ما قبل الربيع العربي طغت على المنطقة العربية انقسامات حادة، وتحالفات كبيرة، ضمن سياسة المحاور والأحلاف، حيث حسمت معظم بلدان المنطقة خياراتها ضمن محورين رئيسين هما محور الاعتدال ومحور الممانعة، وصنفت الدول والنخب السياسية والحركات والأحزاب ووسائل الإعلام، وكل ما هو عربي ومسلم على هاتين المحوريين، حيث يضم محور الممانعة كلا من إيران وسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، بينما يضم محور الاعتدال كلا من السعودية ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية.
ومع انطلاق قطار التغيير في المنطقة العربية، أخذت رياح الربيع العاتية قادة وزعماء وأنظمة اتسمت بالشمولية، فسقط الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ثم الرئيس المصري محمد حسني مبارك واليمني علي عبد الله صالح والليبي معمر القذافي، وأعتقد أن نهاية الرئيس السوري بشار الأسد باتت أقرب مع وصول المعارك إلى قرداحة وهي معقل عائلة الرئيس السوري بشار الأسد.
فما هو مستقبل سياسة المحاور والأحلاف في الشرق الأوسط...؟ وما هي شكل خارطة التحالفات بعد الربيع العربي...؟ وما انعكاساتها على الولايات المتحدة وإسرائيل...؟
التبعية للولايات المتحدة الأمريكية هي الركيزة الأساسية في سياسة المحاور والأحلاف قبل الربيع العربي، فكانت تصنف الدول المعتدلة وفقاً لتلك الركيزة ومن يخرج عن الطوع الأمريكي يصنف ضمن محور الممانعة، ومع اندلاع الربيع العربي وسقوط بعض الأنظمة المستبدة، سقطت معها سياسة المحاور والأحلاف، وأخذت مسارات واتجاهات مختلفة تنسجم مع موازين القوى في النظام الدولي، وبذلك بدأت تتشكل خارطة تحالفات جديدة، خارطة تحالفات غير قائمة على التبعية للغرب، وإنما تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فالمتتبع للنظام الدولي يرى أن الدور الأمريكي في المنطقة يتآكل، يقابله دور ومكانة دولية واقتصادية لبعض الدول في المنطقة مثل روسيا والصين واليابان والهند وبعض دول أمريكا اللاتينية. وكأننا بتنا أمام نظام دولي متعدد الأقطاب.
أما على صعيد النظام الإقليمي، فإن خارطة التحالفات تسير ضمن دائرتين مترابطتين وهما الدائرة الإسلامية والدائرة العربية، ففي الدائرة الإسلامية تلعب تركيا وإيران الدور الأبرز، فهناك مصالح جيوسياسية وتقاطعات كثيرة فيما بينهم وأبرزها المسألة الكردية، والمصالح الاقتصادية، والعداء لإسرائيل، ولكن هناك تنافس واختلافات تتعلق بالملف السوري، والدور والمكانة في منطقة الشرق الأوسط، وهنا لو توافقت تركيا وإيران على إنهاء الأزمة السورية فإن هذا من شأنه أن يخدم إيران في المنطقة العربية، ويساعدها للخروج من شبح العقوبات الغربية، ولكن مطلوب من إيران أن تدفع الثمن للعرب عبر إعادة الجزر الإماراتية الثلاث ، ووقف تهديد أمن الخليج ومبدأ تصدير الثورة.
أما الدائرة العربية والتي اتسعت رقعتها لتضم معظم الدول العربية باستثناء النظام السوري، والعراق، وحزب الله في لبنان، وتستغل روسيا هذا المثلث للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية في آسيا الوسطى، وربما تتنازل عنه في أقرب فرصة كما حصل مع معمر القذافي، وذلك في حال وجدت روسيا ضمانات دولية بوقف النفوذ الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى.
أعتقد أننا نعيش مرحلة جديدة وشبكة تحالفات قوية تعيد للحضارة الإسلامية مجدها، في تأكيد لما كتبه صاموئيل هنتغتون بأن النظام الدولي أحادي القطبية هو آخر نظام دولي في الكون تهيمن عليه دولة واحدة، وأيضاً أن الصراع بين الحضارات في المستقبل سيكون بين ثلاث حضارات وهم: الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية والحضارة الصينية.
إن ما تشهده المنطقة في ظل الربيع العربي، ومدى نجاح التحول الديمقراطي، بالإضافة إلى الدور التركي والإيراني من شأنه أن يرسم مربع أضلاعه هي مصر وتركيا والسعودية وإيران، وهذا المربع سيعبر عن نبض الأمة الإسلامية، وفي حال نجحت الثورة السورية سيكون تشكيل هذا المربع أقرب، وأول ارتداد له سيكون من نصيب إسرائيل، التي بدأت تشعر بالخطر الشديد على مستقبلها، وترتب عن هذا القلق زيادة في نسبة الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الغرب.
التعليقات (0)