خريف البطريرك- بشارة ماركيز وهم الأنعتاق / قراءة متأخرة
مثل سيمفونية مؤثرة ،في حركة دائرية تجمع بين أحداث ماضية وتلميحات إلى أحداث أخرى آتية،لاريب حيث يتكرر فيها نفس العزف لألات الرعب ،نفس الأناشيد المتوحشة ، نفس الصفير المكتوم المنبعث من فتق خصية بطريرك مستنسخ لكل الأزمان ، هي نفس تلك الخاصرة التي كلما ارتفع فيها الزبد ظن الطغاة الجدد أن باستطاعتهم قضم العالم .وأخيرا
يموت البطريرك في رائعة ماركيز ومامن نهاية سعيدة تسعف الشعب البائس .. والأغرب إن بطريرك ماركيز يضل حيا على لسان الرواة على مدى فصول الرواية ؟ وهي علامة يغرزها ماركيز في طريق القارئ للدلالة على أن اللحن الجنائزي بتعاقب ،والقضية ليست موت دكتاتور في زاوية نائية من العالم ، إنما هي أعمق واعقد من حادثة موت مزيف ، ذلك إن خليفته لايختلف عنه فهو نسخة بديلة ( فقد عاش البطريرك مابين 107 الى232 عاما انه نموذج 14 جنرالا تعاقبوا على السلطة هناك،
رواية تعج بأغاني الشاطئ الكولومبي والحانة ، قصص حب وهمية ،وحقائق دموية ،خرافات وسحر وتعاويذ ،مآدب من لحم بشري ،رواية يتجاوز بها غابرييل غارسيا ماركيز حدود أمريكا اللاتينية ،ويعلن عن دكتاتور كلي الوجود له إلف وجه ووجه، وفي كل الأحوال هو من يمثل إرادة الرب لابل هو الرب . يقول في ذروة خريفه :عاش إنا ويموت ضحاياه، ويكتبها خلسة على جدران المراحيض العمومية في زوايا مملكته البائسة، ويطربه سماعها من أفواه الجوعى والمتسكعون والمشلولين والمتسولين على درجات سلم القصر الرئاسي والبرصى تحت أشجار الورد :– انثر على رؤوسنا ملح العافية سيدي البطريرك –
عندها تدق أجراس الحبور وتعلو معزوفات التحرر .
- بأسلوب يجمع بين الشعر والموسيقى والصورة السينمائية الحية يأخذنا ماركيز إلى الغرف السرية في قصور أولئك الأباطرة الدمويون ليشهدنا على كل ما حدث وهو يقهقه من الفاجعة حد الاختناق ،هو زمن الأبدية الهائل ،منذ طفولة البطريرك إلى توليه السلطة أو بالعكس .
(بعد أن يطفئ البطريرك كل الأضواء في قصره ويلتحق بغرفة نومه وفي يده مصباح ( مصباح الانطلاق نحو الكارثة)كما يقول، يرى نفسه منعكسا على المرايا جنرالا واحدا ،ثم جنرالين اثنين ، ثم أربعة عشر جنرالا ) ويتجلى ذلك ضمن إيقاع متكرر :حياة /موت /موت مزيف /حياة / موت/سقوط يعقبه سقوط ،موت حقيقي ،خروج الحشود إلى الشارع /سقوط/ وكأنه يصر على إن لا وجود لنهاية سعيدة أو انعتاق حقيقي!؟
- إن ابتكار الصور التي يجيد فنها ماركيز والكلمات المجنحة واعتماده الجملة الطويلة التي تمتد ولا يقطعها فاصل أو تحدها علامة لغوية يجعلنا متيقنين إن ماركيز يعني ما يقول بتواصل السطر من أول الجملة حتى آخر الفصل بنفس لاينقطع ، إذ هو لهاث الشاهد المختنق على فاجعة .
يقول ماركيز :إنني في كل ما اكتب اجمع بين الصورة والموسيقى وذلك تجده جليا بتوصيفاته من خلال الرواية
وفي رد له حول الرواية (خريف البطريرك) قال :أنها أصعب من (مائة عام من العزلة)وأنه كثيرا ما كان يكتب خمسة اسطر في اليوم ليلقي بها في القمامة في اليوم التالي .وتم حظر الرواية في بلدان كثيرة وسرعان ما تراجعت حكومة تشيلي عن حظرها بذريعة ((إن الحكومة التشيلية تفضل عدم إثارة فضيحة بدون فائدة)) ذلك إن كتاب خريف البطريرك( كتاب عسير، غير جماهيري جدا..)
وتساءل حينها ماركيز : (ماذا عسى أن يحدث لو نشرت كتابا على نطاق واسع تكون قراءته في متناول جمهور واسع من القراء.
شهادة بعد السقوط الاول
(انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع ،فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها ،وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها ،ومع بزوغ شمس يوم الاثنين استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة ودافئة ، نسمة ميت عظيم ورفعة متعفنة ،عندئذ فقط تجرأنا على الدخول دون مناطحة الجدران الحصينة المنزوعة الملاط ،شاهدنا مركز الحراسة تعمه الفوضى بعد هرب الحراس .والأسلحة المهجورة في الخزائن ،دفعنا بابا جانبيا ينفتح على مكتب مخفي في الجدار ،وهناك رأيناه ،هو ببذلته الكتانية الخالية من الشارات ،ولفافات ساقيه ومهمازه الذهبي على الكاحل الأيسر ،كان اكبر سنا من كل الرجال ومن كل الحيوانات القديمة في الأرض وفي الماء ،كان ممددا على الأرض وساعده الأيمن منثنيا تحت رأسه على هيئة وسادة مثلما تعود أن ينام كل ليالي حياته الطويلة.أدركنا أن من المستحيل علينا التعرف إليه حتى وان لم تكن العقبان قد نقرت وجهه ،ذلك إن احد منا لم يسبق له أن رآه قط ،رغم إن صورته الجانبية كانت مرسومة على وجه العملة وقفاها وعلى طوابع البريد والمنحوتات الحجرية ،كنا نعلم بأنها لم تكن سوى نسخ منسوخة لرسوم سابقة مشوهة في زمن النجم المذنب عندما كان آباؤنا يعرفون من يكون لأنهم استمعوا لروايات أبائهم ).
- كان ينعزل ليقرر مصير الوطن ويوقع كل أنواع القوانين والمراسيم بصما بإبهامه لأنه لايجيد القراءة ولا الكتابة ،
ولكن بعد أن تركوه وحيدا مرة أخرى مع وطنه وسلطته كف عن التبرم بالقوانين المكتوبة التي ليست سوى سخافات وشرع في الحكم شخصيا بصوت حاد في كل آن ومكان ،كاشفا عن هوس بالجزئيات وعن حرص لايتصور لدى رجل في عمره ،منزعجا من حشد من البرصى والعميان والمشلولين ،المتوسلين الذين كانوا يأتون لتلقي ملح العافية من يديه ، ومن سياسيين متعلمين ومتملقين بلا حياء كانوا ينادون به قائدا أعلى للزلازل الأرضية ،وللكسوف وللخسوف والسنوات الكبيسة وأخطاء الرب الأخرى ،
كان يأمر أن تؤخر ساعة الحائط ،عليها أن لاتعلن منتصف النهار في منتصف النهار حتى تبدو الحياة أطول وتؤخر الساعة بدون لحظة تردد بدون توقف عدا ساعة الموت ،كان من الصعب التسليم بان ذلك الشيخ الذي لايمكن إصلاحه هو بقية إنسان ،كانت سلطته من القوة بحيث سأل ذات يوم كم الساعة ألان ، - الساعة التي تريدها سيدي الجنرال أجابوه – ليس هناك من مجد أسمى من الموت من اجل الوطن ياصاحب السمو – ( وساعة القيلولة حين كان يلوذ بظل المحظيات ويختار أحداهن ، ثم يثب فوقها ، دون أن يعريها أو يتعرى ،وحتى دون إغلاق الباب ، بحيث كان يسمع لهاث لارحمة فيه ، لهاث زوج في حالة استحرام ،مع تباكيه ، تباكي الجرو الصغير ،وذعر المرأة التي كانت تبدد وقت المضاجعة في محاولة صرف نظرات أبنائها الكدرة عنها ، وصراخها اغربوا عن وجهي ، اذهبوا للعب في الساحة ، هذه ليست فرجة للأطفال) ،ثم وكما لو أن ملاكا عبر سماء الوطن ، يخفف الصراخ ، تتوقف الحياة ويذهل الجميع ،السبابة على الشفتين ، دون تنفس ، صمت ، يطلق الجنرال طلقته . ويعود ليجيبهم :الوطن يعني البقاء على قيد الحياة - شي نملكه أو لانملكه -
- يالك من بطل سيدي الجنرال دائما ملتهب حبا رغم الشيخوخة ، أما هو فكان يقبع حزينا بعد المضاجعة ويشرع في الغناء كيما يتعزى هناك حيث لا احد يتمكن من سماعه كان يغني ، ياقمر كانون الثاني ، بامشعا في الأعالي ، انظر إلي على مشنقة نافذتك حيث القدر رماني ، كان يغني واثقا من محبة شعبه .
- يقدر عدد الأطفال الذين أنجبهم البطريرك خلال حياته الطويلة بأكثر من خمسة آلاف طفل ،كلهم ولدوا قبل الأوان ،من عشيقات دون حب لايحصى لهن عددا ، وكن يتوالين على حريمه كلما جمحت به حميا الشهوة ،ولم يحمل أي من أولئك الأطفال اسمه ولقبه .باستثنا ء ذلك الطفل الذي أنجبته زوجته الوحيدة الشرعية (ليتسيا نازارينو) إذ كانت فلسفة البطريرك حيال هذا الموضوع (أن لاأحد هو ابن احد إن لم يكن ابن أمه فقط) ويبدو إن تلك االفلسفه تعفيه من سر أمه إذا ما تم ترسيخها ، إذ من المعروف انه كان رجلا بدون أب مثل كل الطغاة الأكثر شهرة في التاريخ .
(بندثيون الفارادو)
هي أم الجنرال العزيزة والتي يفرد لها ماركيز في روايته صفحات تحكي قصصها ومواقفها الهزلية العفوية، حيزا هزليا مثيرا ،قالت مرة :وهي تجلس في قاعة التشريفات أمام الدوبلماسيين الأجانب وحشد وزراء : لو كنت أعلم إن ابني سيصير رئيس جمهوريه لكنت أرسلته إلى المدارس ،آه سيدتي وكانت الفضيحة بحيث نفيت إلى قصر منزو في الضواحي .يالامي الساذجة.
- ابني المسكين الذي جرجره البحارة إلى البيت منتصف الليل إذا ما اقض مضجعه داء ،وهو ينهك نفسه بوظيفة رئيس جمهورية هذه مقابل راتب بائس من ثلاثمائة بيزو شهريا يالحبيبي الصغير ،لقد سئمت الصلاة إلى الله كي تتم الإطاحة بابني، قالت ذلك بلا تصنع ..أماه ،في هذه البلاد لايطيل الرؤساء البقاء قال لها سوف يطيحون بي قبل خمسة عشر يوما سترين قال لها ..
- لقد أصبح بيت السلطة شبيها بمخيم للغجر ،صارت له عفونة نهر فائض ،ونقل ضباط مجلس القيادة كل أثاث الجمهورية إلى مزارعهم وكانوا يلعبون( الدومينو ) على امتيازات الحكومة ،كانوا يتنافسون بلعب الورق على سلب مقاعد القيادة العليا .( أولئك عملاء الرب الذين امتصوا الوطن حتى النخاع ) (بندثيون الفارادو)
امرأة غريبة الأطوار كانت تعلق كيسا من الكافور حول عنقها لاتقاء شر الأوبئة كما تقول ، تربي الديكة الرومية وطيور تطليها بدهان مائي .
تحركات مريبة
في كل مرة كان يشعر بها إن سلطته في خطر كان يعمد لإصدار عفوا جديدا عن كل المساجين ويأمر بعودة كل المنفيين ما عدا ،بطبيعة الحال ،الكتاب ، هؤلاء لاجدال ،قال :أنهم يعانون من الحمى تحت ريشهم مثل الديوك الأصلية عندما تهتاج ،صدقوني أنهم لايصلحون لشيء ،أنهم أسوء من كهنة الكنيسة ويختم -يجب أن يشاد الوطن بجهود جميع أبنائه ولكن .ارمواالمسؤلين عن التمرد بالرصاص واجعلوا وجوههم إلى الحائط ،ثم عرضت جثثهم المعلقة من أعقابها تحت أشعة الشمس ونور القمر حتى لايجهل أيّ كان مصير الذين ينتهكون حرمة الله .
ناشو - الشاب مدير امن الدولة – أوضح لي ياناشو كيف بقينا حتى ألان على قيد الحياة في حين كان لنا من الأعداء حسب حساباتك للرؤوس المقطوعة أكثر ما كان لنا من الجنود !؟
؟
(سيدي الجنرال التقطنا إشارة مرموزه تنتقل عبر أسلاك التلغراف باتجاه مختلف ثكنات البلاد ،القادة المتمردون يعلقون أوسمتهم على بدلات الاحتفال استعدادا لالتقاط أول صورة رسمية لقادة الانقلاب في حين يواصل مساعدوهم تبليغ آخر الأوامر في حرب بلا أعداء.
- لايخدعنك الأمر ،بقي لي الشعب ، قال : الشعب الأبدي البائس . الذي خرج إلى الشارع قبل الفجر ، محرضا من قبل الشيخ المفاجئ الذي توجه عبر الإذاعة والتلفزيون وبتأثر تاريخي بالغ - إلى كل الوطنيين في البلاد بدون استثناء ،ليعلن بأن قادة القوات المسلحة قاموا ،وبالهام من مبادئ النظام القائم الراسخة ، وتحت قيادتي مباشرة وترجمة منهم كما في العادة لإدارة الشعب العظيم بوضع حد في منتصف هذه الليلة المجيدة لآلة الرعب التي كان يديرها رجل دموي وقد نال عقابه بفضل العدالة حيث إن (خوسيه انياثو ساينز دي لابارا) كان قد وجد مهشما من الضرب ومعلقا من عرقوبه على احد فوانيس ساحة الأسلحة وعضوه التناسلي مغروزا في فمه).
أول جلسة للجنرال الجديد
- سيدي أنهم كانوا يضعونك على الهامش ويستغلون طيبة قلبك ،وحتى الساعة لإنزال نصطاد جلادي امن الدولة ، مثل الجرذان ،ذلك لكي ينفس القوم عن أحقادهم القديمة وضغائنهم الشديدة ، فأستحسن ذلك القائد الجديد ، حسنا كان متأثرا بصلصلة النواقيس ، ومعزوفات الحرية وهتافات الامتنان من الجموع المحتشدة في ساحة الأسلحة مع لافتات كبيرة - حفظ الله العظيم الذي أخرجنا من ظلمات الرعب –
سيدي لقد تم القبض عليهم وهم في البيجاما أثناء محاولتهم اللجوء للسفارات
قال امرأ : انقلوهم على متن أول سفينة متجهة نحو مكان ينساهم فيه العالم إلى الأبد - ياللمغفلين الحمقى –
كانت أول جلسة للحكومة الجديدة مع شعور جلي بأن زهورا ناعمة ،من جيل جديد ، في قرن جديد وزراؤه المدنيون المعتادون بستراتهم المغبرة وطبيعتهم الغرة مع فارق أنهم أكثر تعطشا للشرف منهم للسلطة ، أكثر قابلية للخوف والاستعباد وأقل نفعا من سابقيهم .
- لم يعد يوجد أي شيء سيدي الجنرال حتى قطار المرتفعات نفسه خرج عن السكة .
الوطن بحاجة إليك حي سيدي الجنرال
- تناهى إلى سمعه وجود عرافة وهذا ديدن الطغاة في كل زمان ومكان ، من هم في السلطة أو خارجها، ووقوفهم صاغرين أمام أقدارهم؛عاجزين على أبواب العرافات وقارئي الطالع ، تلك العرافة لامثيل لها تقرأ علامات الموت بدون التباس في مياه جفناتها، ذهب يبحث عنها عبر دروب البغال لايرافقه سوى الملاك ذي الساطور ،الهندي الحافي حمايته والممتثل لأمره ،وجدها هناك في كوخ على الجبل الصحراوي حيث كانت تعيش ، وجدها عاجزة ونصف عمياء داخل مخدع معتم ، طلبت منه أن يضع يده على مياه الجفنة ، شعت المياه بصفاء داخلي هادئ وشفاف ورأى نفسه ، انه هو تماما ، ممددا على وجهه فوق الأرض ببذلته الكتانية الخالية من الشارات مع لفافته ومهمازه الذهبي ، فسأل في أي مكان إنا ممدد !؟ أجابته وهي تتفحص المياه الراكدة ،في غرفة مع شيء يشبه المائدة ونافذة تفتح على البحر وجدران بيضاء عليها لوحات خيول وعلم رسم عليه تنين.
آه آه أعاد القول انه ذات المكتب المجاور لقاعة الاجتماعات ، وهل ذلك من اثر ضربة أم بفعل مرض خبيث !؟
فأجابته العرافة : كلا ،تموت وأنت نائم بدون ألم.
آه ، آه قال ثم سأل مرتجفا والى متى فأجابته : نم مرتاح البال لن يحدث شيء قبل أن تبلغ عمري ،مائة وسبع سنوات ،ولكن ليس بعد المائة وخمسة وعشرون عاما التي ستلي .
آه، آه قال ثم اغتال العجوز في كوخها حتى لايتمكن احد من معرفة الظروف التي سيموت فيها
اجل خنق العجوز بسير مهمازه الذهبي بدون الم بدون تنهد مثل جلاد متمرس .
(مع الصفير المكتوم المنبعث من فتق خصية ميت قديم ، يكاد يحصده عكاز الموت بضربة فورية ،فأنطلق محلقا في الجلبة المدلهمة ،جلبة آخر أوراق خريفه الصقيعية ،باتجاه مملكة الظلام ،مملكة النسيان الحقيقي ،متشبثا بجلباب الموت الرث ،غريبا عن هتافات الحشود المهتاجة التي كانت تهرع إلى الشوارع جذلى ،منشدة موته بأناشيد الحبور ،غريبا إلى الأبد . هكذا أنهى ماركيز روايته (خريف البطريرك ) ويبقى السؤال هل فعلا أن زمن الأبدية الهائل قد انتهى ا !؟إن المرء لايعيش إذن إنما يقاوم من اجل البقاء وان الكذب هو انسب من الشك وانفع من الحب وأبقى من الحقيقة ..[
- أغلق الجنرال ،رتاجات القصر الثلاثة ، والمزاليج الثلاثة ، والدعامات الثلاث واضعا المصباح أعلى الباب (مصباح الانطلاق إلى الكارثة)، وأنبطح على الأرض وحيدا مرتديا ثيابه كما كان يفعل في كل لياليه . انه الموت سيدي مرتديا جلباب
قراءة متأخرة لرواية خريف البطريرك،والتي حازت على جائزة نوبل في الآداب ( 1982)للكاتب الروائي غابرييل غارسيا ماركيز.. إذ يبحر بنا ماركيز كربان متقن لمهنته بثقة وعلى مدى 230 صفحة في بحر أمواجه صاخبة ، إحداث مبعثرة ، وبكثافة لغوية قل نظيرها بأحداث مشوقه وصور متفرقة لايفصلها جزء اوفاصل أو علامة ماعليك إلا أن تجمعها وتنظر إليها من الأعلى حتى تستوضح مغزاها ولأنك تعيش فصولها يوميا على ارض الواقع أحداث مأساوية ، وأسرار قصور وترف وفساد حكومات وفضائح على امتداد دولنا الغير ديمقراطية ،( دينية كانت أومرشحة أو قبلية أبدية) إلى أن يأتي زمن فضح المستور تبقى رواية خريف البطريرك شهادة تاريخية لما جرى هناك وما يحدث هنا، صفحات رائعة يكثف فيها ماركيز الوجه الآخر للحياة ، الحياة التي لم يكن البطريرك يراها إلا من القفا في زمن الأبدية الهائل والذي لانعتقد إن له نهاية داخل حدود دولنا المنسية.
صادق البصري
التعليقات (0)