مواضيع اليوم

حين يصبح الإعجاز العلمي مطية للشهرة والتضليل

علي مغازي

2009-12-28 23:22:14

0




التغزل بالفاظ القرآن.. طريق للإثراء

حين يصبح الإعجاز العلمي مطية للشهرة والتضليل

 
سواء رضي زغلول النجار وعمرو خالد أو لم يرضيا، فان العلم وحده القادر على تحسين حياة البشر.

ميدل ايست اونلاين
بقلم: صالح خريسات/ First Published 2009-12-28

انتشرت في الغرب في عشرينيات القرن الماضي ديانة سماها العارفون "الديانة الذكية"، يقول أصحابها إن مسالة وجود الله أو عدم وجوده ليست من المسائل الجوهرية لأنه إذا عمل الإنسان ما هو صالح في هذا العالم فقد فعل ما هو مطلوب منه سواء أكانت له روح خالدة أو لم تكن.

ويقول أصحاب هذه الديانة أيضا: لو كان جميع الناس يعتقدون كما اعتقدنا إن هذا هو الفردوس الوحيد الذي ليس بعده فردوس آخر لوجهوا كل قواهم إلى تحسينه ليصبح فردوسا حقيقيا بكل معنى الكلمة.

أما وهم يؤمنون بوجود فردوس آخر أفضل منه وان الإنسان نزيل فانٍ على هذه الأرض، فهم يحرضون كل واحد على احتقار الحياة وعلى تصويرها بأشنع صورها حتى تصبح جحيما لا يطاق .

وتذكرني هذه الديانة التأملية بفكرة استخلاف الإنسان في الأرض وكيف إن الملائكة أرادت إن تكون لهم الخلافة في الأرض دون البشر وذلك لمكانتهم من الله تعالى ولعكوفهم على عبادته وتسبيحهم بحمده وتقديسهم له فبين الله لهم أن شرائط الخلافة في الأرض ليست تقطيع الدين في التسبيح والتهجد ولا قضاء الأعمار في التحلق من حول العرش.

وإنما شرائط الاستيلاء على الأرض والاستمتاع بما على ظهرها والتصرف فيما تضمنه جوفها لا تكن إلا باستخدام العقل المفكر وما زود الله به بني آدم من الجوارح والنظام البديع.

ولو إن عمران الأرض واستحقاقه من الخلافة فيها كانا معقودين بطاعة طائفة من عباده وانهماكهم في تسبيحه وتقديسه والتزامهم لقواعد عرشه الرفيع لاختص الله بذلك ملائكته المقربين الذين "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".

ولكنه تعالى سبقت حكمته أن لا يرث الأرض إلا العاملون الذين يستخدمون مواهبهم العقلية والجسمية فيما خلقت له، الذين لا يطلبون الغايات إلا من طرائقها الطبيعة. وإذا كانت هذه هي سنته القديمة وتعاليمه التي هدى الأخيار من ملائكته، فعلام يستند جهال المسلمين من خاصتهم وعامتهم إذ يحاولون أن يدفعوا عنهم غارات المغيرين بتلاوة الآيات ورمي الجمرات واستصراخ الأموات؟ وإذ يقابلون تهاطل الرصاص والانفجارات بقراءة السور والابتهال بالدعوات وقطع الأوقات بالركعات والسجدات مما لم يأت به الله بسلطان ولا يتقبله عقل المسلم؟

علام يستند أولئك الذين عطلوا سنة الله الفطرية واستمسكوا بسخافة الخرافات وتربصوا خوارق العادات وما لم يأذن به الله من المنجيات؟ فحتى الأنبياء بغير سلاح لا ينتصرون؟

وسواء رضي زغلول النجار أو لم يرض، وسواء قبل عمرو خالد أو لم يقبل، فان العلم الطبيعي وحده يستطيع إن يحسن ظروف الجنس البشري، وليس الإعجاز العلمي في القران أو حكايات العم عمرو خالد العجيبة. وان الدين الإسلامي مكره على الاعتراف بطبيعة الطريقة العلمية وبحدودها، وعلى أن يبدد الوهم والشك الذي يساور أتباعه. وفي غير ذلك، يبقى الدين قاصرا أو مبهما على اقل تقدير .

إن مناهج البحث العلمي ترفض كل المسلمات والعقائد، سواء منها ما جاء عن طريق الدين أو ما جاء من غير طريقه، ولا تقبل إلا ما يقوم عليه دليل من التجربة أو الواقع. إن اؤلئك الذين هم على وعي بمسؤولياتهم العلمية وأمانة البحث العلمي وتغير الأفكار ومسيرة التطور التي حكمت البشرية، لا يقدمون آراءهم وأحكامهم بطريقة جازمة موثقة ولا يفسرون نظرية كما لو أنها آخر كلمة في الموضوع . فينبغي إن يكون موقفهم كمن توصل إلى نتيجة ظهرت بأنها صحيحة في تلك اللحظة فقط.

وتصبح المشكلة خطيرة عندما تتعلق هذه الآراء بالعقيدة والدين، فحضارة العصر والخطوات السريعة للتقدم العلمي تفرض علينا أن نكون حذرين من الوقوع في أخطاء جسيمة وخطيرة وعلينا أن نعزف عن قول أشياء يمكن أن تزيد في الاضطراب الفكري عند الناس وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالقرآن العظيم.

فماذا لو إن هذا الاكتشاف أو الاختراع الذي ادعوا وجوده في القران تبين فيما بعد انه غير صحيح هم يقولون (أي المؤيدين للإعجاز العلمي أمثال زغلول النجار) إن هذا لن يضير القران في شيء لان من يتكلم سيقول إن المفسر اخطأ وهذا يعني أنهم ليسوا واثقين مما يقولون، والعلم والنظريات العلمية لا مجال فيها للتفسير الخاطئ.

فإذا ما ثبت بطلان مجموعة من الحقائق العلمية فلن يكون ذلك في صالح القران. ليس هذا فقط، فعندما يتكلم العالم أو المفكر فانه لا يتكلم للمسلمين فقط بل يتكلم للبشرية جمعاء، لغير المسلمين ولليهود وللوثنيين إلى آخر الديانات السماوية والوضعية.

إننا حين نقرا قول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف الآية 145 "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها" ندرك حجم الخطأ الذي وقع به هؤلاء .

إن تطويع نصوص القران الكريم لتوافق النظريات العلمية الحديثة وتطويرها لتطابق الحقائق العلمية المستجدة والعلوم البحتة في المستقبل فكرة فاسدة ضالة، فإذا زعم زاعم انه يجب أن يتطور ليلائم كل عصر وكل بيئة فقد افقده وظيفته لأنه سيصبح تبعا للحياة يستقيم باستقامتها ويعوج باعوجاجها فينقاد لها بدل إن يقودها. وأما أنها ضالة فلأن اعتقادها والتسليم بها ينتهي إلى الكفر لان الذي يعتقد إن القران منزل من عند الله تعالى وهو العليم الحكيم لا يعتريه شك في صلاحية ما نزل لخير الإنسان.

هؤلاء الذين يقحمون الدين في كل شيء تقرباً للعامة الذين استولى عليهم الهوس الديني هم أجهل الناس بالدين لكنهم يتاجرون باسمه ويتخذونه مطية للتغير والتضليل. وسبب ذلك ما ورثناه من الميل إلى تقليد سلفنا المعروفين بالتقوى والورع.

وفي تاريخ الحضارة الإسلامية ماضيها وحاضرها أمثلة كثيرة وقف فيها رجال دين أساءوا فهمه في وجه العلم والعلماء واتهموهم بالخروج عليه. فهل في إقحام الدين في العلم فائدة؟ لقد ثارت ثائرة العلماء المسلمين عندما هبط أول رجل فضاء على سطح القمر واتهموا العالم الغربي بالاعتداء على ملكوت الله وسماواته، وثارت ثائرتهم عندما اخترع الإنسان جهاز التلفاز وادعوا بأنه يدعو إلى الانحلال وخافوا على نساء المسلمين وكمموا أفواههن لكي لا ينتقل صوتهن عبر جهاز الهاتف وحرموا التصوير الفوتوغرافي وحرموا الفيديو وجهاز الستالايت واتهموا كل من يقتنيها بالزندقة والانحلال وعقدوا مئات الندوات والمؤتمرات لمعالجة ظاهرة أطفال الأنابيب وكانت النتيجة إن المسلمين أكثر أمم الأرض استخداما لهذه التقنية الحديثة.

إن من أخطر الأشياء أن نستنجد بالدين في كل شيء بعد أن أصبح مجموعة من العادات والتقاليد أنتجها الفهم السيئ والتغالي المضر. فمن رأي زغلول النجار ورفاقه أن الاشتغال بشؤون العالم والعلوم العقلية والمصالح الدنيوية والبحث العلمي الحر، شيء لا يعنيهم، وصار منتهى علمهم أن يتصيدوا الآيات في القرآن الكريم، ليطابقوها مع النظريات العلمية.

ويزعمون أنهم وكلوا جميع أمورهم إلى ما يجري به القضاء، مع أننا نراهم أشد الناس احتيالا في طلب الرزق من غير وجهه، واحرصهم على ما يجمعون من الحطام، ونيل ما يتوهمونه شرفا ورفعة، فهم الآن أثرياء البلاد وأعيانها، ويقتاتون على مائدة التاريخ الإسلامي الدسمة والتغزل بألفاظ القرآن وإعراب آياته .

نحن مطالبون الان بتحديد موقفنا من هذه الظاهرة الغريبة وتعيينه لما ينبغي أن نفيده من نتائج هذا التقييم ونحن مطالبون إن نعيد النظر في كثير من المفاهيم التي انطوى عليها ما يسمونه بالإعجاز العلمي، وأن نميز بين ما أنتجه العقل البشري في حيويته وانطلاقه واللبس باسم الدين.

ولا بد من تحديد المنطلقات النظرية للتمييز بين "العلم" و"الدين" فالعقل العلمي ينفتح دائماً على الواقع ويتغذى من كل التجارب ويرفض الأطر المسبقة. وهذا يحتاج إلى موقف تحليلي من تلك التجربة الفريدة التي عاشتها أوروبا وكانت عناصرها الإنسان في ماضيه وحاضره .

إن الطريقة التي يتحدث بها فريق الإعجاز العلمي في القرآن الكريم تترك لمثل هذه المفاهيم فرصة استعبادنا وتبتعد عن جوهر التقدم والحضارة والاستئناف العلمي. مع أن القرآن العظيم حملنا على أن نتصل بالدين اتصالاً مبدعاً خلاقاً وأن نتوجه إلى المدنية والحضارة بالوعي والفكر.

إننا يجب إن نتوصل بالعقل إلى الفهم الصحيح لمغزى ما انطوى عليه القرآن لنتخذ منه دليلاً لطريق التجاوز والتخطي. بمعنى أننا يمكن أن نكتشف فيه ذلك البعد الروحي العميق الجوهر ونسير فيه المدى الفكري، فنعمق فهمنا لحاضرنا متخذين فيه موقفاً سليما ولا نحمله ما لا ينبغي. وبهذا نتيح لشخصيتنا الحضارية أن تتفتح تفتحاً كاملا ً وتنمو بشكل طبيعي .

أن العالم المتقدم الذي ينفصل كلياً عن القرآن ومفاهيمه وإعجازه العلمي الذي ندعيه يكتشف كل يوم ظاهرة علمية جديدة ويتطور بطريقة سريعة بينما لم نتوصل في العالم الإسلامي إلى شيء يفيد.

فما هو هذا الإعجاز الذي ندعيه؟ تقضي الضرورة إعادة النظر في مفهوم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والتحول إلى الارتباط بالقرآن من حقائق أساسية تعكس صورة واضحة للعقلية البشرية بمداها الحضاري وبفهمها الإنساني وهي في أوج تفتحها وإبداعها. والمحصلة إن الأمة رغم واقعها المتخلف المجزأ تمتلك إمكانات تؤهلها لبلوغ المستوى الذي وصلت إليه الأمم المتقدمة وإنما تحتاج إلى قوة دافعة لربط هذه الإمكانات بالمدنية مما يعزز الثقة بالعقيدة الإسلامية وبالفكر الإسلامي.

إن التعامل مع حضارة العصر لن يكون بالتمنيات المريرة ولن يكون مصدره صفحة بيضاء خالية من آية خلفية فكرية التي لديها الاستعداد لتقبل كل شي دون وعي أو تمحيص، بل يكون هذا التعامل على أساس علمي وموقف نقدي يقود إلى التمثل الحي للعطاء الإنساني وهذا يعني رفض التبعية الفكرية ورفض الانغلاق الفكري.

إننا لا نريد إن نفهم الإعجاز العلمي بالطريقة التي يفهمها النجار لأنها حالة اقتباسية تعني إن نأخذ من العالم تطوره وعلومه واكتشافاته وننسبها قسرا إلى الظاهرة القرآنية. لا نريد إن نقتبس وإنما نريد ان نفهم وان نهتدي إلى روح القران وان نهتدي إلى الدور الجوهري للإنسان وهو عمارة الأرض. إننا نريد انسانا واثقا من نفسه، فاهما لدور أمته ومدركا للخصوصية الدينية التي يحاول إن يتميز بها.

 

صالح خريسات


التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات