مواضيع اليوم

حُمـى الإنقلابات العسكرية !

عبدالسلام كرزيكة

2010-03-01 14:01:12

0

تعيش دولة (عمي أتاتورك) حالة إستنفار قصوى هذه الأيام ، على خلفية التحقيقات الجارية مع ضباط متقاعدين ، وآخرين لايزالون يرتدون بزات الجيش المزرقطة ، لضلوعهم جميعا في مخططات يُعتقد أنهم يقومون بها للإطاحة بحكومة آردوغان (المسلمة) . [ ملاحظة : يجب الإحتفاظ باللفظة الأخيرة في ذاكرة القارئ ما أمكنه ذلك ، لأنها بعض من بيت القصيد] ..

جذور الأزمة تعود إلى بدايات تسلم الحكومة المذكورة لمهامها في إدارة البلاد ، والتي لم تولي الملف إهتماما (بالغا) كما فعلت في الأيام الأخيرة ، والسبب أن (موضوع الإنقلاب) هو كالموجة التي تكون هادئة ومنخفضة في مواسم ، وعالية بل ومدمرة في مواسم أخرى ، تماما كالحمى والزكام اللذين يصاب بهما الناس في مواسم دون مواسم أخرى ..

وقد جاء موسم حمى الإنقلابات ، لذلك بدأت حكومة آردوغان في إتخاذ كافة الإجراءات الوقائية (تحسبا) . وتذكرني ( الإجراءات الوقائية) بتلك التي تتخذها دولنا المسؤولة عن سلامتنا كمواطنين (!!!) كلما تناقلت وسائل الإعلام أنباءاً عن إنفلونزا جديدة تكتسح العالم وتحصد أرواح البشر ، بشراء كميات هائلة من اللقاحات المتزامنة مع الوباءات وفي مواعيد ظهورها دائما ، بتنويرنا بمجهودات العلماء في المخابر ، وكيف أن عقولهم تستجيب تزامنا مع الوباء بإختراع الدواء (!!!) ، ويستنزف الشراء والشحن والنقل مليارات الدولارات من خزائن الدول ، ليتم حرقها بعد ذلك أو تزامنا ، لأن المواطنين لايستجيبون مع (الإجراءات الوقائية) التي تتخذ ضد كل شيء (وبسخاء) إلا ضد التهميش والبيروقراطية والمحسوبية ، وكل ماتعلق (بحقوق المواطنين بالتعليم الجيد ، والرواتب الجيدة ، و .. و .. باختصار : بالعيش الكريم .. ) أي إجراءات وقائية تلك التي تتخذ ضد داء مجهول ودواء يقتل أكثر مما ينقذ من أرواح ؟! .. أي إجراءات تلك التي تحرق بموجبها وعلنا مليارات الدولارات فيما لايزال أغلب المواطنين تحت خط (المعيشة الإنسانية) ؟!..

المهم .. الله يرفع علينا ظلم الظالمين .. قلت حمى الإنقلابات هي حمى حقيقية لكنها ليست خطيرة في أغلب حالات الإصابة بها .. خذ مثلا (إفريقيا السوداء) التي تشتهر بالحركات الإنقلابية ، وحكايات الإستبداد والإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ، أكثر مما تشتهر بالإستقرار و(العيش المقبول) مع كل الثروات الموجودة في أرض القارة المتجددة البكارة ، وتلك الحركات في أغلبها شرعية ، نظرا لِسِيَر الحكام الأفارقة واستبدادهم وانتهاكهم لحقوق الإنسان والمواطن ، فمن حقهم من منظور الظلم أن ينتفضوا ويطيحوا بزعمائهم ، ليعيدوا الأمور إلى نصابها ومجراها الطبيعي (مجرى التحرر من الظلم والإستبداد) ، لايهم من يحكم بعد الإطاحة بالحاكم المغضوب عليه الحالي ، لأن كل مايهم لحظتها هو نفس جديد ، يحل محل النفس النتن الذي أرهق الأرواح والخزائن والأجساد والعقول .. و .. و قائمة طويلة ... لايهم لحظتها أن يحكم (جنرال) أعتى من الجنرال الذي يُسحق إسمه بزمرة من الضباط وبحفنة من الدبابات .. المهم أن يكون جنرال جديد ، يكون كالهدنة التي تتيح للمواطنين المطحونين إلتقاط أنفاسهم ، قبل أن يعود المطلب بالإنقلاب مرة أخرى وفي موسم قادم ..

حمى الإنقلابات هي في أغلبها حمى نافعة ، تماما كتلك التي تصيب الأطفال حين تبدأ أسنانهم (بالنمو) ، أو عظمة ، أو عضلة ، من أجسادهم ، كإستجابة طبيعية للإنتقال من مرحلة إلى أخرى في حياتهم..

وعلى ذكر (إفريقيا السوداء ) ، عادت بي ذاكرتي إلى بطولة إفريقيا للأمم الأخيرة بأنغولا ، حيث كان المحللين الرياضيين العرب يقولون بعد كل مباراة تقام بين فريق من فرق (شمال إفريقيا البيض ) ، وفريق آخر من فرق (إفريقيا السوداء) : [فرق شمال إفريقيا تتحلى بالروح القتالية وتعرف بدمائها الحارة ، وتلعب بقلوبها من أجل بلدانها ، أما فرق إفريقيا السوداء فهي تلعب بدم بارد ، ولا تستميت من أجل أوطانها ؟!] .. كل ذلك بعد كل هزيمة يلحقها فريق شمالي أبيض بفريق جنوبي أسود ..

وهم عن جهل لايدركون أن ذاك إثبات ضدهم كعرب وكمسلمين ، وذاك مكمن المفارقة : .. مفارقة الشمال الأبيض المسلم ، والجنوب الأسود المتعدد الديانات بل وأكثره غير مسلم ؟! .. مفارقة شمال يحب مواطنوه أوطانهم ، ويتباكون إذا تعرضت لوعكة رياضية ، أو سقطة ، وحساسون حتى من نسمة إنتقادية صادقة تجاه أحوالهم ، تحثهم على الإنتفاض ، لكنهم رازحون تحت رحمة أنظمة تستنزف حقوقهم ، وتفعل في شرفهم ، وتقطع ألسنتهم ورؤوسهم وأعضاءهم .. و..، وهم كالأموات لايتحركون .. وجنوب لايملك مواطنوه لأوطانهم أدنى عاطفة ، يزعزعون الكراسي تحت  حكامهم ، ويقلبون الطاولات على رؤوسهم ؟! .. مفارقة الشمال المسلم الذي يرضى بالذل والظلم ، والجنوب الغير مسلم الذي يستميت من أجل التحرر من قبضات الدكتاتوريات ؟! ..

أما بالربط بين حمى إنقلاب الضباط الأتراك ، وحمى الإنقلابات الإفريقية ، نجد الأولى لاعلاقة لها بالتطوير ، ولا بإعادة بسط أجوء الديمقراطية والتحرر من قبضة حاكم ديكتاتوري ، بل هي محاولة للإطاحة بحكومة شرعية مُنتخبة شعبيا ، لإحلال جنرال عسكري مكانها ، وذنبها الوحيد أنها (مسلمة) ، في حين نجد أن الثانية عكس الأولى تماما مع أنها غير مسلمة .. لتكون الخلاصة : إفريقيا السوداء ، المتعددة الأعراق ، والكثيرة الديانات ، تطيح بحكامها العتاة المستبدين .. والشمال الأبيض ،المسلم العارف بمعنى الحرية والعدل على ضوء مبادئه الدينية، يكتفي بالفسفطة والخضوع لسلطة حكام وصفهم بالظلم قليل على مااقترفت وتقترف أيديهم.


ـــــــــــــــــــــــ

تاج الديــن : 03 - 2010

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات