يبدو أنّ الحلم الذي ظلّ يراود الإيرانيين وقادتهم في السيطرة على المنطقة وإحياء الإمبراطورية الفارسية مازال يدور في مخيلة القادة الإيرانيين المخضرمين أمثال المؤسسة التي يحكمها خامنئي و جنرالات الحرس الثوري في إيران. لكن لو استطاع القادة الإيرانيون الجدد الذين تحكمهم نزعة عقلانية مثل الإصلاحيين والحكومة المعتدلة في إيران إدارة الملفات الخارجية للنظام و استخدام النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل إيجابي لتحوّر النفوذ الإيراني من نفوذ سلبي يهدف الى السيطرة وتدمير المنطقة الى نفوذ إيجابي هدفه التعامل البنّاء والتواصل الثقافي والحضاري بين شعوب المنطقة.
في هذا الإطارأكد المرشد الإيراني الأعلى "علي خامنئي" يوم أمس خلال حديث له مع مسؤولين إيرانيين كبار أنّ طهران بحاجة الى 190 ألف جهاز طرد مركزي لتلبية حاجاتها في تخصيب اليورانيوم وهذا العدد قد أعلنه مسؤول الطاقة النووية الإيرانية على أكبر صالحي قبل أيام. في الوقت الذي تتزامن تصريحات خامنئي مع إجراء المحادثات النوية التي تجري فيها إيران مفاوضات نووية معقدة بين مع الدول ست واحد زائد في فيينا حول إمكانية السماح لإيران امتلاك عشرة آلاف جهاز طرد مركزي تكفيه لتشغيل مفاعلاته النووية وتلبّي حاجته للطاقة . إنّ إصرار خامنئي على هذا الحجم من الأجهزة يعني بصورة أو أخرى وضع حجر عثرة أمام التوصل الى الإتفاق النهائي أو استتغلال الفرصة الأخيرة للحصول على مكاسب أكثر من الطرف المقابل.
من هنا يبدو أنّ خامنئي أراد أن يوجّه برسائل متعددة الجهات الى الأطراف الداخلية والجهات الخارجية في حديثه يوم أمس حول النووي الإيراني . الرسالة الأولى والتي أراد أن يوجهها الى خصوم روحاني بقوله أنه يؤيد ما تقوم به الحكومة و يساندها في مساعيها الحثيثة وأما الرسالة الثانية وهي موجهة الى روحاني و أعضاء حكومته ومفادها أنه قادر على تعطيل أي إتفاق نووي لو حاولت الحكومة الخروج عن طاعة المرشد فيما يتعلق بالإتفاق النووي. والرسالة الأخيرة التي أراد خامنئي توجيهها للخارج وهي وقوفه مع مساعي روحاني وفريقه للتوصل الى اتفاق بشأن النووي للخروج من هذه الأزمة بشكل نهائي مقابل الإعتراف بدور إيراني في المنطقة.
إنّ إدارة ملف السياسة الإقليمية الإيرانية و التحكّم بقضية الدور الإيراني في المنطقة ونفوذها التقليدي من قبل جماعة الإصلاحيين - وهذا ما تظهره كل التوقعات المستقبلية - و سحب البساط من تحت أقدام القادة المتطرفين ، سيسمح لإيران أن تكون لاعباً إيجابياً في المنطقة العربية وأن تخرج نفسها من الدور السلبي الذي لعبه المتطرفون ومثلوا بلادهم فيه عبر العقود الماضية إن لم نقل المأزق الذي وضعها فيه جنرالات القدي والحرس الثوري بسبب أخطائهم في معرفة المنطقة وعدم معرفتهم بطبيعة شعوبها .بعد التوصل الى اتفاق نووي بين إيران والغرب يجب أن تستمر طاولة المفاوضات بين إيران والدول العربية لكي تتطرق الى قضية النفوذ الإيراني في المنطقة في مفاوضات قادمة بعد حل عقدة أجهزة الطرد المركزي أملاً أن لا تتكاثر العقد ويصعب حلها كما حصل في الملف النووي.
التعليقات (0)