مواضيع اليوم

حِراسةُ حُدود الشَّباب

شيرين سباهي الطائي

2009-11-28 00:56:18

0

مكَثَ يُقنعُ ذلك الشاب الغاضب بأنّه رجلُ أمنٍ ويحقُّ له التحقّق من هويّات المارّين أكثرَ من عشرين دقيقة وفقدَ صوابَهُ بعدها وتأكّد بأنّ هذا الشاب يعاني من مشكلةٍ نفسيّة أو مخمورٌ أو غائبٌ عن الوعي وربّما يكون من الذين يعانون من ضعفٍ شديد في النّظر يصاحبه قصورٌ كبير في الملاحظة والتركيز،فكيفَ لا يرى هذه النجوم الثلاثة التي تستريحُ على كتفه ولا يميّز هذه البزّة الرسميّة لرجال الأمن والسيارة التي تحمل من كل جهاتها الأربع شعارات جهةٍ عسكريّة معروفة ..

كانت تلك الأيامُ أيامُ نزهة واصطيافٍ على البحر يحرص عليها أهل هذه المنطقة والمناطق المجاورة وتواجد رجال الأمن ومعاونيهم بشتى القطاعات العسكريّة ضروري جدّا للحفاظ على أرواح المتنزّهين وسلامة السّائحين وحياة السّابحين ومراقبة لعب الأطفال وتصرّفات المراهقين غير المسئولة وتقليعات الشباب التي غالباً ما تتعدّى الحدود وتضرّ بالمارّة والعائلات والمجتمع فلا بدّ لها من سلاح حدود يذكّرهم بالحدود ..

لكنّ الشاب الواعد المُمتلئ سخونةً وطَيشاً وفوراناً لم يُعجبُه هذا التوجّه نحوَ مسألة لا تعنيه ـ حسبَ ظنّه ـ فهو يؤمن بأنّ الحرية إشهارُ العضَلات والراحة في تناسي الأنظمة والاستراحة في تخطّي الأرصفة والمَشْي في الأرضِ مرَحاً،واستغلّ وقوفَ سيارة أمنِ سلاحِ الحدود في بوابة الشاطئ الغربي لمدينة ينبع الصناعيّة بالسعودية ليُمطرَ قائدها بسيْلٍ من أصواتِ منبّه السيارة المُزعج مُلوّحاً بيده أن أفسح ليَ الطريق على عجَل ..

تحَاملّ "النّقيب" على نفسه قليلاً وأشارَ للشاب بقليل من الصبر حتى يكمل حديثَه مع رجل الأمن الصناعي في تنسيق بينهما تخصّ أمنَ الشواطئ ولكنّ الغِرَّ لم يتلطّف ولم ينصاع ولم يصبر بل ضاعَفَ من أصوات منبّهه وزادَ عليها بصوتِ حُنجرَتِه أن تحرّكْ من أمامي،فنزَلَ قائد فرقة سلاح الحدود من سيّارته الرسميّة لعلّ أن يرى الشاب ذلك "ببدلته" الحكوميّة "ونجومه" اللامعة فتتغيّرُ لهجتُه وطريقتُه ..

وفي تجذاباتٍ كثيرة احتكَمَ فيها القائد للعقل والرّزانة أبى الشاب أن يُعطي هوّيّتَه لرجل الأمن مدّعياً أن لا صفةَ رسميّة له لطلبها محتجّاً بأنّه ليسَ على الحدود بينَ دولةٍ وأخرى ولا علاقة لسلاح الحدود بهويّات المواطنين ولا بإثباتات الأشخاص،وانتهى هذا الحدَث بقدومي لحلّ هذه الإشكالية بين ابني المُلتحقِ بالجامعة حديثاً وبينَ ضابطٍ أعطاهُ الله من الصّبر والخُلُق والتّعامل مع فئةٍ كهؤلاء اليافعين المندفعين ما لم يُعطني أنا وقد عملتُ في مجال تعليم المراهقين سنينَ طويلة،وقلتُ في وقتها لنفسي الحمد لله أنّ هذه العناصر من رجال الأمن التي تتقلّد "رُتباً" عالية لها من الحِنكةَ ما يجعلها أهلاً لحلّ المشكلات وضبطِ حدود التصرّفات وحدود الوقائع وحدود المشاجرات مثلما يفعلُ من يراقبُ الحدود البريّة والبحريّة للدولة ..

لكنّ الأمر الذي استوقفني في هذه الحادثة المعترضة مدى الشّرخ الكبير بين رجال الأمن وفئة الشباب ومدى الحساسيّة المُفرطة التي يُكنّها شبابٌ ومراهقون في صدورهم نحوَ "الشرطي" وعملِه دونَ أن يكونَ في ظاهر الأمور ما يستلزمُ عداءً أو تذمّراً،واستغربتُ بأنّ التعليم الأساسيّ والمتوسط والثانوي كانَ يركّزُ ـ على ما أذكر ـ على ترسيخ مفهوم المشاركة بين المواطن ورجل الأمن والصداقة بين الإنسان والشرطة أياً كانت القطاعات العسكريّة التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد أو الضبّاط ..

فبدَتْ أمامي صورة الكثافة الوجوديّة لرجال الأمن في المناطق التي يتجمّع فيها الشباب وصغار السنّ وينضمّ لهم أيضاً مراقبة من رجال دين ومؤسسات حكوميّة أخرى بينما يقلّ تواجد هذه العدد وهذا الفحص والتدقيق في مواقع أكثر إلحاحاً من ساحاتٍ يجتمع فيها مراهقون لتفريغ طاقاتٍ كامنة داخلهم لا يعرفونَ كيفَ يُريحونَ أنفسَهم من غليانها،وبدَتْ كذلك أمامي مدى استهتار البعض من المسئولين الأمنيين في بعض الحالات بشخصيّات الشباب وإنسانيّتهم ونَعتِهم لهم بالفساد وعدم التربية والحاجة للتأديب ..

ولمّا وضعْتُ في كفّة الميزان الأولى ما يلاحظه الشابّ في منظرٍ قاتمٍ كهذا وأنّه مُراقبٌ مُحاصرٌ من كلّ الجهات في بيته ومدرسته وشارعه وشاطئه وتعامل النّزر من رجال الأمن مع بعض المراهقين،وفي الكفّة الثانية ما تُعانيه العائلات والمجتمع والخدمات المحلّية من تصرّفات بعض الشّبان وما يراهُ رجال الأمن كثرة مُرتادي أقسام الشرطة من هذه الفئة بالذات وعدم المسئوليّة التي يُبديها الشباب في قيادتهم لسيارتهم وتهوّرهم دون رادع أو مانع نحو الحوادث المميتة والقاتلة وسوءُ أدب بعضهم بالفعل،حِرتُ واحتَرْت ..

"الشّرطةُ في خِدمةِ الشَّعب" هو الشعار الذي تربّينا عليه صغاراً وفهمنا رُغماً عنّا بأنّ أيّ ألمٍ يُسبّبُه لنا رجال الشرطة والأمن فهو للصالح العام أو أنّه غير مقصود مثلما فهمنا أيامَ تعسّفِ التعليم بأنّ "شتْمَ المعلّم لطلابه برَكة" و "ضربَ الوكيل للتلاميذ تطهيرٌ من أدران سوء الخلق" و "الحسمَ من درجات السلوك والمواظبة والمنع من الاختبارات والوقوف أمام غرفة المدير" عقوباتٌ ملحّة يستحقها من سوّلت لهُ نفسه من الأطفال التعدّي على حدودٍ وضعتْها أنظمة التعليم وفلسفة المعلمين ..

يجبُ علينا اليوم أن نُعيدَ حساباتنا نحوَ الشباب وأن نعلمَ بأنّ شباب هذا العصر ليسو هم شبابُ عصورٍ مضَتْ لا في الهيئة ولا الثقافة ولا الإمكانيات ولا المناخ،ويجبُ أن نقتنع بأنّ رجالَ أمنِ اليوم ليسو هم رجالَ أمن الأمس لا في التعليم ولا في التعامل ولا في طريقة أداء الواجبات ولا الخبرات،ويجبُ علينا أن نسعى جاهدين لأن نوصلَ الحلقةَ التي كسّرها الزّمنُ بينَ رجلِ الأمن والشباب بسبب غياب التثقيف والتوعية للطرفين ونقصِ التدريب على التعامل مع فئات متعدّدة من عيّنات المجتمع ..

رجالُ أمننا هم ذخيرةُ الأوطان،وشبابُنا هم عُدّة البُنيان،ولا غنى لأحدهما عن الآخر، بل إنّ بعضَهم من بعض،فرجلُ الأمن من الشباب والشبابُ بعضُهم رجالُ أمن،فكيفَ تغيبُ عن العاملين في القطاعات العسكريّة التغيّرات الفسيولوجيّة للإنسان باعتبار سِنّه،وكيفَ تغيبُ عن الآباء والأمهات والمربّين ظاهرة الجفاء البادية لدى الشباب تجاهَ أسئلة رجال الأمن أو استفساراتهم الرّوتينيّة العاديّة على الطرقات وعندَ نقاط التفتيش ..

ونُقطةٌ أخيرة يحتاجها جميعُ من يعيش على أرض وطنٍ واحد،هي إتاحة الفرصة للإعلام والمدارس والجامعات ومؤسسات العمل التطوعي لتنوير الناس بتخصّصات الجهات الأمنية على اختلاف أصعدتها ومسمّياتها التي غالباً ما تختلف من دولةٍ لأخرى،ولستُ مبالغاً إن قلتُ بأنّني صادفتُ من الطلاب من لا يعرفُ الفرق بين "الدفاع المدني" و"الحرس الوطني" وبذلك لا أولم منهم من لا يعرف الفرقَ بين مُهمّة "قوات الدفاع الجوّي" ومهمّة "القوّات الجوّية" فتلكَ مرحلةٌ متقدّمة من العلم ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات