لا ادري لما ارتسم في مخيالي تفاصيل سيناريو غريب بعدما سمعت الشيخ شمس الدين يخيّر الجزائريين بين الانتخاب أو تدخل الناتو، تخيلت في سيناريو عبثي أن أقرا على شاشة الجزيرة بعد التشريعيات القادمة خبرا عاجلا مباشرة بعد الإعلان عن نسبة المشاركة الضعيفة: "طائرات الناتو تشن غارات جوية على العاصمة الجزائرية بسبب نسبة المشاركة الضعيفة… "!! وربما نقرأ خبرا عاجلا على الفضائيات بهذا العنوان: "اجتماع طارئ لمجلس الأمن يدرس توجيه ضربات جوية للجزائر بسبب المقاطعة الشعبية للانتخابات "!!
لا يمكن وصف الفتوى التي أطلقها الشيخ شمس الدين بوروبي والتي خيّر فيها الشعب الجزائري بين الانتخاب أو الناتو سوى أنها غريبة ومثيرة للسخرية ولا تقل غرابة عن فتوى إرضاع الكبير في مصر وفتوى تحريم لمس الخيار والموز على النساء التي أطلقها عالم دين مقيم في أوروبا و فتوى تحريم مشاهدة "ميكي ماوس " التي أطلقها صالح المنجد في السعودية وفتوى جواز معاشرة المرأة الميتة التي أطلقها الزمزمي في المغرب وفتوى تحريم الزلابية التي أطلقها الشيخ فركوس وهي لا تخرج عن سياق فتوى وزير الشؤون الدينية الذي قال أن زيارة صندوق الانتخاب كعيادة المريض …!؟
من حق الشيخ شمس الدين أن يصدر الفتاوى كما يشاء طالما انه يجد نفسه أهلا لذلك ،ولكن ليس من حقه أن يتلاعب بالدين عن طريق لي عنق الأدلة الشرعية وتطويعها لخدمة وجهة نظره...
كنت أود أن يبقى النقاش في حدود الآراء السياسة طالما أن الأمر مبني على الاجتهاد في الأمور السياسية وكل له رأيه ولكن تخوين وتسفيه من له رأي مخالف سيفتح الباب على مصراعيه لممارسة التكفير والتفسيق والتبديع من جميع الأطراف والكل سيشحذ لنا أدلته الشرعية ليعزز وجهة نظره والكل سيشرع في توزيع صكوك الغفران على مريديه وتذاكر دخول جهنم على مخالفيه وسيصبح كل من شارك في الانتخاب ضال عند البعض وكل من قاطعها عميل للناتو كما زعم الشيخ شمس الدين
الشيخ شمس الدين في فتواه الغريبة ربط ربطا غير منطقي بين مقاطعة الانتخابات وتدخل الناتو ويحق لنا أن نتساءل :هل قوات الناتو ستكون في حالة تأهب قبيل إعلان نسبة المشاركة لتحلق الطائرات فوق سماء الجزائر وتدك الشوارع والمدن الجزائرية بالقنابل بمجرد الإعلان عن نسبة المشاركة المتدنية …؟!! هل رأيتم في حياتكم قوات أجنبية معادية تتدخل في بلد ما لأن شعب ذلك البلد قاطع الانتخابات..؟؟
الشيخ شمس الدين استند في فتاواه إلى القاعدة الشرعية " مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب " وهو استدلال في غير محله لأنه بني فتاواه بناء على مقدمات خاطئة وعلى مجرد احتمالات والأحكام الشرعية لا تبنى على الاحتمال والافتراض بل على اليقين لأنه لا علاقة للعزوف الانتخابي بتدخل الناتو منطقيا وواقعيا وحتى تاريخيا...
مادام شمس الدين فتح المجال أمام استعمال النصوص الشرعية وتطويعها لخدمة أغراض سياسوية ضيقة فيمكن لعالم آخر أن يصدر فتوى أخرى استنادا إلى قول الله عز وجل : "وتعاونوا على البر والتقوى و لا تعاونوا على الإثم والعدوان " ويجعل من المشاركة في الانتخابات تعاون على الإثم والعدوان لأنها تؤدي إلى مفسدة كبيرة أولها الاعتراف بشرعية نظام متهالك وثانيها توليه أشخاص غير مؤهلين وقد أثبتت التجربة أن النواب الذين تفرزهم الانتخابات التي أجريت تحت إشراف السلطة لم يسجل لهم إلا رفع الأيدي مقابل تكبيد خزينة الدولة المليارات وبالتالي المقاطعة تكون بناء على تلافي مفسدة متحققة الوقوع ولا يجب تركها والانتخاب لأجل تلافي مفسدة متوهمة أو مخترعة ...
لقد استند شمس الدين في فتواه إلى أمر شاذ والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه كما يقول العلماء ،لأن تدخل الناتو في ليبيا كان أمرا شاذا ولقد رأينا أنه لم يتدخل في تونس أين هرب الدكتاتور بن علي ولا في مصر أين خُلع الرئيس مبارك ولا في اليمن التي غادرها على صالح بطريق التسوية المعروفة ولم يتدخل ولن يتدخل الناتو في سوريا بالرغم من ما حدث وسيحدث .
كما أن تدخل الناتو في ليبيا لم يكن بسبب أن القذافي نظم انتخابات وقاطعها شعبه ، القذافي نفسه لم يكن يؤمن بشيء اسمه ديمقراطية من الأساس وكان يقول عن نفسه انه ليس رئيس لكي يتنحي فهو أسمى من المناصب على حد زعمه ، الناتو تدخل لان القذافي قتل شعبه هذا هو الواقع… من حقك يا شيخ شمس الدين أن تشكّك في نوايا الناتو ودوافعهم الحقيقية ومن حقك أن ترفض تدخل الناتو في شأن داخلي لدولة عربية وهو رأي وجيه ومحترم ولكن ليس لك أن تكذّب السمع والبصر اللذين شهدا بأن القذافي قتل شعبه وهو الذي جرّ بلاده إلى التدخل الأجنبي كيف لا و القذافي وعد بأنه سيعيد ليبيا إلى نفس التعداد السكاني الذي كانت عليه يوم تسلم السلطة !! القذافي قال بعظمة لسانه : سنزحف عليهم أنا والملايين لتطيهر ليبيا شبر شبر بيت بيت بيت داردار زنقة زنقة فرد فرد …" وقال أيضا :" سنجعل من ليبيا نار " خطاب وصفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه مخيف و مرعب ... !!
أما قياس الحالة الجزائرية على الحالة الليبية فهو قياس مع الفارق الكبير لأنه لا النظام الجزائري كالنظام الليبي ولا الواقع السياسي والمعطيات الاجتماعية تسمح بتكرار المشهد الليبي فالشعب الجزائري لم يتظاهر أو يعتصم من أجل مطالب سياسية معينة وقوات الأمن لم و لن تقمع أي احتجاج سلمي بدليل أنها واجهات الآلاف من الاحتجاجات و الاعتصامات والتظاهرات وحوادث قطع الطرق ومحاصرة المؤسسات الرسمية ولم تحدث إلا تجاوزات بسيطة، فالسياسة الأمنية الجزائرية ليست قمعية ولا أحد في الجزائر يدّعي ذلك ، وعداء الشعب الجزائري ليس موجها بالأساس لقوات الأمن أو الجيش لأنهم في النهاية أبناء الشعب ويقومون بدورهم ومن يتصور مواجهة بين الأمن والجيش من جهة والشعب من جهة أخرى فهو واهم …بل الشعب ناقم على ممارسات النخب السياسية التي تتميز بالاستبدادية والفساد والشمولية والأحادية و تكون المقاطعة الانتخابية في هذه الظروف بمثابة سلوك حضاري ربما يساهم في رجوع الطبقة السياسية إلى رشدها ، ربما تكون رسالة إلى من يهمهم الأمر حتى يكفوا عن الاستخفاف بالشعب والاستهزاء به ...
يبدو أن المواطن الجزائري يتآمر عليه الجميع... تحاصره السلطة بالتفقير والاستبداد وتطلق عليه زبانيتها ليتهموه بالعمالة للخارج إذا تظاهر و طالب بالتغيير السلمي و تحشر له الأئمة ليُرمى بالكفر والخروج عن الملة إذا فكر في إحراق نفسه أمام المؤسسات الرسمية و يتهم بالإساءة إلى بلده إذا لجأ إلى الحرقة وحتى عندما يفكر في مقاطعة الانتخابات كسلوك حضاري وللتعبير عن كفره بالنظام يخرج له من يتهمه بأنه ينفذ مخططات برنار هنري ليفي ...
مفتاح سحنون
التعليقات (0)