، وعندئذ نعبر الحاجز الذي كان يصدها عن الخروج وتحطم القيود التي كانت تكبلها راقصة رقصة الأشباح في دنيا النسيان، متدافعة كلها معاً ، لكن مع كثرتها ،لا ينفذ من الباب الضيف الذي انفتح في وجهها إلا ما كان له علاقة بحالتنا الإنفعالية ...
إذاً الحلم هو انبعاث للماضي على ثلاثة أنماط:
ذكرى نسيناها نستعيدها في الأوقات الحرجة.
أو حادثة كنا مندهشين منها حين وقوعها نتمثلها من جديد .
أو نتفٍ من ذكريات ملمومة من هنا وهناك دون أي صلة تربط بينها.
إن الحلم يلقي على الأمور نظرة كنظرة عاشق ولهان إنه ومضة سحرية تفعل الذاكرة ليعيش في بضع ثوان أحداثاً رسمت على محياها إبتسامة كالوردة وأبكت عيوننا تارة أخرى وخلقت في ضمائرنا غصة ...
إنه كالوردة نتأمل جمالها ونعجب بشذاها ، دون الولوج إلى تفاصيلها في لحظات تأمل عن بعض ما تخبئه الورود من قدرة على التجدد.
وفي هذا التوقد ما بين الحلم والحياة ظاهرة اختلف العلماء في تفسيرها لكنه يؤكد أن الحياة تتكرر دون توقف وعلينا أن نعبرها بأقل ما يمكن من الخسائر لأنها برمتها شجرة وأنامل توزع عمرنا دون توقف أو زهرة نرمي أوراقها يوماً إثر يوم.
إن وميض الحياة يفرض علينا العيش مع بيارق الأمل المتجددة من خلال فهم أفضل لما هو آتٍ فالماضي لن نستطيع إصلاح أخطاءه ولا الدخول إلى لحظاته وكل ما نستطيع فعله هو الاستفادة من تجاربه وعطاءاته ومع هذا الوميض يختزن كل منا أحلامه الخاصة ومع الزمن وتوالي الأيام قد يتحقق بعضها والآخر نؤرشفه في خزائن لا نملك لها مفاتيحاً..!!!
التعليقات (0)