مواضيع اليوم

حين يخفت صوت العقل الراجح

جمعة الشاوش

2011-06-04 18:41:51

0

حدث وحديث

"جدّت في الليلة الفاصلة بين يومي الجمعة والسبت(4/5 جوان 2011) بمدينة المتلوي من ولاية قفصة(محافظة تونسية) أحداث عنف وشغب خلّفت حسب مصادر طبية 3 قتلى وما لا يقل عن 90 جريحا." ذلك هو فحوى الخبر في جوهره كما نقلته وكالة "وات" التونسية،وهو نقل لوقائع معركة انطلقت بين شخصين لتؤول إلى ما آلت إليه من تداعيات بسبب غضب أعمى،وقد تأتي الأخبار بما هو أسوأ...
لشدَّ ما يحُزّ في النّفس الاحتكام لقانون الغاب في زمن الثورة التي قامت من أجل إعلاء سلطة القانون العادل...ما من تبرير مقبول ليجد العنف القاتل مكانته في عهد ثورة "الكرامة والحرية"،تلك التي يحلو للغربيين تسميتها بـ"ثورة الياسمين" . الياسمين رمز اللطف والنقاوة لا يُحيل،بأيّ تأويل إلى رائحة غير عطرة وشذية،ولا إلى لون دماء مسفوكة هدرا نتيجة انفعالات وتوتّرات سرعان ما انخرطت في الثأر والثأر المضاد في مشهد حلبة صراع بغيض استعملت فيه الأسلحة النارية وأسفر عن سقوط أرواح بشرية،بعد أن ساد الغضب الأسود في ظلّ غياب العقلاء الحكماء أو تغييبهم...
حدث هذا بمدينة المتلوي التونسية المنجمية،وهي مدينة-فضلا عن ثروة الفسفاط التي تزخر بها أراضيها-لا يقدر أحد على تجاهل ثروتها البشرية المعطاء علما ومعرفة،خصوصا في صفوف شبابها،ولا يجوز لعارف التقليل من شأن أعلامها ومثقّفيها وحكمائها...
كيف يحدث ما حدث من رعب ونهب وزهق أرواح في مدينة المتلوي؟..بل كيف تتكرّر في نفس المدينة أو في غيرها صدامات بين مواطنين توحّد بينهم الهوية والتطلعات تسفر عن سقوط قتلى، ولا يحول دون تكرارها كبار القوم و"أدعياء" حماية الثورة أفرادا وجماعات منخرطة في تنظيمات المجتمع المدني قبل أن نطرح قصور السلطات الرسمية على المعالجة بالتي هي أحسن أو بالردع؟...
لا يمكن غضّ الطرف أو السكوت عن تكرار مثل هذه الظاهرة المشينة التي غدت محيّرة لإصرارها على أن تغدوَ مكوّنا من مكوّنات المشهد التونسي الجديد بعد ثورة 14 جانفي العظيمة،عظيمة بطابعها السلمي وسلاسة مرحلتها الانتقالية ونبل رسالتها...
قد يعجب الملاحظ الذي يعرف تونس من إفراز الثورة التونسية-فيما أفرزته- لظاهرة العنف وما شابهها من ترويع ولصوصية وتذكية لنعرة العروشية والعصبيات وإشعال للفتن بين التونسيين حتى في المدينة الواحدة،ذلك أنّ المجتمع التونسي ميّال بطبعه إلى المسالمة والاعتدال والتسامح بحكم تجانسه وخصوصيات تركيبته البشرية التي تنهل من نفس الإرث الحضاري وبحكم صغر حجم رقعته الجغرافية التي تحضنه وانبساطها واعتدال طقسها...
تُرى هل ثمّة من انحرف بمفهوم الحرية التي اندلعت من أجلها الثورة فحوّله،على هواه،إلى مرادف للفوضى وبث الرعب في نفوس الآمنين وفرض قوّة العضلات المفتولة ونيران بنادق الصيد؟..هل يجوز السكوت عن ذات خطر داهم في ظلّ الانشغال بتأسيس الأحزاب السياسية التي ينتظر أن يفوق عددها المائة،وفي غمرة تمجيد النضال الثوري وانتصاب دعاته بمنطق فرض الأمر الواقع واجتثاث فساد السلطة المطاح بها وتكريس حرية التعبير حتى إن كان كمّه الغالب لا يعدو أن يكون إلا إسهالا لكبت مخزون والتنظير لتجزئة الشعب الموحّد إلى صنفين لا ثالث لهما:إما ثائر أو ثائر عليه...
آن الأوان ليختفي خفافيش الظلام والسفهاء والموتورون واللصوص فصُبْح الثورة أشرقت أنواره وحان الوقت ليسود العقلاء الحكماء والقادة الأكفاء والوطنيون الشرفاء مشهد بناء استحقاقات الثورة الخالدة وتحقيق أهدافها الحضارية التي تمرّ حتما بشعور الجميع بالطمأنينة في كنف التضامن والتآزر وقد اختفت الضغائن والأحقاد واندحر كيد الكائدين وحلّ التشاور والوفاق محل التطاحن والشقاق...
صفارة الإنذار التي تسمَعُ من حين إلى آخر في مثل مظاهر "الانفلات الثوري"،سواء كانت خصوصيته أمنية أو غيرها هي موجّهة بالأساس إلى أولئك الذين يشغلون الحياة العامة بالأحزاب السياسية والبِدَع الثورية ولا ينشغلون بهموم الناس ولا يُبدّدون حيرتهم ولا يُجيبون على أسئلتهم ولا يحمونهم من بعضهم البعض...
لنحذر ثورات عربية شعبية ذات مضامين حضارية راقية يركبها أناس يَدُسّون لشعوبهم السّمّ في الدّسم...
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !