أحياناً أقف عاجزاً تماماً عن فهمِ آليةِ عمل العقلِ المصري الرافضِ والمتمرّدِ في حالة الضغط من أجل تحقيق مــَـطالبه!
عندما وجد الدكتور البرادعي نفسَه في مواجهة حقيقة قــُـرْب وصوله إلى سُدة الحُكم، طلب آنئذٍ جمع توقيعات بدأ...تْ بمئة ألف لتصل إلى ملايين لعله يجد لنفسه العُذر في تحميل الشعب مسؤولية عدم إزاحة مبارك.
موضوعٌ مُشابِه لـِـما يُسمىَ إنشاء لجنة للتحقيق والبحث وتقصّي الحقائق حتى تموت كل الدلائل والقرائن في الأدراج أو يغتالها النسيان في ملفات مُتربة فوق الرفوف!
الآن تمخض الجبل فوَلــَـدَ نملة، وخرجت علينا المعارضة العاجزة عن تحريك ورقة شجرة من موضعها لتطلب توقيعات سحب الثقة من محمد مرسي.
معارضة تعيش في كوكب بلوتو، وتأتي إلى كوكب الأرض كل صباح ثم تعود قبيل النوم من حيث أتت!
محمد مرسي لا يكترث لدماء أمام قصر الاتحادية، ولا يهمه اعتصام أكثر قضاة مصر، ولا يُحرّك إصبعيه إذا رفضتْ مصرُ كلها دستورَه المصنوع في محلات الإخوان المسلمين لصناعة الفتاوىَ والقوانين، ولا يخاصم النومُ عينيه من مليونية، ولا يقرأ، ولا يسمع، ولا يُشاهد إلا سيقان ضيفاته أو ساعة اليد وهو بجوار آنجيلا ميركل!
كيف إذاً ستقوم المعارضة المخضّرمة، قدَّس اللهُ سِرّها، بجمع خمسة عشر مليوناً من التوقيعات في عدد لا نهائي من الصفحات لتقديمها إلى المحكمة الدستورية أو مجلس الشورى أو فريد الديب أو السيسي أو حتى تطرق باب القصر فيخرج لها تابع المرشد ليتسلم الرسالة، ثم يعود إلى فراشه لتكملة نومه؟
إذا أردت أن تستمر مُعارِضا لنظام الحُكم فعليك بطلب المستحيل ممن لا شأن له بالأمر، وحينئذ تطاردك وسائل الإعلام ويستريح ساكن القصر!
محمد مرسي في الواقع ليس رئيساً شرعياً لأن مجرد تزييف إرادة السماء والزعم أن الله، تعالى، يدعم مرشحا جاء لتطبيق الشرع، وأن من لا ينتخب مبعوث العناية الإلهية ستغضب عليه السماء والملائكة هو تزييف بكل المعايير.
لو رشح حِمارٌ نفسَه أمام مبارك بعد نجاح الثورة( أحمد شفيق كان هو مبارك في تلك الحالة)، فإنَّ الحمارَ ناجحٌ لا ريب في ذلك، فكيف إذا زعم المرشح أن حُكمه قائم على أقدس مقدسات الناخب؟
المعارضة الممثلة في جبهة الإنقاذ تمدّ الروح في جسد جماعة إرهابية محظورة، والفاجعة لن تنتظر جمع ملايين التوقيعات، فالتيارات المتمترسة خلف ستار حديدي مُقدس تستطيع أن تجمع توقيعات الجن والموتى والأميين.
جبهة الإنقاذ أفرغت تماما أدمغة أعضائها فلم يبق غير جماجم مجوفة تناهض أشباحاً في بلد يصرخ كل مصري في الصباح من الغلاء، وفي المساء من الفلتان الأمني، وما بين الصباح والمساء حياة صعبة على الجماد، مستحيلة على الحشرات، خارج دائرة خيال أي كائن حيّ!
الشارع أتى بالاخوان والسلفيين والارهابيين، والشارع، فقط، يستطيع أن يطيح بها لو توفرت حالة الغضب الوطنية والإنسانية التي ترفض الذل والمهانة والجوع والفقر والفساد والفتنة الطائفية وتدمير وطن جميل من أجل تصغير مصر في صورة إمارة تــُــعــَـبـِّـد الطريق لتتبغدد وتتدمشق وتتكبول أم الدنيا فتحتفل تل أبيب بعيد أعيادها!
ضعوا ملايين التوقيعات لسحب الثقة في كوب ماء بارد، واشربوا منه بعد الفجر وقبل الظهر، فسيّدُ القصر مربوطةٌ رقبتُه في يد سيّدِ المُقطم، ومفتاح السلسلة مع المرشد، و"الكود" في الكنيست وفي مكتب السفيرة الأمريكية بالقاهرة.
الثورة تم اختطافها، وعلى أصحابها الشباب أن يُعيدوها بعدما يتقاعد عواجيز المعارضة، وحينئذ لن نحتاج لتوقيع أحد!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 9 مايو 2013
التعليقات (0)