تتتابع ردود الأفعال العربية والدولية بعد جريمة أغتيال رفيق الحريرى وسط إجماع دولى على الإنسحاب الفورى للقوات السورية من لبنان ، ومن بين تلك الردود العربية الخجولة نجد وزير الخارجية المصرى أبو الغيط يعتبر أن " الموقف فى لبنان حساس وصعب ويحتاج إلى قدر أكبر من التوازن " ومبارك يرسل مدير مخابراته إلى سوريا لتخفيف الضغوط عليها ويتباحث مع رئيس النظام السورى ، ويعترف مبارك " بأن موقف سوريا صعب ولا يمكن أن يقف نظام أمام ضغوط المجتمع الدولى " وقال الرئيس المصرى أنه بيفكر مع الرئيس السورى على الكيفية التى يخرج منها " الأسد وريث صدام " من المطب الإحتلالى الإرهابى الذى يمارسه فى لبنان بواسطة جيشه ومخابراته التى تسيطر على حياة اللبنانيين وتصنع لهم قراراتهم اليومية ، فالكبرياء العربى السورى يبرر لها التخبط والمأزق التى وضع العرب أنفسهم فيه ، ذلك المأزق الذى فضح دور الأنظمة العربية فى إعطاء الشرعية لقوات الإحتلال السورى لسنوات ماضية على إحتلال أرض عربية " لبنان " بحجة الأمن والحماية أو الوصاية أو بقية الحجج العربية المعروفة فى ظل فلسفة القومية والبعثية.
حتى الرئيس المصرى يخجل من التصريح العلنى بضرورة الإنسحاب الفورى لسوريا من لبنان بأعتبارها دولة محتلة لأخرى مجاورة لها ، ويبدو عدم تصريح مبارك بذلك راجع إلى إتفاقه على مبدأ إحتلال سوريا والدور الذى تمارسه على أراضى لبنان منذ سنوات وبإجماع بقية الدول العربية وملوكها ورؤسائها فى الطائف الذين يختبئون فى خجل وحياء وراء نوافذ قصورهم الملكية يخشون من البطش السورى الوارث لبطش صدام ، ولم أجد إلا ملك الأردن الشجاع الذى بحكمة دعا سوريا إلى إحترام قرار مجلس الأمن بالإنسحاب من لبنان .
قناة عراقية تعرض مجموعة من المسلحين أو الإرهابيين من جنسيات عربية مختلفة وبينهم ضابط سورى ، وأعترف هؤلاء بأنهم تلقوا تدريبات فى معسكرات سوريا للمخابرات على القتل ذبحاً وقاموا بالفعل بذبح الكثير من أفراد الشرطة العراقية وهذه الأخبار ليست جديدة بل يعرفها العرب جميعاً منذ وقت طويل ، ومع ذلك لم أجد تعليقات رسمية من أنظمتنا العربية تدين تلك الجرائم الصريحة التى تمارسها سوريا ومخابراتها ، عملاً بمبدأ أنصر أخاك فى الحكم ظالماً كان أو مظلوماً .
وسط كل هذه التصريحات والشبهات والمشاهد الكريهة التى لطخ النظام السورى الإرهابى بها ثيابه البالية ، يحاول مبارك أن يساعد الشاب السورى الأسد فى ترقيع إرهابه ليس فقط على شعب سوريا بل وعلى الدول العربية الأخرى مثل لبنان والعراق وما خفى كان أعظم .
سيظل العقل العربى إذن يعانى من العقم لأنه يصر على نهج سياسة العنصرية والتمييز ، سياسة الخداع والنفاق التى تجعله ينادى بالحرية والسلام فى الوقت التى يغتال كل القيم والمبادئ المتعارف عليها إنسانياً ويوافق على إحتلال دولة لبنان لأهداف معلنة وأخرى مستترة لا يعلمها إلا أصحاب الأنظمة ورجاله الكرام الأحياء منهم والأموات .
سنظل نعيش فى الذهول مما يحدث حولنا من أحداث ، لأننا لا نريد الأعتراف بتلك القسوة والبربرية التى يتحاور بها مدبرى الأغتيالات وزارعى المتفجرات وناشرى الإرهاب والتجريم الرسمى والشعبى لها، سنظل نعانى من الجمود العقلى لأننا نطلق العنان لألسنتنا الحادة التى تصب جام غضبها بمناسبة وبدون مناسبة على كل من يختلف معها فى الرأى أو الفكر وترفض الحوار والمنطق الإنسانى ، سنظل نعيش فى عصور البداوة بأصرارنا على التفكير بأيدينا بدلاً من التفكير بعقولنا ، سنظل نعشق عصر أمنا الغولة بإصرارنا على أساليب التهديد والوعيد .
المجتمعات العربية تنهار لأن الانظمة العربية تدفع شعوبها نحو الأنهيار والفساد أكثر وأكثر، الأنظمة العربية تنتهج سياسات فرق تسد لتعزز سنوات حكمها ، سياسات تعليمية وأجتماعية توظف العنف والكراهية لخدمة الحكام والملوك العرب ، سياسات الشحن الإعلامى الذى يهيج مشاعر الشعب العربى ويدفعه إلى النحيب والبكاء على أطلال عصور أمجاد الأنتصارات العربية القديمة .
يقول المثل " العربى " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، والواقع يقول أن العرب لُدغوا ليس مرة واحد بل عشرات ومئات المرات ولم يتعلموا من دروس التاريخ ، فهل هم مؤمنون ... ؟
2005 / 2 / 25
التعليقات (0)