الشعوبُ العربية ظلّت ـ ولعقودٍ طويلة ـ يرقاتٍ محبوسة في شرانق أنظمتها الظالمة، وها هي اليوم تبدأ الخروج من تلك الشرانق، وتحطّم السلاسل والقيود، وتطارد سجّانيها وجلاّديها الذين كتموا أنفاسها طويلا، ودمّروا بُنى أوطانها، واستنزفوا خيراتها ومُقدّراتها، وعطلوا تنميتها .. لتحلّق بعيدا وعاليا في سماء الحرية والكرامة والنّماء !..
الشعوبُ العربية كانت تعيش فصل شتاءٍ طويلٍ وقاسٍ، وعزيمتها على التحرر من براثنه وحدها ما أيقظها من السُّبات، وإرادتها الكبيرة في النهوض من تحت رُكام التخلف والظلم والإستبداد، دافعها لمناجاة ربيع الحرية أن يبعث نسائمه لتُقبّل ثغور الورد، ولتنثر في الأجواء رحيق ملكاتٍ إبداعية، وطاقاتٍ إيجابية جبّارة !.. هي طاقات شابّة وفتية ترفض أن يتم تعطيلها وطمرها وتجاهلها، أو إستدراجها إلى مكيدة (الأرض المحروقة)، أو (أنا أو لاأحد)، أو (أنا ومن بعدي الطوفان) !.. لذلك كانت أحق شعوب الأرض بتشبيه ثوراتها بربيع الحرية والتطور، المُنبعث من رحم شتاء الأنظمة المتخلفة حد التّعفّن !.. هو ربيعٌ أذهل العالم أجمع، وأصبح نموذجا يُحتذى به من قِبل أكثر الشعوب مُباهاة بالديمقراطية : الشعب الأمريكي، الذي ثار على نظامه الإقتصادي الجائر !.. وطالب بإنصافه من الرأسمالية التي تزيد من معاناته يوما بعد يوم، في الوقت الذي تتزايد فيه بحبوحة فئة مُحدّدة من قروش المال والأعمال !..
لم تبدأ معاناة الشعب الأمريكي مع نظامه الإقتصادي المُجحف والظالم بالأمس القريب، لكن إلهام الثورة عليه جاءه بعدما رآى الشعوب العربية تستميت، من أجل نيل حقوقها المشروعة المُتمثلة أساسا في (العيش الكريم) !.. وهو المطلب الذي نادى به الأمريكيون على خلفية إقتصادية، لأن إقتصادهم يُكبّلهم ويضطهدهم تماما كما تضطهد الأنظمة السياسية العربية شعوبها !..
هو إذن خريف إقتصادي ذاك الذي حطّ الرّحال بأمريكا، بعد ربيع الديمقراطية الذي أزهَر بربوع الوطن العربي !.
11 . 10 . 2011
التعليقات (0)