قلة الدين و قلة الأدب وقلة الندم عند الخطأ وقلة قبول العتاب، أمراض لا دواء لها.
سقراط
استنادا إلى مصدر برئاسة الجمهورية، قالت الزميلة " الخبر الأسبوعي" أن السبب الأول و الأخير الذي جعل المجاهدة الشهيرة جميلة بوحيرد تنشر رسالتيها المفتوحتين المعروفتين، لم يكن حاجتها لا إلى أموال و لا إلى تكفل بالعمليات الجراحية التي أوصى بها أطباؤها، و إنما رفض بوتفليقة الاستجابة لطلب كانت قد تقدمت به، و يتمثل في ترقيتها إلى رتبة قائد ناحية عسكرية إبان الثورة، و هي الرتبة التي يتقاضى كل مجاهد يتمتع بها، منحة شهرية لا تبتعد عن 30 مليون سنتيم.
بوتفليقة - حسب ما قيل- لم يرفض طلب جميلة، فقط من أجل الرفض، و إنما لأنه لم يكن يستطيع عمليا، التصرف في شطر مكشوف من تاريخ الثورة فيستحدث 47 سنة بعد استقلال الجزائر و 55 سنة بعد اندلاع الثورة ناحية عسكرية جديدة تقودها جميلة بوحيرد، ! لكن بوتفليقة، و لأنه استنتج
ربما بأن السيدة جميلة لم تكن ترغب من وراء طلبها بتصنيفها كقائدة ناحية، سوى الاستفادة من المنحة المالية المريحة جدا التي تضمنها تلك الرتبة و المقدرة بحوالي 30 مليون سنتيم، فقد اقترح عليها في المقابل أن يعيّنها " سيناتورة" في مجلس الأمة ضمن الثلث الرئاسي ، على اعتبار أن منصب " سيناتور" يوفر لها شهريا نفس القيمة المالية تقريبا (أي حوالي 30 مليون سنتيم)... بيني و بينكم، من يرفض عرضا كهذا ؟! جميلة بوحيرد رفضت حسب ما قيل، و أنا لم أستطع أن أصدق بأنها رفضت، لكني مجبر على أن أصدّق على الأقل، إلى أن تتكلم هذه المرأة مجددا، و تؤكد أو تنفي ما قيل... و المشكلة، ليست هنا، لأن التجربة تريدنا دائما أن نرى ما يجري بالجزائر من وقائع بأربعة أبعاد( en 4 D ).
أولا: إذا كان بوتفليقة عرض فعلا على جميلة بوحيرد، منصب " سيناتورة" فقط كي لا يغضبها لأنها طلبت رتبة قائدة ناحية خلال الثورة و لم تحصل عليها، فأراد أن يعوضها عن الثلاثين مليون التي توفرها تلك الرتبة كل ثلاثين يوما، بثلاثين مليون أخرى مضمونة في منصب " سيناتور"... إذا كان الحال هكذا، فأنا لا أفهم لماذا لا يتم إلحاق مجلس الأمة بوزارة قفة رمضان، طالما أن هذا المجلس أصبح الطريق الأقصر لحل مشاكل من يقولون بأنهم يعانون من ديون الجزار و السوبيرات و الخباز؟
هل الأشخاص الذين يختارهم الرئيس لتعيينهم ضمن نصيبه من أعضاء مجلس الأمة (الثلث الرئاسي) لا يمكنهم أن يكونوا إلا مجاهدين في أزمة ترتيب ثوري نفعي أو وزراء و سفراء سابقين بحاجة إلى مساعدة إنسانية لأن أجورهم لم تعد تكفيهم أو متقاعدين الفراغ يقتلهم، بعدما لم يعودوا يجدون بماذا يتلهون؟
ثانيا: إذا كان الرئيس يعاني من طلبات كل أولئك الذين هم بحاجة إلى مساعدة، أليس بإمكانه أن يكلف مستشاريه بالتفكير في طريقة بديلة " يكازي" فيها كل هؤلاء، بدلا من مجلس الأمة الذي يُعدُّ غرفة برلمانية تضطلع بمهام يُفترضُ أنها حسّاسة و مصيرية... كأن يفكر مستشارو الرئيس في انجاز لا أقول دار عجزة، و إنما شبه دار استجمام فخمة بغرف فندقية رائعة و حدائق جميلة و ملاعب فسيحة و مسابح واسعة و قاعات تدليك و مطاعم تشتغل 25 ساعة على 24 ، قاعة سينما يشاهدون فيها " زورو" و " توم و جيري"، حديقة تسلية و حتى ملهى ليلي... مكان حيث يجتمع كل هؤلاء، ليتسلّوا و يضحكوا و يتبادلون النكت و يتنافسون في كرة القدم و التنس و الشطرنج... لا أعرف ماذا أسمي هذا المكان بالضبط، لكن ما أنا متأكد منه بتصوري هو أن كل هؤلاء يمكنهم أن يعتبروا ذلك الموقع دارا لهم، يستمتعون بالحياة فيها كما يحلو لهم، من دون أن يدفعوا سنتيما واحدا مقابل أي خدمة تقدم لهم، بل بالعكس، بدلا من أن يدفعوا، فإنهم يتقاضون 30 مليونا في نهاية كل شهر... لكن أن يُعيّنوا في مجلس الأمة، فبصراحة، لا أتمنى أن أكون في موقع الرئيس، لأن الموقف محرج و مخجل. أعفوا مجلس الأمة " يرحم والديكم" !
ثالثا: عندما يرفض الرئيس بوتفليقة تمكين جميلة بوحيرد من رتبة قائدة ناحية، و مقابل ذلك يقترح عليها منصب " سيناتورة" و كأنه بذلك، يقول لها: خذي 30 مليون سنتيم كل شهر، و لا تحدثيني مجددا عن هذه الرتبة ، برأيكم لماذا ترفض السيدة جميلة، عرضا سخيا كهذا ؟ عن هذا السؤال يمكنني أن أرد بثلاثة أجوبة محتملة:
1 لأن جميلة بوحيرد، من خلال طلب تصنيفها قائدة ناحية إبان الثورة، لم تكن تبحث عن 30 مليون كل شهر، و إنما أرادت فقط " المكانة التاريخية". هذا الجواب أراه غير مقنع، لأن مكانة جميلة بوحيرد في التاريخ تجاوزت سقف الأسطورة، و ليست رتبة "قائدة ناحية" هي التي ستزيد في وزنها، بدليل أن الجزائريين لا يعرفون حتى القليل عن كل الشخصيات الجزائرية التي تتمتع برتبة " قائد ناحية".
2 لأن جميلة بوحيرد، لم تكن ترجو من رتبة "قائد ناحية" أكثر من 30 مليون في نهاية كل شهر دون أن تقدم أي مجهود " راقدة و تمونجي" . حتى هذا الجواب، أقدّر أنه غير مقنع، لأن سيدتنا الكريمة لو هي قبلت بعرض الرئيس، القاضي بتعيينها في مجلس الأمة، لكانت ستتقاضى نفس المبلغ " بالراقدة"، اللهم إذا كانت ترى أنها غير مستعدة بدنيا و عقليا للقيام بكل ذلك العمل الشاق المرهق في مجلس الأمة، و المتمثل في رفع الأيدي!
رابعا: لا أدري، إن كان الجزائريون قد سمعوا قبل ذلك عن مجاهدين يمكن أن تصل منحهم الشهرية إلى 30 مليون (ربّي يبارك). أنا شخصيا، لم أكن أعرف هذا الأمر، و لو لا الزوبعة التي أثارتها هذه الجميلة، برسالتيها اللتين اشتكت فيهما حالها، لما تطور الجدل ليقود بالنهاية إلى خروج مثل هذه المعلومات. و بالصدفة، يمكننا أن نلاحظ تطابقا في قيمة المنح الشهرية لتلك الفئة من المجاهدين (30 مليون) مع قيمة الرواتب الشهرية للسادة و السيدات أعضاء مجلس الأمة الموقر (30 مليون) ، و لا أعلم هنا، إن كان المجاهد المصنف " قائد ناحية" إذا ما فتحها الله عليه، و وجد اسمه على قائمة الأشخاص المختارين من قبل رئيس الجمهورية ضمن الثلث الرئاسي في مجلس الأمة، سيصبح يتقاضى حوالي 60 مليونا في كل الشهر؟!
خامسا: أتصور حجم الضغوط التي قد تمارس على الرئيس، قبل كل عملية تجديد لأعضاء الثلث الرئاسي في مجلس الأمة، ما يحوله من رئيس إلى خدام الإنسانية... ممثل الهلال الأحمر ...
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: "
ألو... سيد الرايس... الله يخلّيك سيد الرايس، سأُجن سيد الرايس... زملائي في مكان عملي القديم يتغامزون عليّ، إنهم يتشفّون في بعدما لم أبقى وزيرة، سأموت سيد الرايس... الله يعلّي مقامك سيد الرايس شوف لي حلّ سيد الرايس... يا سيد الرايس ..." " حسنا.. حسنا je vais voir..je vais voir ".
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: " ألو سيد الرايس.. عيدك مبروك و كل أيامك و لياليك مبروكة، سيد الرايس.. يا سيد الرايس نسيتني و أنا أحبك يا سيد الرايس... يا سيد الرايس ... و الله راني حاشم منك سيد الرايس... يا سيد الرايس..." " فهمتك فهمتك... تريد بلاصة في le sénat je vais voir..je vais voir ".
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: " ألو سيد الرايس شفتلك منام روعة سيد الرايس.. يا سيد الرايس mon papa سوّدلنا معيشتنا يا سيد الرايس.. منذ أن أنهيت مهامه في السفارة، كرهلنا حياتنا سا سيد الرايس، لقد أصبح كالمجنون يا سيد الرايس... و احنا نحبوك يا سيد الرايس...يا سيد الرايس شوف كيفاه (!) سا سيد الرايس.." " خلاص خلاص فهتمك يا بنيتي je vais voir..je vais voir "
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: " ألو سيد الرايس... واشك حالك يا سيد الرايس...سا سيد الرايس راني خايف عليك من الفرنكفونيين، راهم سيطروا على مجلس الأمة يا سيد الرايس، راهم امتع دسايس يا سيد الرايس... يا سيد الرايس لازملك واحد على الأقل من المعربين في مجلس الأمة يا سيد الرايس... يا سيد الرايس افهمني يا سيد الرايس..." " راني فاهمك يا عبد ري، راني فاهماك... أنت هو المعرب الذي أواجه به الفرانكفونيين في مجلس الأمة... خلاص... خلاص.. je vais voir..je vais voir".
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: monsieur le president ، هناك " وليّة" تلح على أن تتحدث إليك". بوتفليقة: "و ماذا تريد ؟". مدير الديوان: " إنها تقول بأن البلدية شطبت اسمها من قائمة المستفيدين من منحة تمدرس الأطفال، و جمال ولد عباس رفض أن يمنحها قفة رمضان !". بوتفليقة: "و ماذا أفعل لها ؟!" مدير الديوان: " إنها تريد مقعد في مجلس الأمة، سيادة الرئيس !"
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: monsieur le president ، كارثة.. كارثة.. سيادة الرئيس !". بوتفليقة: " ماذا حدث.. ماذا حدث؟ !". مدير الديوان: " هناك شخص سكب على جسمه البنزين عند مدخل المرادية و يريد أن يضرم النار في نفسه، ما لم تحقق له طلبه !". بوتفليقة: " و ماذا يريد مني ؟!". مدير الديوان: " انه يطلب un ticket لمطعم الأمة... عفوا، مجلس الأمة، سيادة الرئيس !"
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة... بوتفليقة يرفع السماعة: monsieur le president ، فلان الوزير السابق، السفير سابقا، النائب في ما مضى، قائد الناحية في التاريخ،يريد أن يتحدث معك في موضوع قال أنه خاص". بوتفليقة يرد:" قل له، المرة المقبلة، بعد ثلاث سنوات، إن شاء الله!"
هاتف بوتفليقة يرن.. انه مدير ديوان الرئاسة مجددا... بوتفليقة يرفع السماعة: monsieur le president ، فلانة الوزيرة السابقة، المستشارة في عام الرّوز، النائبة في زمن الحمص، تريد أن تتحدث معك في موضوع قالت أنه خاص جدا". بوتفليقة يرد:" قل لها، خلاص.. مجلس الأمة غلقت جدّه !". السلام عليكم.
( منشور في جريدة أسرار الأسبوعية الجزائرية/ العدد 272 )
التعليقات (0)