خريجون وعاطلون والنتيجة هدر للطاقات
هل اصبحت الوظيفة الحكومية حلما؟
تحقيق/ شيركو شاهين
sher_argh@yahoo.com
قطعت كوردستان بفضل حالة الاستقرار الاقتصادي والسياسي لاكثر من عقد تقريبا شوطا لابأس به في مجال المؤسسات الحكومية وارتباطها بعد ذلك بقطاعات مختلفة لاغراض التنمية الاقتصادية وبناء مجتمع ذي طابع تقدمي يحمل بفخر هوية هذا الشعب.
ولكن مازالت هذه التجربة تحمل في جنباتها بعض الظواهر غير المتكاملة والتي تنعكس باثارها بشكل مباشر على الشباب وبخاصة الخريجين منهم والحاصلين على شهادات باختصاصات مختلفة يمكن بها الفخر والاعتزاز بالمشوار الذي قطعوه في سبيل نيلها.
ومن هذه الظواهر والمنغصات هي مسألة فتح باب التعيينات لهؤلاء الخريجين، فبين حلم التعيين والهروب منه يعيش غالبية الشباب بانتظار فرص عادلة تلبي طموحاتهم داخلية كانت ام خارجية من خلال السفر وللحاق بمن سبقوهم، يأتي موضوعنا لتغطية مشاعر وافكار الشباب من كلا الجنسين حول هذا الخصوص.
اراء متناقضة
في احدى مراكز التسوق الزاهرة في عاصمة الاقليم اربيل، تحاورنا مع مجموعة من الشباب وطرحنا عليهم الموضوع مباشرة، فبادر(زارا مجدة-22عاما-بكلوريوس هندسة) بالحديث اولا قائلا: تخرجت هذا العام من كلية الهندسة جامعة صلاح الدين وطبعا احمل الكثير من الامال بين جنباتي لادخل معترك العمل واقطف ثمار سنوات الدراسة، وعموما فان حلمي مبدئيا ينصب للبحث عن فرصتي داخل احدى الشركات الاجنبية وخاصة مع حالة الانفتاح الاقتصادي الذي تمر به عموم محافظات الاقليم، فالواقع الاقتصادي الكوردي لعام(2006) يختلف جذريا عن اقتصادها لعام(1996) في ظل الاجواء الامنية المستقرة وقوانين الاستثمار المشرع من ادارة الاقليم والتي تعتبر ارض خصبة لمستثمرين ومن بعدها تشجيعهم على العمل، هذه الخيارات زادت من الخيارات المتاحة امام الشباب بشكل عام والخريجين بشكل خاص.
وما ان انهى (زارا) تعليقه حتى تدخل صديقه من ذات المجموعة وهو الشاب(مشختي فريد-23عاما-بكلوريوس هندسة) ليعبر عن رأيه قائلا: اختلف في وجه نظر صديقي (زارا) لان تجربة الشركات الاجنبية مازالت قاصرة عن استحصال ثمارها الايجابية كونها تحمل العديد من السلبيات والتي على رأسها ان اغلبية تلك الشركات هي اما تركية او ايرانية والتي تعمد اساسا في استيراد مهندسيها او فنييها وخبرائها من نفس بلدان تلك الشركات ونادرا ما يكون لابناء المنطقة العاملين فيها دور في العمل الا ماندر او لاغراض التواصل بين المسؤولين ومن هم ادنى منه درجة.
وكل ما يمكن ان يحصل عليه الشباب الباحث عن فرصة لديهم هي (العمالة) وباجور لاتتجاوز في احسن الاحوال (15000) دينار عراقي لليوم الواحد، وهذه النقطة يدركها الجميع وخاصة وانا خريج علوم الحاسبات منذ اكثر من عامين ومازالت اراوح في مكاني في هذا الخصوص، اتمنى وخلفي الكثير من الشباب العاطل والذي اصبح نسبه معروفة من خلال النسب المطروحة من قبل وزارة التخطيط بين فترة واخرى والتي تنشر في الصحف وخاصة صحيفتكم وبشكل مستمر، اقول اتمنى ان تدخل الشركات الاجنبية لتعمر الاقليم وتستثمر به بشرط الاستفادة من الخريجين عبر الاتفاق على نسب مئوية لخدمة ذوي الاختصاص.
اما الشاب (دشتي طاهر-26عاما-) وهو خريج كلية التربية فقد سألناه عن رأيه في التعيين في احد دوائر الدولة وهو يعمل مترجما في احدى الشركات الايرانية فقال: لايمكن عقد ادنى مقارنة بين الخيارين الاهلي والحكومي، فالقياسات المادية ترفض مثل هذه المقارنة فانا تخرجت في الكلية بعد سنوات دراسة وجهد طويل لاحصل بعدها على وظيفة لايتجاوز راتبها(120) دولارا وهو مبلغ ضئيل جدا اما متطلبات الحياة المادية وحتى وان كان هذا قبل(4) سنوات فانا اولا واخيرا شاب وعلى ابواب الزواج واذا لم احقق شيئا في الشباب فلن احققه في الكبر، لذلك تركت الوظيفة بعد سنة واحدة ولذا اخذت ابحث عن عمل الى ان حصلت على وظيفتي الحالية والتي يعادل راتبها الشهري(400) دولار.
اما الشاب (مهدي ابراهيم-25عاما) وهو خريج كلية تربية ايضا ويعمل مدرسا في احدى الاعداديات فيقول: هناك التزامات اخلاقية وطنية تلازمني ان اعيد النظر في الدوافع المادية في حالة المقارنة بين العمل الاهلي والحكومي، فالدولة انفقت على كل شاب ما يعادل مبالغ طائلة في سبيل اعداد ملاكات شابة يمكنها النهوض بالواقع مع انخفاض على خصوصية شعبنا ولايمكن ان تتجاهل مثل هذه النقطة بسهولة فضلا عن انه لايمكن الثقة ابدا بالشركات لاجنبية مهما كانت عروضها فهذه الشركات جاءت بناء على مصالحها التي اقتضت دخولها كوردستان هذه الفترة من غير المعلوم متى يمكن ان تتخلى عن اصدقائها في هذه المنطقة لسهولة بعد زوال مثل هذه المصالح ولكن هذا لايمنع ان يؤجه نظر المسؤولين الى الناحية المادية، فالرواتب لاتزيد في احسن الاحوال عن(100) دولار وهو راتب اي شاب في بداية تعيينه، وهو عديم القيمة وسط كم التضخم الذي تمر به خاصة مدينة مثل اربيل، وقد يمنع هذا التدني في المردود المادي للوظيفة الى الانحراف او الارتشاء وهذا ما لانوده طبعا الوصول اليه.
وفي نفس المجال علق الشاب (توانا زيرك-22عاما) وهو طالب المرحلة النهائية من كلية القانون ان العمل غير الدائم في وظيفة توفر له دخلا مرتفعا افضل بكثير من العمل في وظيفة حكومية لايساوي مجموع راتبها السنوي راتب شهر واحد في العمل الحر.
اما وتتفق في وجهة نظره الطالبة (شنة جميل-21عاما) وهي طالبة المرحلة الرابعة في كلية الاداب وتقول: ان ما ينتظر الطالب من فرص عمل كثيرة يمكنه من دخول معتركها حال تخرجه عامل تشجيع يزيد من اجتهاده وعدم حرق السنوات بالرسوب وتضيف: الحياة فرصة ويجب ان نكون اذكياء في الاستفادة منها واستثمارها.
امام هذا لم يعد التفكير في التقاعد والضمان الاجتماعي وهو ما توفره الوظائف الحكومية التي كانت تشغل بال خريجي اجيال الستينات والسبعينيات هو ما يشغل تفكير خريجي جامعات اليوم، فما الذي يعنيه لهم الراتب تقاعدي بعد خدمة 25سنة، وربما اكثر اذا كان ما يحصلون عليه خلال سنة واحد من عملهم في احدى المنظمات غير الحكومية او الشركات الاستثمارية يعادل راتب سنوات من العمل الحكومي؟!
اما(زينب خوشناو-24عاما) وهي موظفة حاليا في احدى شركات الاستثمار الاجنبية، فتقول: ان المشكلة الوحيدة التي نعانيها في مجال العمل الحر هو ساعات العمل الطويلة. وتضيف متساءلة حجم المجالات التي يمكن لها التمتع بثمار جهدها والمردود المادي الذي يمكن ان يعود عليها منه بعد ذلك؟ وتتابع بعدها: اعود الى البيت وانا منهكة تماما لا اقوى حتى الجلوس مع اسرتي والحديث معهم.
(الحياة تغيرت، ومع تغيرت سلوكيات الشباب تفكيرهم ورؤيتهم المستقبلية للأمور) هذا رأي احد الاباء وهو يجد ولده عازفا عن الوظيفة الحكومية، ويضيف بعدها: ماكان يرضينا نحن في السابق ونجد في تحقيقه انجازا عظيما بات الان امرا لايثير اهتمام ابنائنا او يشغل بالهم، كما ان رغبة جديدة لدى الشباب تولدت بقوة بعد التغيرات التي حصلت في جوانب واتجاهات حياتية واقتصادية شتى في كوردستان خلال السنوات الثلاث الماضية بعد سقوط النظام السابق.
الا ان الوصول السريع وتحقيق الاستقلال الاقتصادي في وقت قصير حالما يرى فريق اخر من الشباب انها لن تتحقق الا على حساب وعلاقاتهم الاجتماعية مع عوائلهم واصدقائهم.
حلم السفر الى الخارج:
بين حلمي التعيين والعمل لدى احدى الشركات الاهلية يأتي حلم السفر الى الخارج مستنزفا الطاقات العلمية لعموم الاقليم واصبح بعدها اكثر الشباب يتطلعون الى ماهو ابعد، فبعد ان كانت الهجرة خارج البلد هي الفكرة الاقوى لديهم لسنوات مضت اصبح اليوم تلح عليهم اكثر، لكن مع فرصة عمل جاهزة تضمنها لهم الشركات التي يعملون فيها والتي فكر بعضها نقل موظف او اثنين من موظفيها المحليين للعمل معها في بلدان اخرى، لتكون النتيجة بالنسبة الى الشباب وهي العمل براتب عال وتطوير القابليات المهنية وزيادة الخبرات العلمية التي من الصعب توافرها في المؤسسات الحكومية وتعلم لغة اصحاب الشركة التي يعملون معها والاهم من كل ذلك امكان الحصول على فرصة للتنقل مع الشركة الى الدول التي لها مشاريع فيها، وهذا يعني سفرا مضمونا وبراتب مغر وذلك له معنى اخر للشباب الذي ينظرون اله الحاصلون على مثل هذه الفرص باعتبارهم من المحظوظين فهي لديهم حياة جديدة مكفولة الثمن مقدما هذا كله حلم يصعب للكثير تحقيقه.
نشر بتاريخ ((14/01/2007))
التعليقات (0)