لم يكن يوسف سوى طفل عربي، كباقي الأطفال ، له أم و أب ، والفرق أن لم واحد وعشرون أخا لأب. كان ولوعا باللعب ، فما تراه إلا منشغلا بمطاردة فراشة مزركشة ، أو متسليا مع اقرانه بلعبة الدجاجة العمياء، كان رشيق القوام ،قمحي البشرة، مدور الوجه، جميل الخلقة، لدرجة تجعل نار الغيرة تتأجج في باقي إخوته و اقرانه، كان له من بين أترابه قرينا يشمئز من منظره، كما يشمئز من منظر بومة أو غراب، ولم يكن هذا سوى إبن جارهم اليهودي، و كان إسمه يهودا. يوسف لم يكن يدري لماذا يمقت يهودا لدرجة أنه لا يشارك أقرانه لعبهم عندما يشارك يهودا، فكان يحول جاهدا التخلص من أحاسيسه اتجاه يهودا، فيحاول الإندماج و الإنغماس في اللعب متجاهلا شعوره و أحاسيسه بيد أن نفسه تأبى، فيتخيل يهودا بوجهه القبيح، و بشرته الصفراء، وعينيه الرصاصيتين، فيولي هربا من خياله، فينصرف إلى مطاردة الفراشات مبتعدا عن الأطفال تاركا إياهم في صياحهم، و هرجهم و مرجهم، منصرفا إلى شأنه.
حذث يوما أن وجدهم متحلقين حول يهودا، يتدارون أمرا ما بينهم، فارتاب في أمرهم ، و عصفت بفكره فكرة التآمر عليه، فاستبعد الفكرة، و لم يشأ أن يتطفل عليهم ،ومضى ـ تاركا إياهم و شأنهم ـ لحال سبيله باحثا عن فراشة يستمتع بمطاردتها. ظل طول النهار يتقافز و يلهو غير مكترث بالوقت، ولم ينتبه إلى أن قرص الشمس يلامس الأفق مرسلا سيوفه الحمراء، ولم ينتبه إلى أن إخوته و أقرانه انصرفوا، فقام و انصرف هو الآخر، و السماء من وراءه بدأت تهطل قطعا سودا من الظلام و تلتحم فيما بينها لتصبح قطعة واحدة.وصل إلى البيت منهكا من شدة اللعب، فاستكان إلى النوم طلبا لقسط من الراحة. استفاق مذعورا من وقع كابوس، حيث رأى فيما يرى النائمن أن غريبا أطلق عليه النار من عينيه،و لكن لم يصب بسوء، و مضى و كأن شيئا لم يقع ....
التعليقات (0)