خربشات على جدار يتصدع
كمال غبريال
• الحقيقة التي قد ينبري الكثيرون لإنكارها لشدة مرارتها هي أن الشعب المصري كان على مر تاريخه الحديث مقبرة لفكر التنوير ورواده، ومزرعة خصبة للفكر الظلامي المنغلق والمتعصب والمعادي للحضارة. . فكيف نلوم الإخوان والسلفيين والجهاديين على تبني فكراً وصل بهم إلى هذا القدر من الشعبية ربما غير المسبوقة في تاريخ الشعوب؟!!. . لقد هربت عائلة "حازم صلاح أبو اسماعيل" مثلاً إلى أمريكا وكندا بلاد النور والحضارة، وجاء هو إلى مصر ليحقق شعبية هائلة بخطاب يعدنا بالظلامية والتخلف وتفشي الكراهية في المجتمع، ونفس الشيء بالنسبة لأسرة مرشح الإخوان الاحتياطي وغيره كثيرون ولا نقول جميعهم تقريباً، كل هؤلاء منغلقون وكارهون ومتخلفون مع سبق الإصرار والترصد، وليس لنقص في عناصر التنوير، بحيث لو قمنا باستكمالها لتحولوا إلى أدوات للتنوير، بل بالعكس كلما عشوا أكثر في النور كلما ازداد عداؤهم له وتحمسهم للظلمة والتخلف. . لا يحدثني أحد عن الحرية، فليس في بلادي من يريدها أو يستحقها، وإن كان ثمة من يتحدث عن الحرية فلا يعني في الأغلب غير حرية السقوط في هاوية العبودية وإحكام أغلالها على الأرجل والرقاب.
بالتأكيد كان نظام مبارك سيئاً وفاسداً، لكنه لم يصل في سوئه وفساده إلى الدرجة التي يستحقها الشعب المصري وتعكس حقيقته، وربما كان مبارك كل ليلة قبل النوم يلعن الظروف التي أتت به لرئاسة مثل هذا الشعب (أسلوب مبالغة بالطبع). . هل هذه الكلمات بغيضة؟. . نعم إنها بالفعل كذلك، لكنني أراها مجرد "الحقيقة العارية" من كل تجمل وتحسب ورتوش. . من حق الشعب المصري أن يسير خلف "أبو إسماعيل" و"الشحات" و"الشاطر" و"بديع" و"الظواهري"، ومن حقي أنا أن أنفصل وجدانياً عن هذا الشعب، أداوي حسرتي على بني قومي، بل وربما علي الندم على تحريضي للأقباط على الخروج من عباءة الكهنة، وترك الظهورات النورانية والزيوت التي تنضح بها الأيقونات وسائر معجزات البابا، والالتحاق بأخوة الوطن في الساحة السياسية. . هل علي الآن أن أطالبهم بالعودة السريعة لأحضان الكنيسة وعالمها السماوي والملائكي، لأن مصر الوطن قد قررت ومع سبق الإصرار أن تذهب إلى الجحيم؟!!
• كلمة في أذن الشباب المصري الثائر الطاهر الجميل: أراكم أشبه "بالكرام على مائدة اللئام"، يخدعكم الظلاميون دعاة التخلف والكراهية، ليوظفونكم لصالح هيمنتهم التي ستخرب البلاد. . لقد تم استغلالنا منذ اللحظات الأولى للثورة أبشع استغلال، فتم مهاجمة وحرق أقسام البوليس، وإخراج المجرمين والإرهابيين من السجون، ثم قاموا بمهاجمة مقار أمن الدولة، وحرق مستنداتها التي تحمل ملفات الإرهابيين الذين يشكلون خطورة على أمن مصر القومي، ثم تأتي الخاتمة بأن يفرضوا هيمنتهم علينا بعد خداع الشعب باسم الدين، فيما هم كذابون منافقون وكل الأديان منهم براء. . إلى هنا وكفى، فثورتنا الحقيقية الآن هي ضد طيور الظلام والكراهية، حتى لا يحولوا مصر إلى بؤرة للتخلف والإرهاب الدولي.
• منذ دخلوا إلى فعاليات الثورة يوم 28 يناير 2011 وكنا نهتف سلمية. سلمية، وهم يهاجمون أقسام البوليس والسجون ويطلقون سراح المجرمين والإرهابيين مع عناصر من حماس وحزب الله، ثم يدعون أنهم شهداء، بالطبع أخذوا في رجليهم شباب بريء استشهد عند أقسام البوليس بعد أن انجر مع الحشود المسوقة من قبل ذئاب الظلام الجالسة بعيداً في مكتب التضليل (وليس الإرشاد). . كفانا يا سادة براءة مساوية للسذاجة، ولننقذ بلادنا وأولادنا ومستقبلنا، ولا يعقل أن يحاولوا الآن سن قوانين لحرمان من سبق وتولوا مناصب عليا من حكم مصر، وتمكين نزلاء السجون ماركة إرهابيين وغسيل أموال من التحكم في رقابنا وأخلاقنا، والليبراليون الأبرياء يساعدونهم على هذا الانتهاك لقيم العدالة ورصانة القوانين وعمومية أحكامها!!. . أليس طريفاً أن الخارجين من السجون بالتجاوز والتعطيل للقانون يحاولون سن قانون يفرض استئصال كل من يقف في وجوههم، وهل مثل هذه القوانين لو صدرت فعلاً تعد بداية لعهد ما يمكن تسميته "دعارة التشريع"؟
• حين نقرأ في الصحف: الجماعة الإسلامية تطالب بالطعن على "سليمان" و"شفيق". . الجماعة التي قامت بمذابح للمصريين والسائحين الأجانب في التسعينات، تطالبنا الآن بالطعن على رجال مصر الشرفاء. . هل وصلت الاستهانة بعقولنا أو الاستغفال لنا إلى هذا الحد، أم أنهم يتعبروننا الآن جزءاً من تنظيماتهم التي يطاردها العالم كله؟!!. . قد أكون أنا المخطئ إذ أذهل عندما أسمع "خيرت الشاطر" يتحدث عن الثورة وباسمها، فلم أكن أبداً أتصور أنها ثورته أو ثورة ما يمثله، فإذا كانت بالفعل كذلك فليس لمثلي من هامش أو حيلة وقد تملك مني الرعب على مصير بلادي ومصير أولادي، إلا غسل اليدين من مثل هذه ثورة!!
• بالطبع نتمنى أن يكون رئيسنا القادم رجلاً مدنياً خالصاً لا يمت للمؤسسة العسكرية بصلة، لكن سيطرة الظلاميين على الشارع المصري، والضعف بالغ الشدة للقوى المدنية يضطرنا إلى أن نأمل من العسكر الذين أطلقوا علينا الإرهابيين من المعتقلات والسجون، واستقدموهم للبلاد من منافيهم في أوكار الإرهاب العالمي، أن يلعبوا دوراً لإنقاذ بلادهم وبلادنا من تغول هؤلاء، ريثما يقوى المجتمع المدني، تحاشياً لتحول مصر المحروسة إلى مصرستان. . أكاد أثق في إخلاص جميع الثوار المصريين، لكن من يعادون العسكر بصورة مطلقة وكأنهم عسكر دولة معادية وليس العسكر المصريين المنوط بهم حماية الوطن، هؤلاء أشبه بسيارة المارشديل فيها عطلان، فيعجزون عن الرجوع للخلف قليلاً لتفادي صخرة أو حفرة تعترض الطريق، فيظلون على نفس الاتجاه حتى الدمار والخراب.
• سيلتزم أي مسؤول بالطهارة والديموقراطية إذا أجبرناه نحن على ذلك، ولم نسلم رقابنا وعقولنا له كما فعلنا في السابق، وكما يفعل الآن الغوغاء مع المتاجرين باسم الله. . فليحكمنا الجن الأزرق، لكن مع وعي ونظام ديموقراطي في دولة مدنية!!
• لا أنسى ولا ينبغي على مخلص أن ينسى أن بعضاً ممن ينسبون أنفسهم للثوار يتهمون الرجل العظيم د. محمد البرادعي بالعمالة والخيانة، ولم يمكنوه من الادلاء بصوته في الاستفتاء واعتدوا عليه وتم انقاذه منهم بصعوبة. . ليس الآن وقت الحساب، لكن بين الثوار من يحملون فيروسات الحماقة والهلوسة!!
• أليس عجيباً أن المدعين أنهم وحدهم أهل الإيمان، يأتون إلينا بالأكاذيب والخداع والتزوير وحنث العهود؟!
• صحيح عمرو موسى راجل عروبجي حنجوري على أعلى مستوى، لكن الحقيقة أن روحه رياضية، فقد تعود على تجاهل الجميع لحنجورياته دون أن يستشعر إهانة أو حرق دم، وهذه مرونة سياسية تحسب له. . ربما كان هو الشخصية الأقرب لكثير ممن ينسبون أنفسهم للثورة، الذين يكفيهم تماماً إطلاق الشعارات المعادية والممانعة، ولا يهمهم بعد ذلك إن جاءت النتائج وفق ما يشتهون، أو جاءت بمزيد من الوبال عليهم وعلى شعوبهم.
• حزب الوسط يقوم بدور قديم نعرفه جميعاً، وهو دور السنيد لنشال الأوتوبيس، يقوم بمعارضة الإخوان واسترضاء الليبراليين بكام "بق" معتبرين، ريثما ينط الإخوان من الأوتوبيس بالمحفظة!!
• استمرارية سيطرة تنظيم القاعدة على سيناء، وتوالي حلقات مسلسل تفجير خط غاز سيناء أمر طبيعي، مادامت القيادة الأيديولوجية للمفجرين هي الأغلبية في مجلس الشعب الآن، وتريد رئاسة الوزارة ورئاسة الجمهورية. . أليس عجيباً ممن كانوا يهتفون للكرامة الإنسانية أن يكونوا فاقدي الإحساس بالكرامة والسيادة الوطنية، ويطربون من أخبار سيطرة تنظيم القاعدة على سيناء التي حررناها بدمائنا، هل هؤلاء هم ثوارك يا مصر، أم فيروسات أصابت الثورة في رأسها؟!
• قبل الحملة المسعورة على فضيلة مفتي الجمهورية د. علي جمعة لذهابه للصلاة بالمسجد الأقصى، كانت جريدة "اليوم السابع" سائر الجرائد المصرية الغراء قد قادت حملة عروبية عنترية للتحريض ضد الأقباط في موضوع السفر للقدس لزيارة الأماكن المقدسة، وعندما تحدث اعتداءات طائفية همجية على الأقباط نقول "أياد خفية" تعبث بالوحدة الوطنية. . هي الأيادي المتاجرة بمصير الوطن وسلامه الاجتماعي، في مقابل الإثارة والتوزيع والإعلانات، ورغم أن ذهاب الأقباط للقدس أمر ديني بحت، خاصة وأن الأقباط أكثر مكونات الشعب المصري عزوفاً عن السياسة وجهلاً بها، إلا أنه قانونياً وسياسياً أيضاً يعد التوجه بعكس اتجاه الدولة المصرية سياسياً وقانونياً للسلام مع إسرائيل هو "الخيانة الصريحة" للوطن، ويعد التحريض والتجييش الشعبي ضد السلام عملاً من أعمال تهديد المصالح العليا للوطن، فالخونة هم من يرتهنون وطنهم ويربطونه بمصير القضية الفلسطينية التي لا يريد التجار المسيطرون على مقدرات شعبها لها حلاً، ليظلوا يتسولون ويتقاتلون فيما بينهم.
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونية
التعليقات (0)